صرخات ولادة في مستشفيات تركية يكتمها عنف الطاقم الطبي
عنب بلدي – سكينة المهدي
“كان حملي ممتازًا، تابعته مرحلة مرحلة وكان الأمر طبيعيًا، وعندما حانت الولادة دخلتُ إلى قسم الإسعاف، لأجد الممرضة تصرخ بوجهي لأتبعها، رأيت نساء في المستشفى يصرخن من الألم في أثناء ولادتهن، بينما كانت ممرضات يرقصن على أصوات الأغاني العالية”، بهذه الكلمات تصف رنيم المشهداني (26 عامًا) تجربتها مع الولادة في تركيا.
“حين أمسكتُ بجوالي صرخت الممرضة بصوت عالٍ، طالبة مني ترك هاتفي واللحاق بها بسرعة، أجبتها أنني أتألم ولا يمكنني الإسراع”، لكن الممرضة أصرت، بحسب ما قالته رنيم، “طلبت مني خلع ملابسي والحلي التي أرتديها. كنت أرتدي الذهب ولم تخرج الأساور من يدي، قالت الممرضة إنني لو اضطررت لكسر يدي فعلي خلع الذهب، لم تساعدني الممرضات أو الطبيبة، ولا يسمح لأحد بالدخول معي، خلعتُ ملابسي وأنا أتألم بسبب إصابتي بشد عصبي في قدمي، ومع ذلك لم تقدم إحداهن المساعدة لي”.
الولادة هي تجربة استثنائية في حياة المرأة، ويحتل ألم المخاض مرتبة عالية على مقياس تصنيف الألم مقارنة بتجارب الألم المختلفة، فعملية الولادة معقدة، وتتفرد كل تجربة بشكل مختلف من الألم، إذ يؤثر تصور المرأة وحالتها النفسية على معالجتها الذهنية ووصفها لهذه الأوجاع، كما يختلف نمط الآلام بين النساء اللواتي لم يخضن تجربة الولادة سابقًا، والنساء اللواتي عشن هذه التجربة مرات عديدة.
والنساء في مرحلة المخاض وخلال فترة الشعور بالألم ضعيفات للغاية، ولا يستطعن حماية أنفسهن من العنف وسوء المعاملة، وتعاني الكثير من النساء من معاملة سيئة وغير محترمة في أثناء الولادة بالمرافق الصحية في جميع أنحاء العالم. لا تنتهك هذه المعاملة حقوق المرأة فحسب، بل قد تهدد أيضًا حقها في الصحة والسلامة الجسدية والتحرر من التمييز، بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
أجرت عنب بلدي استطلاعًا عبر “فيس بوك” في إحدى المجموعات التي تضم نساء حوامل، وطلبت من النساء اللواتي خضن تجربة الولادة في تركيا مشاركتها بتجاربهن. علّقت 685 امرأة على هذا المنشور مشاركاتٍ ما مررن به، ومرت أكثر من 70% منهن بتجارب سيئة موضحات تعرضهن للعنف في مختلف المراكز الصحية (خاصة وحكومية) ضمن مناطق مختلفة في تركيا، بينما أثنت 30% على المستشفيات في تركيا، وعبّرن عن امتنانهن من معاملة الطاقم الطبي لهن خلال الولادة.
ممارسة العنف على امرأة عاجزة عن الدفاع عن نفسها
“فحصتني الممرضة وتبيّن أنني جاهزة للولادة لأن رأس الجنين ظهر، لكن الطبيبة ذهبت بكل برود”، بحسب ما قالته رنيم، وحاولت الممرضات إغلاق قدميها حتى لا تلد إلى أن تنتهي الطبيبة من عملها خارج الغرفة، لأنهن لسن خبيرات بإجراء عملية الولادة دون طبيب.
“في أثناء الولادة ضغطت الممرضات على بطني بقسوة حتى توقفت عن التنفس لثوانٍ، وأغلقت إحدى الممرضات فمي وأنفي بالكمامة بقوة، ثم بعد الولادة وفي أثناء استكمال الطبيبة عملية تنظيف وخياطة مكان الولادة، وجهت لي الإساءات، وقالت إنها تريد أن تتخلص من عملية الولادة لأنني أرهقتها بحركتي”.
قالت رنيم مستغربة، “لا أفهم كيف سأتحرك وقدماي مربوطتان إلى السرير، ثم بدأت تضربني على قدمي وهي تصرخ، اهدئي وتوقفي عن الحركة، وأنا فعليًا لا أستطيع الحركة”.
وضعت منظمة الصحة العالمية قائمة تلخص توصيات لرعاية الحامل خلال الولادة، منها تزويد الأم برعاية مبنية على الاحترام، ومعاملتها بطريقة تصون كرامتها وخصوصيتها وسرية شؤونها، وتقديم الدعم المستمر خلال المخاض ووضع المولود.
ويجب على مقدمي الرعاية الصحية إلى الأمهات خلال الولادة، أن يتواصلوا معهن تواصلًا فعالًا باستخدام أساليب بسيطة ومقبولة ثقافيًا. كما توصي “الصحة العالمية” باتباع تقنيات الاسترخاء مع الحامل المتعافية التي تطلب تخفيف آلامها خلال المخاض، ومنها التدرج في إرخاء عضلات جسمها وحثها على التنفس باستمرار. |
كبت صرخات الألم!
نور (21 عامًا)، رفضت ذكر اسمها الكامل لأسباب شخصية، تقيم في مدينة أضنة التركية، وكانت حاملًا بطفل بعد ثلاث سنوات من زواجها، تحدثت لعنب بلدي عن عملية ولادتها، “سألتني الطبيبة عدة أسئلة باللغة التركية، فهمت كلامها لكنني لم أستطع الإجابة، كنت مرتبكة، ثم أدخلتني إلى غرفة الولادة وتركوني أربع ساعات وأنا أتألم، لم أصرخ كثيرًا لأنني أسمع عن المعاملة السيئة للنساء اللواتي يصرخن من آلام المخاض”.
شعرت نور بالغثيان وأرادت كيسًا للاستفراغ، لأنها كانت تتألم بشدة ولا تستطيع النهوض، فأُجبرت على الصراخ حينها، وجاءها الرد على صراخها بالإهانة من الممرضة لتسكت، وأحضرت لها وعاء رمته بوجهها.
الألم ازداد شيئًا فشيئًا، ووصفت نور ما حدث معها بالقول، “بدأتُ أصرخ بسبب ارتفاع وتيرة الألم، ولم أحتمله، لكن الطاقم الطبي تجاهل صراخي. خرجتُ من الغرفة بصعوبة لأنادي من يساعدني، شعرتُ أنني أحتضر، صاحت بوجهي وضربتني على يدي لأدخل إلى الغرفة وأنتظر، بدأتُ أصرخ أنني أريد أمي، جاءت والدتي واتصلت بزوجي، لم أحتمل هذا الوضع انهرت وأردت الخروج من المستشفى بسرعة”.
طلبت الممرضة من نور التوقيع على أوراق لإخلاء مسؤولية المستشفى من الضرر الذي قد يحدث لها عند مغادرتها، لكنها لم تعطِ بالًا لأي ضرر، ووقعت أمها على الأوراق، وخرجت إلى مستشفى آخر، وكانت ولادتها هناك سهلة وسريعة.
لا تنسى نور أبدًا هذه المعاناة، وقالت إنها كرهت الحمل والولادة، “أشعر بالقهر وبغصة كبيرة، ولو عشت 100 عمر لن أنسى ما مررت به خلال ولادتي”.
بحسب تقرير لمنظمة “lamaze” لضمان حمل آمن وصحي بالاعتماد على الأدلة الطبية، تصدر معظم الأمهات في أثناء الولادة نوعًا من الضوضاء كالصراخ والأنين، وهي الطريقة الطبيعية للتعامل مع الألم الذي تتسبب به الانقباضات خلال الولادة، وقد تساعد هذه الصرخات بتخفيف الألم وسير عملية الولادة.
العلاقة السيئة بين النساء وطاقم الرعاية الطبية خلال الولادة، يضعف ثقة النساء بالأطباء والمرافق الطبية، ما يجعلهن يترددن بطلب المساعدة الطبية لاحقًا خلال الولادة.
وبحسب موقع منظمة “28 May” (28 أيار)، وهو اليوم الدولي للعمل من أجل صحة المرأة، يمكن أن يكون عنف الولادة بتجاهل احتياجات المرأة وألمها، وتوجيه الإهانات اللفظية والممارسات العنيفة والمعاملة الفظة، وهو ما حدث مع نور.
