تتباين السياسات التي تتبعها حكومة النظام السوري بالتعامل مع العملات الأجنبية في الأشهر الأخيرة، بين تسهيلات للتجار والصناعيين لشرائها، ودعوات إلى المواطنين للحصول عليها عبر المنافذ الرسمية لتفادي المزوّر منها، وطلبات بوقف شراء الدولار لدعم الليرة، في ظل تجريم ذلك التعامل وتجريم الحديث عنه.
دعوات للتعامل مع الدولار عبر القنوات الرسمية
دعا مصرف سوريا المركزي المواطنين إلى الامتناع عن شراء القطع الأجنبي من السوق السوداء، والحصول على حاجتهم منه من المصارف وشركات الصرافة، لكشفه كمية “كبيرة” مزوّرة منه في السوق، في خطوة تعاكس مضمون المرسومين اللذين يجرمان التعامل بغير الليرة السورية.
وكان المصرف قال في بيان، في 9 من أيار الحالي، إنه لدى مراجعة مواطنين المصرف لتسديد مبالغ مترتبة عليهم بالقطع الأجنبي، تبيّن وجود كمية كبيرة من القطع الأجنبي المزوّر ضمن هذه المبالغ تم شراؤه من السوق غير النظامية (السوق السوداء).
وحذر رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضلية، في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، من الأثر السلبي لتزوير القطع الأجنبي في السوق السورية لجهة شدة العقوبات التي يتحملها المتعامل بمثل هذه العملات المزوّرة، إذ يقع عليه جرمان، الأول التعامل بالعملات الأجنبية والثاني تداول عملة مزوّرة.
ورجح فضلية أن تكون مثل العملات المزوّرة وافدة من الخارج، وأُدخلت بطرق غير شرعية بقصد المتاجرة والمضاربة والتأثير في الليرة السورية.
ودعا إلى التعامل بالعملات الأجنبية ضمن القنوات المصرفية المرخصة والمسموح بها، لأنها عامل أمان وثقة، وتجنب تعرض الأشخاص للوقوع في شرك الاحتيال أو الخديعة من بعض تجار وسماسرة العملات المزوّرة، بحسب تعبيره.
دعوتا “المركزي” و”هيئة الأوراق المالية”، كانتا قبل يوم من مقترحات لرئيس لجنة الصادرات في “غرفة تجارة دمشق”، فايز قسومة، طالب فيها بالسماح لشركات الصرافة ببيع القطع الأجنبي للمواطنين، “للقضاء” على السوق السوداء، وهي خطوة تخالف أيضًا المرسومين اللذين يعاقبان بـ”جُرم” التعامل بالعملات الأجنبية.
وأرجع قسومة، في حديث إلى إذاعة “شام إف إم” المحلية، تحسن سعر الصرف في الأسابيع القليلة الماضية إلى تأمين كمية من القطع الأجنبي بطرق مختلفة، وبصعوبة، دون علم أحد من المسؤولين بمصدرها.
واقترح عدم إلغاء ترخيص شركات الصرافة وتوقيف عملها، لأنها “ستتوجه بعد هذا القرار إلى العمل في السوق السوداء، والاكتفاء في حال ارتكبت تلك الشركات أي مخالفات بتغريمها ماديًا”.
وكان المصرف المركزي أغلق شركة “الأهلية” للحوالات المالية الداخلية، لمخالفة القوانين والضوابط، بحسب ما أُعلن عنه في 29 من نيسان الماضي، دون توضيح تفاصيل المخالفات التي دفعته إلى إغلاقها.
“لا تشتروا الدولار.. ادعموا الليرة”
وفي 7 من أيار الحالي، دعت “غرفة تجارة دمشق” التجار والصناعيين إلى وقف شراء الدولار حتى نهاية الشهر الحالي، من جميع المنافذ وشركات الصرافة، لدعم الليرة السورية، مشيرة إلى أن “التداول من المخالفات التي تضر بالوطن والاستقرار الاقتصادي”.
وتؤدي عمليات شراء الدولار إلى انخفاض قيمة الليرة في حال استمرت دون تغطية من المصرف المركزي للطلب المتزايد على الدولار،
وبرر فايز قسومة هذه الدعوة، بأن “غرفة تجارة دمشق” اتخذت القرار تجنبًا لنفاد كمية القطع الأجنبي الموجودة لديها، بسبب توقعاتها أن تتوقف الحوالات من خارج البلاد خلال عطلة عيد الفطر المقبلة.
وتعلن وسائل الإعلام السورية الرسمية والمقربة من النظام السوري بشكل دوري، إلقاء قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية القبض على مواطنين في أثناء تصريف دولار أمريكي، أو التعامل بقطع أجنبي مزوّر، أو ترويج العملات الأجنبية في السوق السوداء، في إطار متابعة وملاحقة الأشخاص المتعاملين بغير الليرة السورية.
اقرأ أيضًا: دعوة لدعم الليرة السورية.. ما انعكاسات طلب الدولار على سعر الصرف؟
تسهيلات للتعامل بالدولار
في نيسان الماضي، سمح النظام السوري لشركات الصرافة المرخصة في مناطق سيطرته بتسليم حوالات التجار والصناعيين بالدولار، وسمح للمواطنين بتسلّم حوالاتهم بسعر 2825 ليرة سورية، وهو سعر أعلى من سعر الصرف الرسمي.
كما سمحت حكومة النظام ببيع الدولار للتجار والصناعيين لتمويل مستورداتهم، في خطوة اعتبرها اقتصاديون التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق، أنها خطوة لخلق حالة من الذعر لدى صغار المدخرين ودفعهم إلى بيع مدخراتهم من الدولار عند سعر منخفض،
كما أنها خطوة لدفع المغتربين لتحويل أموالهم بطرق نظامية من خلال شركات الصرافة المرتبطة بالمصرف المركزي، وجمع كميات كبيرة وإعادة بيعها عند نقطة 3200 ونقطة 3500 ليرة، بعد انتهاء فترة الأعياد.
اقرأ أيضًا: ما هدف النظام السوري من استثناءات التعامل بالدولار؟
مرسومان يُجرّمان التعامل بالدولار
في 18 من كانون الثاني 2020، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسومين “3” و”4″، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة.
وينص المرسوم رقم “3” على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية، وجاء المرسوم تعديلًا للمادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم “54” لعام 2013، الذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
وبحسب المرسوم، فإن كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات “يعاقَب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”.
كما يعاقَب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.
ويفرض المرسوم رقم “4” عقوبة الاعتقال المؤقت، وغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، “لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل، لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.
اقرأ أيضًا: 4 مصادر ترفد النظام السوري بالقطع الأجنبي
–