نظريات فايز قزق

  • 2021/05/16
  • 10:10 ص

الفنان السوري فايز قزق (تعديل عنب بلدي)

نبيل محمد

يبدو أنه صار مطلوبًا بما لا شك فيه الابتعاد نسبيًا عن الواقع في الخطاب الإعلام السوري الرسمي أو شبيهه، فصارت ملامسة الواقع لا تحتمل اللعب على الكلمات، ولا إطلاق التعميمات، ولا الاستنجاد بمصطلحات كانت تُستخدم قبل ست أو سبع سنوات، ولعل هذا يتوضح جليًا في الحوارات مع الفنانين، تلك التي بابتعادها عن السياسة، لم تعد تأخذ شهرة، وتنتقل عناوينها من منصة إلى أخرى، فتفتح بابًا على الفنان، يحتاج إلى سنوات لكي يغلقه، وينسى الجمهور أو جزء منه ما قاله، ويربطه بتاريخه الفني ككل.

برنامج “المختار” كان واحدًا من البرامج التي يكثر فيها حضور نجوم الفن في سوريا، يتيح وقتًا مديدًا يمكن للفنان الإدلاء فيه بما يشاء، وقت استهله فايز قزق، المسرحي والممثل السوري المعروف، بالحديث في فلسفة التربية والحياة، والأخلاق واللا أخلاق، والوقوف على أطلال الماضي الجميل، الذي مضت فيه السنون فانهار، بغض النظر عن مسببات هذا الانهيار.
من نظرية الأواني المستطرقة إلى الفرق بين الطريق والشارع، والكوميديا والطرفة، والإنسانوية والإنسانية، غاص قزق بعقدة فلسفة اجتماعية، كلما اقترب فيها من وصف المسببات، لجأ للحديث عن النتائج، لا مكان للحديث عن أسماء، أو توصيفات يمكن أن تقودنا لوضع النقاط على الحروف، وإيضاح ما يتم تفصيله بأكثر من ساعة في المكان المكرور نفسه، هل كان من الصعب بالفعل الحديث عن “الديكتاتورية” كمسبب لهذا؟ حتى من دون ذكر أسماء كما يفضّل الفنان، وإن كانت الحكومة أو وزارة الثقافة مقصّرة تمامًا في تغطية الفاقد الثقافي عند الجمهور، والنهوض بمشروع ثقافي حقيقي، فلماذا يجب أن نحفظ احترامها واحترام شخوصها؟ كما أظهر قزق.

المسؤول لا يطبق القانون ولا يلتزم بإشارة السير، الواسطة موجودة حتى في المعهد العالي للفنون المسرحية، الطالب يتحوّل إلى “برّاد” لحفظ المعلومة، لا إلى كائن خلّاق قادر على البناء عليها، المراكز الثقافية لا يدخلها أحد، وصالات السينما قليلة، وعروض المسرح كذلك، ما الذي يختلف في هذا الحديث بما فيه من توصيفات ومصطلحات وأسلوب، عن أي حديث لأي فنان سوري قبل عشرة أعوام من اليوم.

يشابه حوار قزق، حوارًا أجراه الفنان غسان مسعود في استديو البرنامج ذاته قبل عامين، لم يبخل به أيضًا على مقدّم البرنامج والجمهور، بالمصطلحات ذاتها، و”النوستالجيا” العميقة، وذكريات زمن الثقافة والنقد والأدب الذي تلاشى اليوم، ذكريات تشعر بأنها وليدة مسلسل درامي سوري أكثر من كونها وليدة الواقع. زمن كان فيه الناقد اللبناني نزيه خاطر يسافر ثلاثة أسابيع إلى أوروبا ليحضر عروضًا في باريس ولندن وموسكو، ويعود محملًا بخزينة ثقافية يقدر بها أن يحضر عرضًا سوريًا ويكتب مقالًا نقديًا فيه، هذا ما يفتقد إليه النقاد اليوم برأي غسان مسعود، الذي يرفض رفضًا قاطعًا الدخول إلى منصات السوشيال ميديا “السيرك”، لأنها منصات لقليلي الأدب أكثر من كونها منصات للمؤدبين، ويظهر شلكها وكأنها “مربط يجمع بين حصان وبغل”.

في لقاء قزق الحديث ولقاء مسعود القديم، لغة واحدة، ومفاهيم واحدة، تظهر شمولية ما في أواسط فناني النخبة، شمولية ذات معالم يسارية لا بد، بنَتها مؤسسات وأوساط ثقافية وفنية عاشت فيها هذه الطبقة، واستقت منها علومها وأسلوب حياتها، لكنها بما لا شك فيه، ابنة الشمولية السياسية ذاتها، وابنة منظومة الثقافة الأسدية، مهما حاولت تجميل ذاتها بمصطلحات من خلف الجدار الرابع للمسرح.

إسرائيل بلا شك هي المكان الذي سيبدي فيه الفنان موقفه السياسي، فسيتضامن قزق مع أهالي حي الجراح في القدس (وكل التضامن معهم)، ويشد على أيديهم ضد محاولات التهجير التي يقوم بها الصهاينة هنا، وخلف ظهره في الاستديو مساحات شاسعة هُجّرت بطريقة مشابهة، لا تختلف إلا بكونها أشد دموية، لم يذكرها أحد في برنامج سوري يلتقي بفنان على منصات مشابهة، ولو ترميزًا دون مباشرة جليّة، ولدى مسعود أيضًا ستكون إسرائيل مهربًا لحديث يحمل معنى الموقف السياسي والمبدأ، عندما كان ما منعه عن المشاركة كبطل لفيلم أمريكي هو أن الفيلم سيتم تصويره في إسرائيل، “هل أترك الجمهور يرميني بالرصاص، أو ربما أرمي نفسي بالرصاص إن فعلتها”. كم كانت إسرائيل وكم ستبقى الزاوية الوحيدة، التي يُظهِر فيها فنان سوري لا يجرؤ على الحديث برمزية عن بلاده، أن له موقفًا سياسيًا واضحًا، وأن معرفته لا تقتصر على الخشبة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي