تعتبر مدينة الأتارب الواقعة في ريف حلب الغربي مركزًا حيويًّا، لاحتوائها على سوق كبير يغذي أسواق المدن والقرى المجاورة.
وبلغ تعداد سكان المدينة 20 ألف نسمة عام 2011، بينما تضاعف العدد خلال سنوات الثورة السورية بعد حركة النزوح الكبيرة، وحملات التهجير التي شهدتها سوريا على يد النظام السوري.
ورغم اتفاقيات “خفض التصعيد”، واتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في سوريا، ما زالت الأتارب تتعرض للقصف بشكل متكرر، إذ استهدفت مدفعية النظام المتمركزة في “الفوج 46” محيط مدينة الأتارب أمس، الثلاثاء 11 من أيار، دون ورود معلومات عن إصابات.
قبل ذلك، كانت آخر الهجمات في 8 من أيار الحالي، ما أدى إلى مقتل طفل وامرأة، وإصابة خمسة آخرين.
ولم تنجُ مستشفيات المدينة من قصف النظام الذي استهدف مستشفى “الأتارب الجراحي” بقذائف مدفعية، أسفرت عن سبعة قتلى بينهم طفل وامرأة، وجرح أكثر من 15 آخرين، بينهم تسعة من كوادر المستشفى (خمسة أطباء و ثلاثة ممرضين وفني)، في 21 من آذار الماضي.
وفي شباط 2020، قُتل 18 مدنيًا في قصف لطيران النظام والطيران الروسي، استهدف مدينة الأتارب وعدة مناطق محيطة بها.
وكانت واحدة من أكبر خسائر المدينة عام 2017، عندما استهدفت الطائرات الحربية الروسية سوق مدينة الأتارب بغارتين جويتين، أسفرتا عن مقتل نحو 25 مدنيًا وجرح العشرات، إضافة إلى دمار كبير وأضرار مادية في المحال التجارية، رغم سريان مفعول اتفاق “خفض التصعيد”، حينها.
وفي تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في كانون الأول 2017، قالت إن روسيا لم تلتزم بمخرجات محادثات “أستانة”، واخترقت اتفاق مناطق “خفض التصعيد”، الذي يشمل بلدة الأتارب كإحدى المناطق التي يجب أن تتوقف فيها العمليات القتالية.
أولى المدن المنتفضة
وتعتبر الأتارب إحدى أولى المدن التي خرجت عن سيطرة قوات النظام في محافظة حلب عام 2012، والتي عملت على تنظيم أسواقها وشوارعها في وقت مبكر، في ظل غياب مؤسسات الدولة، وكانت أيضًا إحدى أولى المدن التي انتفضت بوجه تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014.
فرغم محاولات تنظيم “الدولة” المتكررة للسيطرة على المدينة في كانون الثاني 2014، تمكنت فصائل “الجيش الحر” من أبناء المدينة، مثل فصيل “جيش المجاهدين” و “لواء شهداء الأتارب” من إبقاء عناصر التنظيم على حدود المدينة، حتى انسحابهم إلى شمال وشرق حلب، آنذاك.
ولم تكن المرة الأولى التي يحاول فيها تنظيم “الدولة” السيطرة على الأتارب، إذ وجه التنظيم في تشرين الأول 2014 إنذارًا لـ”الجيش الحر” في المدينة لتسليم مقراته، ولكنه فشل في ذلك كما لم ينجح في دخول المدينة.
وفي تموز 2017، هددت “هيئة تحرير الشام” باقتحام الأتارب، على خلفية خلافات بين “الهيئة” وفصائل عسكرية تتبع لحركة “أحرار الشام”، فخرج أهالي المدينة في مظاهرات شاركت فيها النساء، بهدف منع أرتال “الهيئة” من دخولها، على خلفية نداءات وجهتها المساجد، بضرورة الدفاع عن المدينة، ومنع تسليمها لـ”الهيئة”.
وعلى خلاف مدن أخرى في ريفي حلب وإدلب، تمكّن أبناء المدينة آنذاك من الحفاظ على مدينة الأتارب خارج السيطرة المطلقة لـ”هيئة تحرير الشام”.
“الفوج 46” نقطة خلاف على مدى سنوات
اُعتبر “الفوج 46” الواقع جنوبي مدينة الأتارب، إحدى النقاط العسكرية التي تنازعت عليها فصائل المعارضة منذ عام 2014.
وسيطرت المعارضة السورية عام 2012 على “الفوج 46” بأسلحة بسيطة، وكان أغلبية العناصر المهاجمين للفوج من أبناء مدينة الأتارب، بحسب ما يرويه أبناء المدينة.
إلا أن تعدد الفصائل والتشكيلات العسكرية بعد عام 2012، جعل من الفوج العسكري نقطة خلاف، لموقعه الاستراتيجي المطل على عدة مدن ونواحٍ في ريف حلب الغربي، مثل أورم، والأتارب، وريف المهندسين، والطريق الواصل بين أوتوستراد حلب ومعبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا.
فاستقرت حركة “حزم” المدعومة أمريكيًّا في الفوج بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منه عام 2014، وجعلت من الفوج، الذي يمتد على مساحة كبيرة، نقطة عسكرية رئيسة لقواتها العسكرية، حتى حصل الخلاف بين حركة “حزم” و”هيئة تحرير الشام” التي كانت “جبهة النصرة” آنذاك.
وفي عام 2015، سيطرت “النصرة” على الفوج بعد معارك أدت إلى مقتل 35 مقاتلًا، معظمهم من حركة “حزم”، التي اضطرت لحل نفسها والانضمام إلى “الجبهة الشامية”.
ومع بداية عام 2018، سيطر فصيل “جبهة تحرير سوريا” على “الفوج 46″، الذي اُعتبر أبرز معاقل “هيئة تحرير الشام” آنذاك، وسط اشتباكات أجبرت “تحرير الشام” على الانسحاب من الفوج والقرى المحيطة به.
وفي شباط 2020، سيطرت قوات النظام على “الفوج 46″، وعدد من المناطق المحيطة به في ريف حلب الغربي، عقب اشتباكات عنيفة دارت مع فصائل المعارضة، بالتزامن مع قصف جوي روسي غير مسبوق، وقصف مدفعي وصاروخي على مدينة الأتارب غربي حلب.
ليصبح بعدها الفوج العسكري، الذي يبعد عن مدينة الأتارب حوالي ثلاثة كيلومترات، إحدى أكثر النقاط العسكرية التي تشكل خطرًا على مدينة الأتارب والقرى المحيطة بها، فصارت قوات النظام تستهدف المدينة بشكل شبه يومي بالقذائف القصيرة والمتوسطة المدى، بعد أن كانت عاجزة عن استهداف المدينة بهذا النوع من القذائف.
–