عنب بلدي- علي درويش
لا تعد سوريا من الدول الكبيرة المساحة، لكنها تجمع جغرافيًا بين مختلف التضاريس من البادية والساحل والمناطق الجبلية والسهلية، ما ينعكس في تنوع الموارد والثروات الطبيعية، ومنها الثروات الباطنية التي استُثمر قسم منها في وقت سابق.
تعصف الأزمات والعقوبات اليوم بالاقتصاد السوري، بينما تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على معظم حقول النفط، إلا أن مناطق تحت سيطرة النظام تملك ثروات لم تُستثمر بعد، أو احتُكرت لإحدى جهتي الدعم روسيا وإيران.
السجيل الزيتي في منطقة خناصر جنوبي حلب، الصخور المشبعة بعنصر المغنيسيوم في حماة، موردان يمكن أن يكونا عاملًا مهمًا في تنشيط الاقتصاد، أو حل بعض الأزمات في مناطق سيطرة النظام، لكنهما معطلان ولا يجد استثمارها النور.
المغنيسيوم.. ثروة يتهرب النظام من استثمارها
ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أواخر نيسان الماضي، أن عمال شركة “أسمنت حماة” وجدوا مصفوفات ضخمة من الصخور المشبعة بعنصر المغنيسيوم داخل مناجم استخراج الكلس النقي غير صالحة للدخول في صناعة الأسمنت.
وتتموضع مصفوفات الصخور المشبعة بالمغنيسيوم على شكل جبل طوله نحو 30 مترًا ويتجاوز وزنها 1.5 مليون طن.
وتشكّل الصخور “إعاقة كبيرة لعمليات استخراج الصخور الكلسية النقية داخل مقالع الشركة، كما يعوق تموضع هذه الصخور وسط مناجم الكلس حركة كسارات الحجر”، حسب تصريح مدير عام شركة “أسمنت حماة”، علي جبعو، لـ”سانا”.
وأضاف أن ترحيل الصخور سيكلف الشركة أربعة مليارات ليرة سورية، كما تشكّل “تهديدًا لعمليات استثمار الكلس النقي”، لكن يمكن استثمارها في صناعة الطوب الخرساني، وبالتالي يمكن أن تعود بإيرادات قُدّرت بـ3.7 مليار.
يدخل المغنيسيوم في العديد من الصناعات، ويأتي بعد الحديد والألمنيوم في صناعة الهياكل المعدنية كأجزاء الطائرات ومحركات السيارات، كما يدخل في الصناعات الإلكترونية، إضافة إلى الصناعات الدوائية.
السجيل الزيتي.. 11 سنة للاكتشاف والاستثمار منسي
السجيل الزيتي عبارة عن صخور تحوي شكلًا من أشكال النفط قبل تشكّله كسائل، لكن له نفس تركيبة النفط السائل، ويمكن أن تحوي الصخور على الغاز أيضًا.
ويستخرج النفط من الصخر الزيتي في عدة دول، منها الصين وأستونيا والبرازيل والأردن والمغرب. لكن استخراج النفط من الصخور له أضرار بيئية خاصة على المياه، على اختلاف طرق استخراجه وتطورها، وهناك دراسات لاستخراجه بأضرار أقل. |
أعلنت وزارة النفط السورية أول مرة اكتشاف السجيل الزيتي في خناصر في أيار 2010، لكن الحكومة لم تتخذ إجراء فعليًا لاستثماره.
ويتميز موقع استثمار السجيل الزيتي في خناصر باتساعه ووجود سماكات كبيرة من السجيل الزيتي فيه، وهو مناسب لفتح مقالع مستقبلية، ويمكن استثمار الخام مقلعيًا، حيث سماكة الغطاء لا تزيد على 25 إلى 63 مترًا، وسماكة الخام 250 مترًا، إضافة إلى توفر الشروط الجيوتكتيكية والهيدروجيولوجية المناسبة للتعدين، حسب “هيئة الاستثمار السورية”.
وطُرح مشروع استثماره للحصول على الطاقة من قبل “هيئة الاستثمار السورية”، بتكلفة تقديرية 800 مليون دولار، وفق موقعها على الإنترنت.
ويهدف المشروع إلى استخلاص البيتومين من الصخور المشربة بالزيت الصخري أو الحرق المباشر للحصول على الطاقة، واستخدام السجيل في:
· توليد الطاقة الكهربائية بواسطة الحرق المباشر للصخر الزيتي.
· استخراج الزيت والغاز بعمليات التقطير.
· إنتاج الأسفلت لتعبيد الطرقات.
· صناعة الأسمنت بواسطة الرماد المحترق.
· تخصيب التربة باستخدام الرماد والبقايا.
· استغلال الزيت كناتج بتروكيماوي يستغل في صناعة البلاستيك ومبيدات الحشرات والكيماويات.
ووقعت وزارة النفط السورية مع شركة “روس جيولوجيا” مذكرة تعاون تضمن أحد بنودها العمل على استثمار “بلوك” من خامات السجيل الزيتي، لكن أيًا من ذلك لم ينفذ.
وانتقدت صحيفة “الثورة” الحكومية، في أيلول 2020، عدم استثمار السجيل، على الرغم من أن الجارة الأردن تؤمّن قسمًا لا بأس به من حاجتها الكهربائية اعتمادًا عليه.
اعتماد السجيل الزيتي في توليد الكهرباء يتيح تحرير كميات الغاز التي تشغل محطات توليد الكهرباء، إلى احتياجات أخرى كتأمين الغاز المنزلي.
وتعاني مختلف المناطق من عدم ثبات ساعات تقنين الكهرباء، وتبرر وزارة الكهرباء ذلك بزيادة الطلب على الكهرباء في فصل الشتاء وتغير الاستجرار، إضافة إلى تعرض خطوط إمداد الغاز والنفط أحيانًا لهجمات وخروجها عن الخدمة.
عقبات وآثار لاستثمار الموارد
قال الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، لعنب بلدي، إن عدم استثمار هذه الثروات (السجيل الزيتي والمغنيسيوم) حتى الآن، يعود إلى عدة عوامل، منها ما يتعلق في ظروف الحرب، إضافة إلى البيروقراطية والمركزية الكبيرة التي تعاني منها مؤسسات النظام، فـ”اتخاذ قرار استثماري واحد قد يحتاج إلى سنوات لاتخاذه”.
ومما لا شك فيه أن أي ثروة جديدة من شأنها الدفع إيجابًا بأي اقتصاد، حسب حديث الباحث يحيى السيد عمر.
وفيما يتعلق في سوريا، من شأن هذه الثروات دعم اقتصاد الدولة السورية في مجال الطاقة وغيرها من المجالات في حال استثمرت.
ولكن لا بد من الإشارة إلى قضية بالغة الأهمية، حسب الباحث يحيى السيد عمر، وهي أن “الثروات لوحدها لا تدعم اقتصاد الدول، فالثروات بحاجة إلى مناخ استثماري ونزاهة وشفافية، وإلا أتى الفساد والسرقة على هذه الثروات، فـ”العبرة ليست فقط بوجود الثروة بل بطريقة استثمارها وطريقة توزيع العوائد”.
وأشار يحيى السيد عمر إلى أن هناك بعض الدول الفقيرة بالثروات، لكنها وصلت إلى مكانة اقتصادية مرموقة كاليابان وكوريا الجنوبية.
وفي مقابل ذلك، توجد دول غنية بالثروات الطبيعية، لكنها تتصدر الدول الفقيرة كالسودان، الذي يعتبر من الدول الغنية بالثروات لكن “الفقر يبلغ أشده فيها”، بسبب “الفساد وعدم وجود مناخ استثماري وغيره من الأسباب”.
الفوسفات.. هيمنة روسية
يبقى السؤال الأبرز عن الاستثمار في السجيل الزيتي أو المغنيسيوم، هو بقاء هذين الموردين دون استثمار أم وقوعهما تحت يد روسيا وإيران، حليفتي النظام السوري، على غرار مادة الفوسفات.
ففي نيسان 2018، صدّق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على عقد استثمار مناجم الفوسفات بمدينة تدمر شرقي حمص لمصلحة شركة “ستروي ترانس غاز”، خاصة منجمي “الشرقية” و”خنيفيس”.
ونصّ العقد على تقاسم الإنتاج بين الطرفين بحيث تكون حصة المؤسسة العامة للجيولوجيا 30% من كمية الإنتاج، مقابل 70% للشركة الروسية، إضافة إلى بنود أخرى من الاتفاق.
الشركة الروسية التي تعتبر من الشركات العالمية في استثمار النفط والغاز، بسطت سيطرتها أيضًا على “الشركة العامة للأسمدة” في حمص بموجب عقد استثمار، في تشرين الثاني 2018، يقضي باستثمار الشركة ومعاملها الثلاثة مدة 40 عامًا قابلة للتجديد.
و”الشركة العامة للأسمدة” في حمص أكبر مجمع صناعي كيميائي في سوريا، وتنتج عبر معاملها الثلاثة الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية، وتؤمّن حاجة القطاع الزراعي بشكل كامل.
سوريا الغارقة بالأزمات
تتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
ويعاني السوريون من عدة أزمات اقتصادية ومعيشية تثقل كاهلهم، في ظل غياب التغيير في سياسات حكومة النظام الاقتصادية والمالية، رغم استمرار وعودها بانفراج الأزمات منذ سنوات.
ومع رفض النظام السوري أي حلول سياسية مقترحة، وعدم التزامه بقرارات الأم المتحدة لإنهاء النزاع في سوريا، ضيّقت العقوبات الأمريكية والأوروبية، خلال السنوات السابقة، الخناق عليه، واستنزفت الاقتصاد الذي يديره، وصاحب ذلك تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وما خلّفته من آثار اقتصادية.
وانعكس ذلك على حياة السوريين اليومية غلاء وارتفاعًا في أسعار المواد الأساسية، وصعوبة في تأمينها، وانخفاضًا في قيمة العملة الوطنية، وتدنيًا في قيمة الدخول والأجور والرواتب.
وترافق مع انتشار طوابير بشكل شبه يومي أمام الأفران لتأمين الخبز، وأمام محطات الوقود لتأمين المحروقات، وسط عجز النظام عن تأمين الحد الأدنى من المحروقات اللازمة للقطاعات الخدمية والاستهلاك اليومي للسكان.
ولا تفلح الإجراءات الأمنية التي تتخذها سلطات النظام النقدية والمالية، ولا القرارات الاقتصادية، في ضبط سعر صرف الليرة السورية.