تستمر أعداد طالبي اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي في الارتفاع، كمؤشر لعدم انتهاء أزمة اللجوء التي تعاني منها أوروبا من جهة، وعدم زوال الدوافع التي تجعل الأفراد إلى الاتجاه فعليًا لتحمل أعباء اللجوء وترك بلدانهم الأصلية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية فيها.
سجلت وكالة “مراقبة الحدود الأوروبية” (فرونتكس) زيادة كبيرة في عمليات العبور “غير القانونية” على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020.
وبحسب بيان نشرته الوكالة، في 17 من أيار الحالي، وصل عدد عمليات عبور الحدود غير النظامية للحدود الخارجية لأوروبا في الفترة بين كانون الثاني ونيسان الماضيين 36 ألفًا و100 عملية، أي أعلى بمقدار الثلث من عام 2020 عندما انخفضت الهجرة غير النظامية بسبب قيود السفر المرتبطة بتفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وبلغ عدد عمليات عبور الحدود في نيسان الماضي نحو 7800 عملية، بزيادة أربعة أضعاف على المستوى القياسي المنخفض المسجل في نفس الشهر من عام 2020، بحسب البيان.
وذكر البيان أن 1850 حالة عبور على طريق شرق البحر المتوسط أُبلغ عنها في نيسان الماضي، بزيادة 12 ضعفًا على الشهر نفسه من عام 2020.
لكن في الربع الأول من العام الحالي، انخفض العدد الإجمالي لعمليات الكشف بنسبة 58% إلى أكثر من 4800، ويعود أكبر عدد للاجئين المُكتشفين للجنسيتين السورية والتركية.
واكتُشف 11 ألفًا و600 لاجئ على حدود الاتحاد الأوروبي مع دول غرب البلقان، أي ما يقرب من ضعف الإجمالي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، معظمهم من السوريين.
وعلى الرغم من ذلك، تتصدر أزمة ترحيل اللاجئين السوريين في بعض البلدان الأوروبية، خاصة الدنمارك، التي تصر على اعتبار أن هناك “مناطق آمنة” في سوريا أصبحت مؤهلة للمعيشة والإقامة فيها، بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين.
وقال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تيسفاي، في حزيران 2020، إنه يجب على دائرة الهجرة البدء بمراجعة تصاريح الإقامة الممنوحة في الدنمارك للاجئين السوريين القادمين من دمشق، بحسب ما ذكره موقع الهجرة والاندماج الدنماركي.
وأوضح، “نحن مستعدون بحقيبة كبيرة من أموال السفر ذهابًا وإيابًا، لأولئك الذين يتعيّن عليهم العودة وإعادة بناء حياتهم في سوريا”.
قرارات تتجاهل المنطق والأخلاق
بعض الأحكام الدولية لا تعتمد بوضوح تام وموحد فيما يتعلق بمفاهيم مسائل تكتسب أهمية كبيرة في سياق حقوق الأفراد باللجوء، ومن هذه المفاهيم مصطلح “المنطقة الآمنة” كشرط أساسي لعودة اللاجئين لبلدانهم الأصلية.
في 17 من أيار، نشر مركز “جسور للدراسات” دراسة بحثية تركز موضوعها على “البيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين” تضمنت محتوياتها دوافع السوريين للهجرة، ومفهوم المنطقة الآمنة وشروط توفرها في الحالة السورية.
وذكرت الدراسة التي أعدها المحامي السوري أحمد صوان وعبيدة فارس أن قرار الدنمارك بإعادة اللاجئين السوريين بشكل غير طوعي يفتقر إلى التبرير القانوني والأخلاقي، فهو مخالف لاتفاقية 1951 بشأن اللاجئين، والدنمارك هي طرف فيها.
كما أن إصرار الحكومة الدنماركية على تجاهل كل المخاطر الأمنية التي يمكن أن يتعرض لها العائدون من اللاجئين، والتركيز بدلًا من ذلك على حقيقة توقف النزاع في مناطق العاصمة السورية دمشق وريفها، يمثّل تجاهلًا يفتقر إلى المنطق لبقية المخاطر التي من المحتمل بشكل كبير أن يتعرض إليها اللاجئين العائدين.
حددت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 في مادتها رقم “33/أ” نقيض مفهوم “المنطقة الآمنة”، وهي الأقاليم التي تكون حياة اللاجئ أو حريته مهددتين بالخطر فيها بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، ولا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تُعيد اللاجئ بصورة تعسفية إلى هذه الأقاليم.