الولادة القيصرية.. عنف أحيانًا
الولادة القيصرية هي تقنية جراحية لولادة الجنين، وتجرى عبر شق البطن فوق الرحم لإخراج الجنين والمشيمة كبديل للولادة المهبلية الطبيعية، وتصنَّف هذه العملية لجراحات مخطط لها أو جراحات طارئة، والحالات الطبية التي تستدعي هذا النوع من الجراحة قد تكون حمل النساء في سن متقدمة، أو ولادة أكثر من جنين في وقت واحد، أو الخضوع لولادة قيصرية في السابق، وغيرها من الحالات.
وتعتبر الولادة القيصرية واحدة من أكثر العمليات الجراحية شيوعًا في العالم، وعلى الرغم من أن هذه العملية تنقذ أرواح بعض الحوامل، تجرى دون حاجة طبية إليها، ما يعرض النساء والمواليد لخطر الإصابة بمشكلات صحية قصيرة أو طويلة الأمد، بحسب بيان صادر عن منظمة الصحة العالمية.
وتكون العملية القيصرية ضرورة عندما تشكّل الولادة المهبلية خطرًا على الأم أو الطفل، كالمخاض المطول على سبيل المثال أو بسبب ظهور الطفل بوضع غير طبيعي، وعلى الرغم من ذلك، قد تتسبب الولادة القيصرية بمضاعفات كبيرة أو إعاقة دائمة وقد تتسبب بالوفاة.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا تربط معدلات الولادات القيصرية التي تزيد على 10% بتخفيض معدلات وفيات الأمهات والأطفال الحديثي الولادة، بل على العكس تمامًا، قد تشكل خطرًا كبيرًا على الأم والطفل الحديث الولادة خاصة في الأماكن التي تفتقر إلى المرافق لإجراء عملية جراحية آمنة.
خياطة جرح دون تخدير
أيلول غولو، سورية جربت الولادة في أحد مستشفيات اسطنبول، قالت لعنب بلدي، “عندما حان موعد الولادة أدخلوني إلى العناية المركزة وبقيتُ وحدي ثلاثة أيام، بدأت علامات الولادة وجاءت الطبيبة، بدأتُ أصرخ من الألم فهددتني أنها ستربطني على الكرسي، كان يغمى علي من الألم”.
بدأت أيلول عملية الولادة الطبيعية، “دخلتُ إلى غرفة الولادة وأمسكوني من يدي وقدمي، قصوا مكان خروج الطفل دون تخدير، وضغطوا على بطني بشدة، ثم بعد أن انتهت الولادة لم ينتهِ الكابوس، أخاطوا الجرح الذي أحدثته الولادة دون استخدام التخدير أيضًا، وأكثر ما آلمني أن الممرضات كنّ يضحكن”.
سألت عنب بلدي الطبيبة عواطف المحمد، وهي طبيبة نسائية ليبية مقيمة وتعمل في اسطنبول، عن خياطة جرح الولادة وإمكانية إجراء هذه العملية دون تخدير، فنفت الطبيبة هذا الأمر، وقالت إنه من المستحيل خياطة جرح الولادة دون تطبيق تخدير موضعي.
وأضافت الطبيبة أن الطبيعي تطبيق تخدير موضعي، لكن استجابة الجسم للتخدير تختلف من شخص لآخر، ومن الممكن أن يخفف المخدر الألم لكن قد لا يزيله تمامًا، لكنه يقلل الإحساس بنسبة كبيرة.
وقالت إن الضرب خلال الولادة يمكن أن يحدث بقصد إيقاظ الأم التي تغيب عن الوعي في أثناء تلك العملية، لأن بعض الأمهات يغمى عليهن عند خروج رأس الطفل، وفي هذه الحالة يجب أن تستيقظ بأي طريقة لأن الطفل لو بقي كذلك يمكن أن يختنق ويؤدي هذا إلى وفاته، وإيقاظها بضربها على الوجه بهذه الحالة يعتبر مسموحًا.
لكن الطبيبة النسائية قالت إن الضرب والتعنيف في أثناء الولادة أمر غريب، ولم تسمع بحدث كهذا خلال فترة مزاولتها للمهنة التي استمرت عشر سنوات، وتعتبر أن هذا الموضوع مجرد محاولة لتشويه صورة الأطباء في مجتمع يسمع من المريض القصص والروايات العجيبة، ثم تسجل ضد الأطباء دون تحري الحقائق.
حق ضائع مع غياب الأدلة
سيلين محمد (22 عامًا)، سورية من مدينة حلب وهي مترجمة في عدة مستشفيات تركية باسطنبول، شهدت الكثير من حالات العنف ضد النساء في أثناء الولادة خلال عملها، وقالت لعنب بلدي، إنها حاولت التواصل مع صحفيين أتراك لتسليط الضوء على تلك الحوادث، لكنهم طلبوا منها إثباتًا ليطرحوا الموضوع.
تذكر سيلين حادثة مرت معها في أحد المستشفيات التركية، “شهدتُ حالة ولادة لامرأة كان حوضها ضيقًا، وولادتها عسيرة، خلعت الممرضات ملابسها بطريقة عنيفة وهي تصرخ متألمة، ثم بدأ الطبيب بضربها وإهانتها وتوجيه الشتائم لها. كنتُ المسؤولة عن الترجمة وكانت تستنجد بي ولم أستطع فعل شيء”.
خرجت سيلين من غرفة الولادة مسرعة إلى أقرب مركز شرطة، فأرسلوا معها عناصر من الشرطة لكنهم عجزوا عن فعل أي شيء، وطلبوا من المريضة إثباتًا على الحادثة، لا آثار للضرب، ولا صور تثبت الحادثة، عادوا أدراجهم دون فعل شيء.
تقول سيلين إن الضحية مهما اشتكت عن الضرب والإيذاء اللفظي أو الجسدي لن يعترف القانون بهذا، فهي بحاجة إلى دليل ملموس لإدانة الطبيب أو الممرض الذي أساء إليها، وبعض وسائل العنف خلال الولادة لا تترك أثرًا على الجسد.
وتنفي سيلين أن يكون العنف المطبق على السيدات مرتبطًا بالعنصرية دائمًا، إذ شهدت حالات لتعنيف نساء تركيات في غرف الولادة.
وغالبًا يتم تجاهل عنف الولادة ضد المرأة، ويؤدي نقص المعلومات حول هذه القضية إلى تعقيد تصميم السياسة العامة لمنعها والقضاء عليها، ومع ذلك تظهر أدلة في جميع أنحاء العالم أن النساء يتعرضن لدرجات متفاوتة من سوء المعاملة التي تبدأ من عدم الاحترام لاستقلاليتهن إلى الإساءة الصريحة، بحسب تقرير منظمة “28 May”.
تعامل القانون التركي مع العنف عند الولادة
المحامي المتخصص بالاستشارات القانونية التركية بسام فوال، قال لعنب بلدي، إن المرأة التي تتعرض للعنف خلال عملية الولادة، يمكنها أخذ حقها من خلال تقديم طلب للنيابة العامة بشكل مستعجل، والطلب يكون لفتح كاميرات المستشفى والاطلاع عليها وإثبات العنف، أو من خلال شهادة أحد حاضري الحادثة.
وقد يمنع النظام الداخلي لبعض المستشفيات إدخال أي شخص مع النساء إلى غرفة الولادة، لكن لا يوجد قانون في تركيا يلزم بذلك.
ومن الممكن إثبات حالات العنف عند خروج الضحية من العملية وتصوير آثار العنف إن وُجدت، كما أن القانون يأخذ بعين الاعتبار كثرة الشكاوى على المستشفى أو الطبيب بحادثة كهذه، حتى مع عدم وجود إثبات.
يمكن للضحايا الاجتماع على رأي واحد وتقديم شكوى موحدة على مستشفى معيّن، بتقديم أي وثيقة تثبت أن المرأة أجرت عملية الولادة في هذا المكان، إما إيصال دفع وإما أي وثيقة أخرى.
يتعرض الطبيب أو الممرض الذي مارس العنف على المرأة خلال عملية الولادة للعقوبة، وتكون بالسجن، وقد تمتد فترة السجن إلى ثلاث سنوات، كما يُمنع من مزاولة المهنة.
لكن بعض حالات العنف كخياطة الجرح دون تخدير يمكن أن يتهرب الطبيب من المساءلة القانونية حولها، من خلال تقرير طبي يكتب فيه أن التخدير يضر بصحتها بسبب نقص المناعة.
بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا والمسجلين لدى وزارة الهجرة التركية، بحسب أحدث إحصائية، ثلاثة ملايين و613 ألفًا و651 شخصًا.
ويتزايد عدد الأطفال السوريين المولودين في تركيا يومًا بعد يوم، ومنذ عام 2011 حتى 2019، كان عدد الأطفال السوريين المولودين في تركيا يزيد على 450 ألفًا، بحسب أحدث تقدير لمنظمة اللاجئين في تركيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :