رواية “أربع وعشرون ساعة من حياة امرأة”.. المقامرة على أكثر من وجه
تشكّل رواية “أربع وعشرون ساعة من حياة امرأة” لكاتبها النمساوي ستيفان زفايغ، قصة امرأة إنجليزية في الـ67 من عمرها، عاشت مطلع أربعينياتها قصة حب جارفة ولدت وماتت خلال 24 ساعة فقط.
وما دفع هذه المرأة لسرد قصتها أمام شاب يقطن في فندق “الريفييرا” العائلي، الذي تقطن فيه هي أيضًا، حوار حاد بين مجموعة برجوازية من قاطني الفندق، حول خبر هروب السيدة “هنرييت”، وهي سيدة متزوجة وأم لطفلتين، مع شاب فرنسي صارخ الجمال والشباب.
وحيال هذه القضية تشاركت السيدة العجوز مع راوي قصتها الموقف من المرأة المتزوجة من رجل ريفي بدين، والهاربة مع شاب وقعت في غرامه بعد نحو ثلاث محادثات جرت في يوم واحد.
فالسيدة الإنجليزية ترى أن كل حكم أخلاقي عديم القيمة، وأن كل انتهاك للقانون يجد مبررًا له، فجرائم الحب كما يقول الفرنسيون ليست جرائم، وأن في كل جريمة بتدقيق النظر فيها حبًا، وبالتالي عذرًا.
تنطلق السيدة في رؤيتها الشخصية هذه من حادثة عاشتها بعد وفاة زوجها، ففي إحدى زياراتها إلى صالات القمار التي كانت ترتادها برفقة زوجها الراحل، تلتقي شابًا في منتصف العشرينيات من العمر، خسر كل مدخراته على طاولة القمار، واستشعرت عند خروجه من الصالة بخطى ثقيلة أنه سائر إلى حتفه، وينوي الانتحار.
دون مبرر واضح اندفعت السيّدة خلف الشاب لمنعه، ووجدت نفسها مسلوبة الإرادة أمام مشهد شاب في أوج الطاقة يخرج من الصالة مكسور الكبرياء بتعب العجائز، وعازمًا أيضًا على الانسحاب من معترك الحياة الذي دخله منذ قليل من السنوات.
وفي طريقها لإعادة الحياة إلى الشاب الخاسر، تصل معه إلى فندق مجهول الاسم ليقضي ليلته هناك، ويعود في الصباح إلى عائلته، لكن ما جرى كان خلاف المخطط، إذ استيقظت السيدة في الفندق بعد أن أمضت ليلتها في سرير ذلك الشاب.
وأمام شعور الخزي الذي انتابها باعتبارها سيدة نبيلة من الطبقة الراقية، لم تقدم من قبل على إقامة علاقة طائشة غير محسوبة الأبعاد في فندق رخيص، وبصحبة مجهول، تغلّبت على كبريائها، ودعت الشاب لإيصاله إلى محطة القطار عند منتصف النهار ليعود بسلامة إلى عائلته.
وقبل موعد الرحلة أمضى الشاب والسيدة بعض الوقت في نزهة مفعمة بالحياة كانت كفيلة ببث أكسجين الحب داخل المرأة خلال زمن قياسي، قبل أن تودعه في محطة القطار بعد ساعات، كما يُفترض.
خذلان وشعور بالنقص وقلّة القيمة وطعنة في أنوثتها، كل تلك المشاعر تصارعت على السيدة التي تمنّت لو دعاها هذا الغريب الخاسر للرحيل معه نحو أي وجهة يريدها، لتشهر قبولها ورضاها تاركة خلفها أطفالها والتزامات الحياة كلها، ورغم عدم مبالاة المعشوق الغافل، تخلّت السيدة عن كل ما يثقل كبرياءها في سبيل البقاء معه، فتبعته متأخرة نحو محطة القطار الذي بدأ يهرول قبل وصولها.
وعند حلول المساء، وفي الساعات الأخيرة من الـ24 ساعة التي تجري فيها الأحداث، وبعد قليل من الحسرة والمرارة والمشاعر المختلطة التي خلعت أثواب النهار البراقة، مضت السيدة إلى مسرح الحب العاجل، صالة القمار نفسها التي التقت فيها ما اعتبرته حبًا.
وهناك بين الطاولات وسحب دخان السجائر، وفوضى الكؤوس، وجدت الشاب يقامر دون اكتراث بما منحته من مال ليعود به إلى أهله، بمقدار مقامرته بمصيرها الذي كاد يتغير لو صادفته في محطة القطار.
وبعدما قابل الشاب سؤالها عنه بالغضب، داعيًا لإخراجها من الصالة، تضاعفت المرارة، فالقمار ليس ما كان يجري على طاولات الصالة فقط، طالما أن هناك من يقع ضحية لمقامرة يقدّم فيها مشاعره ويبذل فيها نفسه وما يملكه، ليرى نفسه بعد خيبة أمل قاسية، خاسرًا في صفقة عوّل كثيرًا على ربحها.
ستيفان زفايغ، المولود في النمسا عام 1881، والحاصل على دكتوراه في الفلسفة وهو في الـ23 من العمر، يقدّم روايته التي جرت خلال 24 ساعة، ضمن 95 صفحة، بعد المقدّمة، لتكون تكريسًا لأسلوب زفايغ في التكثيف السردي، ضمن مساحة ضيّقة من الورق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :