العيد وانتخابات الأسد

  • 2021/05/16
  • 9:58 ص

إبراهيم العلوش

يحتفل السوريون بالعيد، ويوزعون على أطفالهم وعلى جيرانهم أقراص العيد التي أنضجوها بنار فقيرة، وربما استدانوا ثمن مكوناتها، أو تلقوها من جمعية خيرية، من أجل أن يزرعوا لحظة فرح في قلوبهم، رغم لعنة الأسد التي هبّوا لاجتثاثها بعيدًا عن حياتهم وعن مستقبلهم!

يمثل بشار الأسد كل الإرث الأسدي وتجلياته المخابراتية والعسكرية، بالإضافة إلى كونه ثمرة الانقلابات العسكرية التي بدأت بحسني الزعيم وانتهت إليه، وقد جسّد الأسد وحاشيته كل استهتار القادة العسكريين السوريين في تاريخهم المتسم بالمغامرة واحتقار الشعب والتنكر للقوانين والدساتير السورية خلال 70 عامًا ومنذ انقلاب الزعيم 1949.

يمرّ عيد الفطر هذه السنة وبشار الأسد مشغول بإعادة وصفة تزوير الانتخابات التي أتقنها أبوه حافظ ونفذها عبر حكمه بكل فجاجة، وبكل استهتار بالقانون وبالناس الذين يضع فوهات بنادقه على رقابهم، ويحتبس أبناءهم كرهائن ليقولوا له نعم! ويهتفوا باسمه رغم كل الفشل الذي يمثله مع أركان حكمه على صعيد الاقتصاد والسياسة والجيش، فقد جلب على سوريا هزيمة حزيران في العام 1967 عندما كان وزيرًا للدفاع، وصولًا إلى تحويل المخابرات إلى صلة الوصل الوحيدة بينه وبين السوريين، سواء كانت “المخابرات العسكرية” أو “المخابرات الجوية”، اللتين كان لهما أعظم الدور في إدارة التخريب والتعذيب في سوريا خلال الـ40 سنة الماضية على الأقل.

يأتي وزير الخارجية الإيراني الذي تحتل بلاده أجزاء واسعة من التراب السوري بميليشياتها وبحرسها الثوري ليعلن من دمشق، في 12 من أيار الحالي، أن إيران مستعدة لأن تكون ضامنة لنزاهة الانتخابات السورية!

ويخاطب السعودية البلد العربي الذي طالما أسهم بمساعدة السوريين، يخاطبها جواد ظريف من دمشق من أجل التفاوض حول سوريا واليمن، فالرهينتان الإيرانيتان جاهزتان للبازار، وبالنسبة إلى لبنان والعراق فيبدو أنهما أغلى من التفاوض والبيع هذه الأيام!

أما السوريون المعروضة بلادهم للبازار الإيراني، سواء لدول الخليج أم للدول الأخرى، فيعيشون العيد وسط الجوع والحرمان والتهجير واختفاء أبنائهم في سجون الأسد، ويتخاطبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن كانت سوريا تعج في أيام الأعياد بالزيارات وبالاحتفالات الدينية والشعبية، وصار الجوع وانقطاع الكهرباء، وخيالات وجوه المفقودين، والبيوت المدمّرة، هي محاور الحديث بينهم، أما السلطة السورية المدعومة من الإيرانيين والروس فتتحدث عن ميزات إعادة انتخاب بشار الأسد الذي سيجلب لهم المزيد من هذا الازدهار والمزيد من الوارثين لهم، ويتيح لهم حرية الانتخاب، أو تنتخب مخابراته عنهم “خدمة انتخاب ديلفري”، ريثما يسلّم بشار البلاد إلى وارث آخر من آل الأسد ليكمل مسيرة “التطوير والتحديث” و”الرهن والتأجير” لتراب هذه البلاد!

تستمر حملة الانتخابات الأسدية كالعادة دون أي أهداف انتخابية ودون أي وعود للشعب، فمجرد وجود بشار الأسد هو الوعد العظيم كما يقول “شبيحته” ورجال مخابراته، ولا حاجة للقانون، ولا للوعود، ولا للاستقلال، فبشار الأسد يعمل بمثابة المهدي والمبشّر بيوم القيامة الفارسي- الروسي الذي اقترب في حياة السوريين حد الوصول إلى الجحيم!

وما يلفت النظر في هذه الحملة الانتخابية، أن الجوقة المؤلفة من الجبهة الوطنية التقدمية والقيادة القطرية لحزب “البعث”، والمنظمات الشعبية البعثية مثل اتحاد الفلاحين والعمال والطلائع، اختفت أصواتها رغم دورها الكبير سابقًا في أعراس التطويب الأبدي لعائلة الأسد منذ السبعينيات، وبدت أصواتها مبحوحة وأجسادها منخورة، والجوع أنهك قواها عبر المسيرة الشاقة التي قادها بشار الأسد لتدمير سوريا، وكل ما يظهر من حملة النظام الانتخابية هي بقايا المهازل الإعلامية التي كان يديرها حافظ الأسد كبهلوان، أو كجرذ يقرض الثياب والأجساد في ظلام أحب أن يختبئ فيه طوال فترة حكمه!

لا يلتفت جواد ظريف في زيارته الأخيرة إلى جوع السوريين، ولا إلى تدهور أحوالهم، بل يطلب من الدول العربية والأجنبية إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإيرانية والروسية، وعليهم إعادة الكفاءات السورية التي هاجرت نتيجة أعمال الميليشيات العسكرية، والقصف الروسي والبراميل المتفجرة وغيرها من مبتكرات الاحتلال التي يديرها النظام وينفذها بأيدي الجيش الأسدي الذي قام بدور العدو للسوريين على أكمل وجه!

بضعة أيام ستمر قبل أن تعلن المخابرات النسبة التي نجح فيها بشار الأسد بالانتخابات المقبلة في 26 من أيار الحالي، ويقطع النظام خطوة أخرى باتجاه توريث الحكم إلى أحد أبنائه أو من تختاره عائلة الأسد لإتمام لعنتها، وإنجاز مهامها في التنكيل بالسوريين وتحضيرهم لقبول مختلف الاحتلالات والبازارات الدولية القادمة.

تبقى رائحة حلويات العيد في أنوفنا، وهي التي تعيد البسمة للحظة واحدة على الأقل إلى أطفال سوريا المحرومين والمهجّرين والأيتام، ولعلها هي اللحظة السعيدة المتبقية من أجل الاستمرار في الحلم السوري الذي ندفع ثمنه غاليًا من حياتنا ومن حياة أحبتنا!

ومع ذلك ورغم كل المآسي، كل عام وأنتم بخير!

مقالات متعلقة

  1. خريطة موجزة في عيد الأضحى
  2. كعك وألعاب.. وقنابل
  3. لبنان الدولة
  4. النظارات الشمسية والانقلابات العسكرية

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي