يعتبر “منسف الثريد” من الوجبات الرمضانية المحببة لدى أهالي ريف القامشلي، الذين يحرصون على إعداده مرة واحدة على الأقل خلال صيامهم.
ارتبط هذا الطبق بعادات وتقاليد المنطقة حتى صار جزءًا من ثقافتها، فرغم قلة مكوناته المؤلفة من لحم الغنم و خبز الصاج، يعد من الأطباق الغنية التي ارتبط إعدادها بالولائم التي يجتمع عليها أهالي القرية الواحدة.
إعداد وليمة “منسف الثريد”
توزع زوجة صاحب دعوة الوليمة حصص الطحين على بيوت القرية، في ريف القامشلي، لتتكفل سيدة كل بيت بتحضير خبز الصاج المميز لـ”الثريد”، حسبما تسترجع مريم الحماد من ذكريات الولائم في أشهر الصيام التي مضت منذ سنوات.
ترسل نساء القرية الخبز جاهزًا ليُستخدم في “المناسف”، في حين يطبخ لحم الغنم المقطع بقدور كبيرة على نار الحطب وتُضاف إليه التوابل المنوعة وبعض قطع الخضار والكثير من المرق، قبل أن يسكب فوق قطع الخبز المفرودة على “المنسف” ويقدم بعد انتظار تشرب الأرغفة للمرق.
وتضيف المرأة الخمسينية لعنب بلدي، أن نساء القرية يلعبن دورًا مهمًا في إنجاح ولائم الإفطار على “مناسف الثريد”، إذ تحضر بعض النسوة لمساعدة بعضهن حتى بعد نهاية الدعوة التي تنتج عنها كميات “كبيرة” من الأطباق والصحون التي تحتاج إلى الجلي والتنظيف، ما يزيد من “المحبة والألفة بين نساء القرية”.
عادة غابت بسبب الغلاء
يفتقد محمد الجميل (68 عامًا) الولائم التي كانت تقام خلال أشهر رمضان الماضية، ففي قرية تغلب، المؤلفة من نحو 35 عائلة، جنوب تل حميس، حيث يسكن، كان كل يوم للصيام فيه دعوة إلى وليمة.
يجتمع أهالي القرية على الإفطار في اليوم الأول عادة عند منزل كبيرها أو المختار، بعد ذلك يتناوب الأهالي على عمل ولائم الإفطار حتى نهاية شهر رمضان، “كانت فرصة يلتقي فيها شيوخ القرية وشبابها حول مائدة إفطار واحدة، يتجاذبون أطراف الحديث، ويتبادلون الأخبار عن أحوالهم في هذا الشهر الفضيل”، على حد قوله.
وكان أهالي القرية يستعدون لهذا النوع من الولائم قبل حلول شهر رمضان، فمن لا يملك قطيعًا من الأغنام، كان يشتري رأس غنم قبل شهر من رمضان، يهتم بعلفه حتى يكون بأفضل حال إلى حين وقت الوليمة.
ويؤكد محمد أن تلك الولائم لم تكن للأكل فقط، بل كانت “مناسبة روحانية لعقد مجالس الصلح بين المتخاصمين من أهالي القرية، وكسب الأجر والثواب”.
فبعد صلاة المغرب التي تقام في جامع القرية، تتوجه مجموعة من المصلين، على رأسهم شيخ الجامع، إلى الشخصين المتخاصمين من أجل إحضارهم إلى “وليمة الإفطار وعقد الصلح بينهما”، وغالبًا ما ينتهي شهر رمضان دون أن يكون هناك أي خصومات باقية.
تكلفة تلك الولائم في الوقت الحالي تتراوح ما بين مليون ومليون ونصف ليرة سورية (بين 322 و483 دولارًا)، إذا يتراوح سعر الذبيحة الواحدة ما بين 500 ألف و700 ألف ليرة (230 دولارًا)، مع ثمن الطحين اللازم لعمل خبز الصاج الذي وصل سعر الكيس منه إلى نحو 35 ألف ليرة سورية (11 دولارًا)، في ظل ضعف القدرة الشرائية وقلة فرص العمل في القرى.
وصارت الولائم حاليًا مقتصرة على دعوة الجار للجار فقط، ويستعاض عن لحم الأغنام بلحم الفروج، الذي يبلغ سعر الكيلو منه 5200 ليرة سورية (1.6 دولار)، وهو ما أفقد “مناسف الثريد” خصوصيتها، كما يرى محمد، لأن لحم لغنم الذي يقطع ويطبخ بعظمه هو من أساسيات هذا الطبق، حسب رأيه.
–