الرقة – عنب بلدي
“جميع الفصائل سواء من معارضة الداخل أو الخارج فشلت في تقديم رؤية لمشروع حكم بديل في سوريا يحقق الانتقال السياسي ويحافظ على بنية الدولة والمؤسسات الموجودة”، ردد عضو في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) وجهة النظر التي دعت أهل شمال شرقي سوريا إلى القبول بتجربة للحكم الذاتي لم يسبق لها مثيل في سوريا خلال العصر الحديث.
عضو “مسد”، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لأنه غير مخوّل بالحديث الرسمي للإعلام، والمنتمي لحزب “سوريا المستقبل”، قال لعنب بلدي، إن سنوات الحراك الثوري في سوريا لم تنتج للمجتمع الدولي هيئات أو أشخاصًا قادرين على تحقيق الانتقال السياسي بين الأطراف السورية “المتصارعة”.
العمالة للنظام وغيره
يعتبر “مسد” نفسه المظلة السياسية الوحيدة في شمالي وشرقي سوريا، والتي تضم عدة أحزاب ومنظمات سياسية، بالإضافة إلى تفاهمات مع قوى سياسية سورية أخرى، ومنها حزب “الإرادة الشعبية”، الذي يُحسب على معارضة الداخل في سوريا.
إلا أن المجلس كثيرًا ما تلقى اتهامات بالعمالة للنظام وسط مناطق نفوذه، إذ وقّع “مسد” مع النظام السوري عدة تفاهمات واتفاقات، كان آخرها في 9 من كانون الأول 2020، وتضمّن إقامة نقاط عسكرية دائمة لقواته في بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، بعد تهديدات لفصائل “الجيش الوطني”، المدعوم من تركيا، بالسيطرة على البلدة.
ولم ينكر عضو “مسد”، الذي تحدثت إليه عنب بلدي، حدوث تفاهمات وصفها بـ”المرحلية” مع النظام السوري، وأرجع ذلك إلى أن النظام ما زال يمتلك الاعتراف السياسي الدولي، وأي معركة معه سيكون الخاسر فيها هو الحراك السياسي في شمالي وشرقي سوريا.
بذات الوقت، استمر مسؤولو النظام السوري باتهام “قسد” بالعمالة والانفصالية، رغم عدة دعوات وُجهت من مسؤولين في شمالي وشرقي سوريا للحوار مع النظام.
ووصف رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بتصريح صحفي أطلقه من قاعدة “حميميم” الروسية، في 19 من كانون الأول عام 2017، “قسد” بـ”الخونة”، وهو ما رفضته الأخيرة ببيان جاء فيه أن “بشار الأسد وما تبقى من نظام حكمه، هم آخر من يحق لهم الحديث عن الخيانة وتجلياتها”.
أرباح تنظيم “الدولة” جناها المشروع “القومي”
مع ما أثاره تنظيم “الدولة الإسلامية” من رعب للعالم الغربي، سارعت عشرات الدول حول العالم لتشكيل “التحالف الدولي” تحت قيادة الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم، الذي قفز إلى رأس قوائم “الإرهاب” منذ بدء انتشاره وتوجهه للغرب بخطابه الإعلامي عام 2014.
ومثلت “قسد” الخيار الأفضل للشراكة على الأرض لمحاربة التنظيم، مع اقتصار مهام “التحالف” على القصف الجوي، ولم تنتهِ مهمتها حتى بعد الإعلان عن السيطرة على آخر معاقله في آذار من عام 2019، إذ بقيت القوات ذات القيادة الكردية تحارب خلاياه وتحتجز مقاتليه حتى اليوم.
ورأى أحد حقوقيي الرقة، ويصف نفسه بـ”الناشط السياسي المستقل”، أن “قسد” وذراعها السياسية “مسد” استفادوا كثيرًا من الحرب ضد تنظيم “الدولة”، إذ وجدوا أنفسهم بموقع الحليف لقوى دولية عالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال الحقوقي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، لعنب بلدي، إن “مسد” مطالب بتحقيق توجه “أكثر سوريةً” لمشروعه، إذ إن العرب والكرد من سكان المنطقة “عانوا كثيرًا” من سياسة الحزب الواحد والسياسة القومية التي تمارس نوعًا ما في شمالي وشرقي سوريا، على حد تعبيره.
