عنب بلدي- علي درويش
الرهائن اللبنانيون مقابل طيارَين مدنيين تركيين، عناصر وضباط “الحرس الثوري الإيراني”، الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كورتيس، راهبات معلولا، الجنود اللبنانيون، اتفاق المدن الأربع، قضايا نجحت الوساطة القطرية في حلها.
انقلبت موازين العلاقات القطرية مع النظام السوري بعد بداية الثورة السورية في آذار 2011، من حلفاء بعلاقات قوية، إلى اتهام الدوحة من قبل النظام بدعم وتمويل ما يصفه بـ”الإرهاب”، وما تبعه من قطيعة دبلوماسية نتيجة اصطفاف قطر عبر إعلامها وأموالها في صف المعارضة السورية.
إعلام قطر وأموالها لم يكونا حاضرَين فقط في نقل المظاهرات السلمية، ولاحقًا المعارك بين النظام وفصائل “الجيش الحر”، والدعم المالي للفصائل العسكرية والمساعدات الإنسانية للنازحين، إذ لعبت أيضًا دورًا بارزًا في صفقات تبادل الأسرى، سواء السوريون أو غير السوريين، واستطاعت الوساطة القطرية حسم عدة ملفات حساسة.
الدولة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 11521 كيلومترًا مربعًا، وعدد مواطنيها حوالي 300 ألف، والتي تملك ثالث احتياطي من الغاز الطبيعي عالميًا إضافة إلى احتياطيات النفط، كانت لها أهداف من السعي لحل عمليات الأسر، خاصة التي كان فيها أشخاص من جنسيات أخرى، ودفع أموال بعشرات الملايين.
أهداف مستقبلية
الأكاديمي السوري- الكندي الدكتور فيصل عباس محمد، أوضح لعنب بلدي أن الدور القطري في الساحة السورية لا ينفصل عن الاستراتيجية القطرية العامة في المنطقة العربية وجوارها (إيران وتركيا).
وترمي الاستراتيجية القطرية إلى بناء نفوذ سياسي لها حيث أمكن، أو إنشاء صلات وامتلاك أوراق أو أدوات ترفع من رصيدها إزاء الخصوم العرب (السعودية والإمارات).
وتبرهن للغرب أيضًا أنها قادرة على لعب دور في بعض الأزمات، لا يستطيع غيرها من القوى المحلية أن تلعبه، وقد برهنت على ذلك في عدة مناسبات، كالرهائن اللبنانيين (11 شخصًا من الطائفة الشيعية، تسعة منهم لبنانيون لهم علاقة بـ”حزب الله”) عام 2013، ثم سوريات ولبنانيات (راهبات معلولا)، والصحفي الأمريكي بيتر ثيو كيرتيس، بحسب الأكاديمي الذي أشار إلى أن اللائحة أطول، وتشمل إنجازات مماثلة أخرى في سوريا والعراق وأفغانستان والصومال.
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان، يرى أن قطر فرضت نفسها كلاعب أو وسيط أساسي في عمليات مستقبلية تتعلق بسياسات الدول في الشأن السوري.
واستطاعت قطر، حسب حديث الباحث إلى عنب بلدي، أن تكون صلة وصل بين تشكيلات عسكرية على الأرض ودول، وفتحت حوارات أمنية، ظهرت للعلن أو لم تظهر، ما أكسبها قدرة على أن يكون لها وزن بأي اتفاقات أو نقاشات حول مستقبل سوريا بمرحلة معيّنة من الزمن.
ونوه شعبان إلى أن الوساطة التي لعبتها قطر ليست بسبب حبها لفصيل أو قسم محدد، إنما لأهداف خاصة بتقوية نفسها، كلعب دور “الأب الروحي للمصالحات” وهو ما حصل فعلًا، وأصبحت “رقمًا مهمًا جدًا بمرحلة زمنية معيّنة”.
وقال الأكاديمي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، إن قطر حرصت على الاحتفاظ بما أمكن من “الأوراق” في وجه الخصوم، لكسب ود الراعي الأمريكي وحلفائه الغربيين، و”للتدليل على أهمية ورقة التفاوض لتحرير الرهائن، يكفي أن نذكر أن وزير خارجية قطر، خالد العطية، كان يشرف بنفسه على هذه المفاوضات”.
وأشار الدكتور فيصل عباس محمد إلى أن قطر كيان سياسي مهدد من قبل دول الجوار المباشر، وخاصة المملكة السعودية ودولة الإمارات، اللتين أوشكتا على تنفيذ مخطط لغزو قطر في حزيران 2017، وإسقاط النظام فيها وإلحاقها بالمملكة، لكن وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيليرسون، أوقف خطوة من هذا النوع.
كما تلقى النفوذ القطري ضربة قوية بإسقاط الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، المدعوم قطريًا، واستبدال نظام السيسي الموالي للسعودية وللإمارات به.
الملايين ليست ثمنًا باهظًا لحكام قطر
مع كل وساطة قطرية، تظهر أصوات تتحدث عن دفع الدوحة ملايين الدولارات كي تتم هذه الصفقات، ما أدى إلى وصول هذه الأموال إلى جماعات وجهات عسكرية مختلفة.
وكان “الصراع السوري الذي أعقب الانتفاضة الشعبية في وجه النظام المستبد، فرصة للقوى الإقليمية لمد نفوذها وامتلاك أدوات تبغي من خلالها توجيه الأحداث بما يتوافق مع مصالحها، ومن هذه القوى السعودية وقطر”، حسب الدكتور فيصل عباس محمد.
ورغم الإنكار الرسمي، أقامت قطر علاقات مع بعض التنظيمات “الجهادية” التي كانت تقاتل النظام السوري وحلفاءه، وبشكل خاص مع “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام لاحقًا). هذه العلاقات هي التي سمحت لقطر بلعب دور مميز في المفاوضات للإفراج عن الرهائن.
و”لا تمثل هذه الأموال ثمنًا باهظًا في حسابات حكام قطر”، مقارنة بثروات البلد الكبيرة وتعداد سكانها الصغير.
وأضاف الدكتور فيصل عباس محمد أن “نهج الهدر المالي المريع، الذي تنتهجه بعض دول الخليج أخطر من ذلك بكثير”، ومنها صفقات الأسلحة التي تبرمها الإمارات والسعودية مع الولايات المتحدة، وتقدّر بعشرات المليارات، إلى جانب مئات الملايين التي تنفَق من حكام المنطقة على “حملات تلميع” بالاستعانة بشركات علاقات عامة أمريكية وأوروبية، وتقديم رشى للسياسيين، لحث أمريكا على تقديم المزيد من الدعم الأمني والسياسي.
صفقات متتالية بمبادرة قطرية
لم تنفِ قطر أي دور لها في عدة صفقات تبادل على الأراضي السورية، كما أن قناة “الجزيرة” القطرية علّقت على كل من الصفقات التالية بأنها حصلت بمبادرة قطرية.
ومع كل اتفاق تكون قطر وسيطًا فيه تتوارد أنباء عن دفعها ملايين الدولارات لأطراف معيّنة كي ينجح الاتفاق، إلا أن قطر لا تعلن عن هذه المبالغ، خاصة أنها اتُّهمت في بعض الصفقات بإعطاء أموال لـ”جبهة النصرة” والميليشيات الإيرانية.
عناصر “الحرس الثوري” من ريف دمشق
في 2 من أيار الحالي، قال الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، خلال كلمة أمام أنصاره بمحافظة بوشهر جنوبي إيران، إن أمير دولة قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، دفع 57 مليون دولار للإفراج عن 57 عنصرًا من “الحرس الثوري الإيراني”، احتُجزوا من قبل أحد فصائل “الجيش الحر” عام 2012.
وبدأت الحادثة حينما أسر القائد المعروف في منطقة الغزلانية بالجزء الجنوبي الشرقي للغوطة الشرقية “أبو خالد الغزلاني” 48 إيرانيًا جلهم من العسكريين، في آب من عام 2012.
“أبو خالد الغزلاني” الذي كان يتبع لفصيل “أمهات المؤمنين” العامل في القطاع الجنوبي للغوطة، سلّم الأسرى للنقيب عبد الناصر شمير (قائد “فيلق الرحمن” حاليًا)، كونه ذا خبرة وصاحب اسم معروف دوليًا، لإجراء تلك المفاوضات.
ودخلت جمعية “IHH” التركية والحكومة القطرية في وساطة للتفاوض، ليطلق سراح جميع المحتجزين في 9 من كانون الثاني 2012.
في المقابل، أطلق النظام السوري سراح 2130 معتقلًا، بينهم 76 امرأة، وأربعة مواطنين أتراك، بالإضافة إلى مبلغ وصل إلى الفصيل عن طريق الوسيط القطري، رغم نفي قائد الفصيل حينها، عبد الناصر شمير، وهو نقيب منشق عن قوات النظام، هذه الأرقام.
طياران تركيان مقابل “حجاج” لبنانيين
اعتقل “لواء عاصفة الشمال” العامل في ريف حلب، في أيار 2012، 11 لبنانيًا خلال عودتهم من زيارة عتبات مقدسة في إيران.
وأطلق الفصيل لاحقًا اثنين من المحتجزين، وطالب بإطلاق سراح معتقلات في سجون النظام السوري مقابل المحتجزين التسعة.
وانتهت الصفقة بمبادرة قطرية في تشرين الأول 2013، تضمنت الإفراج عن 100 معقتلة في سجون النظام، وطيارين تركيين يعملان في الخطوط الجوية التركية، كانا اختطفا في آب 2013، مقابل الإفراج عن المحتجزين التسعة اللبنانيين، حسب “الجزيرة“.
صحفي أمريكي احتُجز لدى “جبهة النصرة” في الجولان
عاد الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كورتيس إلى الولايات المتحدة في آب 2014، بعد احتجازه من قبل “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليًا قبل اندماجها مع عدة فصائل) لمدة 22 شهرًا.
وبحسب قناة “الجزيرة“، سُلّم بيتر ثيو كورتيس إلى قوات حفظ السلام الدولية في الجولان، ثم نُقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
راهبات معلولا
في 10 من آذار 2014، وبالقرب من الحدود السورية- اللبنانية، خرجت 13 راهبة كنّ احتُجزن من قبل “جبهة النصرة” من دير “مار تقلا” ببلدة معلولا شمالي دمشق، وذلك خلال عملية سيطرة فصائل “الجيش الحر” و”النصرة” على البلدة في كانون الأول 2013.
وقالت “النصرة” حينها، إنها لم تحتجز الراهبات، إنما نقلتهن من الدير حفاظًا على سلامتهن بسبب القصف الذي تعرض له حينها من قبل النظام.
في المقابل، أُطلق سراح 152 معتقلة من سجون النظام السوري.
الجنود اللبنانيون
بعد أسر 16 جنديًا لبنانيًا لمدة 16 شهرًا (من آب 2014 حتى كانون الأول 2015)، توصلت “جبهة النصرة” في جبال القلمون الغربي بالقرب من الحدود اللبنانية والحكومة اللبنانية بوساطة قطرية، إلى اتفاق خرج خلاله الجنود.
وتضمنت الصفقة تسليم 13 سجينًا إلى “جبهة النصرة” بينهم خمس نساء، مقابل إطلاق سراح 16 جنديًا لبنانيًا، إضافة إلى بنود أخرى تتعلق بالأمور الإنسانية لم تنفذها الحكومة اللبنانية.
وقبل أربعة أشهر من صفقة الجنود اللبنانيين، جرت عملية مبادلة بين المعارضة والأمن العام اللبناني، نصت على إفراج المعارضة عن الشقيقتين نبال وحورية عابدين، مقابل الإفراج عن سيدة سورية وطفلتها، بوساطة قطرية أيضًا.
اتفاق المدن الأربع
أبرز الوساطات القطرية كانت اتفاق المدن الأربع بين المعارضة من جهة وإيران والنظام من جهة أخرى.
ونص الاتفاق على إخراج من يرفض البقاء من مقاتلي وأهالي مضايا والزبداني في ريف دمشق الغربي ومخيم “اليرموك” في دمشق إلى الشمال السوري، مقابل إخراج كامل أهالي كفريا والفوعة على دفعتين، وإطلاق سراح 1500 معتقل لدى النظام،
كما نص الاتفاق أيضًا على الإفراج عن 37 أسيرًا مقاتلًا من سجون إيران في منطقة السيدة زينب بدمشق، بالإضافة إلى أربعة أسرى داخل بلدة الفوعة.
وانتهى الاتفاق بإجلاء سكان ومقاتلي مدينتي كفريا والفوعة في 17 من آب 2018.