في هذه المادة يتمثل المبدأ الأساسي بحظر الإعادة القسرية، وتوصيف الأقاليم المحظور عودة اللاجئ إليها.
اقرأ: سيناريو ترحيل السوريين من أوروبا يصطدم بالقانون
رحلة طويلة لأخذ الحقوق
يعوّل المحامي أحمد صوان، في حديثه لعنب بلدي، على هذه المادة كسند قانوني لتحصيل حق الفرد باللجوء في البلد المستضيف، ولكن المشكلة تكمن بتعقيد الإجراءات الشكلية لرفع دعوى بعدم تنفيذ قرار الترحيل بحق اللاجئ أمام المحكمة.
الحق في الوصول إلى التقاضي لضمان حقوق اللاجئ مكفولة في البلدان الأوروبية، ولكنه يخضع لقيود شكلية، وفق ما ذكره صوان، فـ”رحلة رفع دعوى أمام محكمة العدل الأوروبية أو أمام محكمة حماية حقوق الإنسان الأوروبية هي رحلة طويلة وشائكة بسبب الكثير من التعقيدات والشروط الشكلية اللازمة لرفع هذه الدعوى”، يمكن لهذه القيود أن تقوض جوهر هذا الحق أو تحد منه.
لأن ملف الاعتراض على قرار الترحيل يجب أن يكون مكون من عدة صفحات وأي خطأ بسيط في كتابة ملف الاعتراض يؤدي إلى رفض الدعوى شكلًا أو رفض الاعتراف بحق الفرد باللجوء، وفق ما أوضحه صوان، بالإضافة إلى أن مدة الإجراءات الشكلية للمحكمة هي مدة طويلة، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند رفع دعوى بهذا الشأن.
وأوصى صوان بتوكيل محامٍ لديه خبرة في قضايا اللجوء داخل أوروبا، كي يضمن الشخص الراغب برفع دعوى إلغاء قرار ترحيله من أجل تحقيق جدوى لهذه الدعوى.
اقرأ أيضًا: “المنطقة الآمنة”.. مفهوم فضفاض يؤثر على حق السوريين باللجوء
وفي تشرين الثاني عام 2020، أصدرت “محكمة العدل الأوروبية” حكمها بأن هناك “افتراض قوي” بأن رفض أداء الخدمة العسكرية بسياق النزاع المسلح القائم في سوريا حاليًا مرتبط بأسباب قد تؤدي إلى استحقاق الاعتراف بحق اللجوء، لأن في حالات كثيرة يكون هذا الرفض تعبيرًا عن آراء سياسية أو معتقدات دينية.
وجاء قرار المحكمة على خلفية قضية ملتمس لجوء سوري هرب من محافظة حلب شمالي سوريا إلى ألمانيا، بعد تخرجه من الجامعة، تفاديًا لأداء الخدمة العسكرية، إلا أن الدائرة الاتحادية للهجرة واللجوء رفضت منحه حق اللجوء، وأعطته حماية ثانوية (إقامة مؤقتة) “لأنه غير ملاحق في سوريا”، ما دفعه إلى استئناف القرار أمام المحكمة الإدارية في مدينة هانوفر شمالي ألمانيا، والتي رفعت بدورها القضية إلى “محكمة العدل الأوروبية”.
وجدت المحكمة، وهي أعلى هيئة قضائية لدول الاتحاد الأوروبي، بأن رفض الشخص أداء الخدمة العسكرية مرتبط بأحد الأسباب الخمسة التي تؤدي إلى الاعتراف به كلاجئ.
وترى المحكمة أن “جرائم الحرب المرتكبة من قبل الجيش السوري موثقة بشكل جيد، كما أن الفرار من الخدمة العسكرية يصنف لدى السلطات السورية على أنه فعل ضد النظام”.
“من المحتمل جدًا أن تفسر السلطات رفض أداء الخدمة العسكرية على أنه تعبير عن المعارضة السياسية”، وفق “العدل الأوروبية”.
ودعت المحكمة سلطات الدولة الأوروبية التي تدرس طلب اللجوء، إلى فحص سبب رفض أداء الخدمة العسكرية، وما إذا كان سيعرّض ملتمس اللجوء لأحد أشكال الاضطهاد الخمسة القائمة على العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الآراء السياسية، أو العضوية في فئة اجتماعية معينة.