وتُتهم “قسد” و”مسد” بالعنصرية، وجاء ذلك بسبب تولي الكرد مراكز القيادة والمناصب المهمة في أغلبية المؤسسات المدنية والعسكرية في شمالي وشرقي سوريا.
بينما نفى عضو “مسد” الاتجاه القومي لمشروع “الإدارة الذاتية”، وقال إنه جاء ليحقق لسكان المنطقة خصوصيتهم التي منعتهم من تحقيقها عقود من الإقصاء والتهميش من قبل النظام السوري.
وبرأي عضو المجلس، فإن “الإدارة الذاتية”، التي انطلقت بكيانات إقليمية عام 2014 وتوحدت لكامل منطقة شمالي وشرقي سوريا عام 2018، حاولت تطبيق مفهوم “الأمة الديمقراطية” الذي يعني تحقيق “إدارة تمثل جميع مكونات المنطقة دون إقصاء أي طرف أو جهة”.
وأضاف عضو “مسد” أن كثيرًا من العرب لم ينخرطوا في مؤسسات “الإدارة” لرؤيتهم “مرحلية” هذه الإدارة وعدم ديمومتها، على الرغم من إنجازات سياسية وإدارية تحققت في شمالي وشرقي سوريا.
أفكار “دخيلة”
عضو “مسد” تحدث عن محاولة البحث عن “خط ثالث” للحراك السياسي في شمالي وشرقي سوريا، “بعيدًا عن المعارضة السورية التي ارتبطت غالبًا بالإملاءات الخارجية، وبعيدًا عن النظام الذي أثبت فشله في إدارة الأزمة وتحقيق الإصلاحات”.
إلا أن الخط الذي اعتمده “مسد”، بالتقارب مع حزب “العمال الكردستاني”، لم يحمل الخط السياسي “المتناسب مع أعراف وتقاليد مجتمع شرق الفرات”، على حد وصف الحقوقي، مشيرًا إلى طبيعة توجهه للأفكار الشيوعية والماركسية.
“تحرر المرأة وإظهار الدين بمظهر الرجعية أمام التقدم وأمور أخرى يحاول كوادر حزب (العمال الكردستاني) تمريرها خلال وجودهم في شمالي وشرقي سوريا، وهو أمر مرفوض من قبل السكان”، هكذا وصف الحقوقي الإشكاليات التي يتسبب بها مشروع “مسد” في شرق الفرات.
وأرجع الحقوقي توجه “مسد” إلى وجود كوادر من حزب “العمال”، والذين استقوا من الفكر الماركسي الاشتراكي لقائدهم عبد الله أوجلان، المعتقل في تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي.
وأقر القائد العام لـ”قسد”، التي تمثل “وحدات حماية الشعب” عمادها، وهي التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي أنشئ كفرع سوري من حزب “العمال الكردستاني”، مظلوم عبدي، خلال لقاء مع “مجموعة الأزمات الدولية”، في منتصف أيلول من عام 2020، بوجود مقاتلين من حزب “العمال”، الذي يصنَّف على قائمة “الإرهاب” في عدة دول، ضمن صفوف قواته.
ورأى المدرس السابق في مدينة الرقة محمد الفاضل (40 عامًا)، أن سياسة “الإدارة الذاتية” و”مسد” لم تبتعد كثيرًا عن السياسات الاشتراكية التي كانت تحكم سوريا والعراق من قبل، وقال لعنب بلدي، “الشعارات جميعها ذات دعوة قومية أو حزبية باتجاه تفكير واحد ينافي التعددية واختلاف الرأي، الأمر الذي صار كثير من السوريين يرفضونه بعد سنوات الثورة”.
وأُسّس “مسد” أواخر عام 2015، بالتزامن مع تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ليتحول تدريجيًا إلى ذراع سياسية للقوات المشكّلة من تحالف فصائل عربية وكردية وسريانية، والتي تلقت الدعم الدولي في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وحاول المجلس أن يحكم نفوذه في أماكن سيطرة “قسد”، وأن يروّج لنجاح تجربته، على الصعيدين المحلي والدولي، ليضمن استمراريته، وسط تنازع القوى النافذة بالقضية السورية، لكنه لم يستطع حتى الآن التخلص من عدد من التهم التي تعوق تقبله.