كثفت قوات النظام القصف على بلدة قلعة المضيق شمال غربي حماة، لنحو شهرين كان أشدها نهاية نيسان 2019، لتسيطر على البلدة بعد أيام في 9 من أيار.
لم يفرق القصف الأرضي والجوي بين مدني وعسكري داخل البلدة، ما اضطر أهلها للنزوح إلى المناطق الشمالية بالقرب من الحدود التركية، دون أخذ معظمهم لأثاث منزلهم أو أوراقهم الثبوتية.
كان الأهالي على أمل ألا يسيطر النظام على البلدة والعودة إليها بعد توقف القصف، بسبب وجود النقاط التركية في منطقة “خفض التصعيد”، حسب حديث الناشط، محمد ظافر لعنب بلدي، وهو من أبناء البلدة.
لكن قلعة المضيق سقطت بيد النظام بعد ساعات من السيطرة على بلدة كفرنبودة وتل هواش المجاورين لها، لتبدأ بعدها سلسلة خسائر الأراضي مقابل تقدم النظام على حساب المعارضة.
مأمون الحسن (70 عامًا) وهو من أهالي البلدة، قال لعنب بلدي إن قصف النظام للطرقات منعهم من العودة لإخراج حوائجهم الأساسية من منازلهم.
نزح مأمون مع عائلته إلى ريف إدلب الشمالي، واستأجر منزلًا مؤلفًا من غرفتين لمدة شهرين، إلا أن الأوضاع المعيشية الصعبة أجبرته على الانتقال إلى العيش في أحد المخيمات للخلاص من الإيجار الشهري.
يملك مأمون في البلدة 100 دونم أرض بالقرب من نهر العاصي، وكانت مصدر رزقه الأساسي، لكنه الآن يعتمد على “المساعدات الشحيحة” من المنظمات الإنسانية، والاستدانة من الأقارب.
https://www.enabbaladi.net/archives/443517
للبلدة أهمية استراتيجية
تعد قلعة المضيق بوابة سهل الغاب، وتعتبر الخزان الزراعي والتجاري الذي ترتكز عليه قرى ريف حماة الأخرى، كما أنها إحدى خواصر جبل شحشبو، الذي يعد امتدادًا لجبل الزاوية في الجزء الشمالي الغربي من مدينة حماة.
وشكلت البلدة حينها بالنسبة للقرى المحيطة بها ومناطق سيطرة المعارضة معبرًا جنوبيًا يوازي معبر باب الهوى مع الأراضي التركية، فهي نقطة وصل على طريق التجارة والسفر الذي فرضته سنوات الحرب، نظرًا لحساسية التعامل مع المنطقة كونها متنوعة ديموغرافيًا.
تقع البلدة على هضبة جبلية مطلة على سهل الغاب المنخفض من الجهة الشرقية، كما تقع غرب بلدة كفرنبودة ومزراع قيراطة ومنطقة الطار، وإلى الشمال من بلدة السقيلبية، وبذلك تكون قلعة المضيق أقرب قرى وبلدات مناطق لمعارضة حينها قربًا من السقيلبية، وهو ما أعطاها أهمية عسكرية.
موقع البلدة الاستراتيجي جعلها مطمعًا لقوات النظام منذ بداية الثورة، حسب حديث القائد العسكري في “جيش النصر”، الرائد المنشق رائد فريجة، لعنب بلدي.
وهو ما تفسره الخسارات المتلاحقة للمعارضة في المنطقة بعد السيطرة عليها، إذ تقدم النظام بعد ذلك إلى مدن استراتيجية في المنطقة، من أبرزها خان شيخون وكفرنبل وسراقب، لتتوقف بعدها المعارك بموجب اتفاق روسيا وتركيا في 5 من آذار 2020.
كيف سيطر النظام على قلعة المضيق
بعد سيطرة قوات النظام على بلدة كفرنبودة والمزارع المحيطة بها وتل هواش، تركز القصف الجوي والأرضي على أحياء البلدة بشكل غير مسبوق، تزامنًا مع تقدم لقوات النظام المتمركزة في حاجز الحابوسة الذي يقع داخل أحياء البلدة، وكان بمثابة راصد لتحركات النظام لصالح فصائل المعارضة.
تقدم النظام من جهة تل هواش شمال شرقي البدة والسقيلبية جنوبها، ورصدت قوات النظام الطريق الواصل بين قلعة المضيق والكركات شمالًا بصواريخ مضادة للدورع، وصارت البلدة ساقطة ناريًا.
وأجبرت الفصائل على الانسحاب من البلدة، وسط محاولات استهداف النظام بقصف قواته بالمدفعية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تقدمت قوات النظام، وسيطرت على قرية الكركات في جبل شحشبو، وقرى التوينة وباب الطاقة والشريعة والحمرا التي تعتبر أرض مكشوفة بعد سقوط قلعة المضيق.
وفي حديث سابق لقيادي في “الجيش الحر”، في أيار 2019، قال لعنب بلدي إن “المنطقة (قلعة المضيق) متفق عليها، والمعركة التي تم الحديث عنها لإرضاء الشارع”.
واعتبر أن تمثيل الفصائل الكبرى في قلعة المضيق “مخجل ومخزٍ (…) أقصد الهيئة وفيلق الشام وحتى جيش العزة”.
وعلى مدار السنوات التي سبقت سيطرة النظام عليها، كانت قلعة المضيق تخضع لسيطرة الفصائل العسكرية، ما عدا قلعتها الأثرية التي تقع في الجهة الجنوبية من المنطقة، على تلة كبيرة مرتفعة، والتي بقيت النقطة الوحيدة التي تفيد النظام السوري لإشرافها العالي على السهل، من خلال القيام بعمليات الاستطلاع والرصد.