يحكي فيلم “the present” أو “الهدية” لمخرجته الفلسطينية البريطانية فرح نابلسي، قصة المعاناة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون عند مرورهم بالحواجز الإسرائيلية التي تقطع أوصال بلادهم، وترسخ السيطرة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي.
يبدأ الفيلم من صلب الموضوع مباشرة، عبر تصوير مشهد ليلي يجسّد أفواجًا كبيرة من المنتظرين ضمن سياج معدني عبور الحاجز الإسرائيلي إلى منازلهم.
وتنتقل الصورة بعد التعب والتوتر الذي قدّمه المشهد الأول، إلى ضوء الصباح، في المنزل، حيث الألوان تعكس الحياة والطمأنينة، والهدوء والسكينة يعبران عن حب يشارك القاطنين دارهم.
وبعد تناول الإفطار وقوفًا وعلى عجل، محكومًا بموعد فتح وإغلاق الحاجر الإسرائيلي أبوابه بوجه الفلسطينيين، يخرج يوسف، بصحبة ابنته ياسمين، لشراء هدية لزوجته نور بمناسبة عيد زواجهما، والهدية مقررة سلفًا، ولا تحمل معها لذة المفاجأة، كونها وليدة الحاجة الملحة، إنها ثلاجة جديدة، لإقالة القديمة بعدما تعطلت.
وعند الخروج لا بد من المرور بالحاجز الإسرائيلي السابق، وهو حاجز التفتيش “300”، الذي يفصل بيت لحم عن رام الله، ولا بد أيضًا من انتظار طويل على الحاجز الذي خصص بوابة صغيرة وضيقة لعبور الفلسطينيين، تجاورها بوابة واسعة وعريضة لمرور الإسرائيليين، مع فارق في أسلوب المعاملة يساوي الفارق بين حجمي البوابتين.
وترى نور خلال انتظارها والدها الذي احتجزه الجنود لساعات من السين والجيم والتفتيش، ازدواجية المعاملة الإسرائيلية لعابري الحاجز نفسه.
وبعد طول انتظار وتبديد إسرائيلي غير مبرر لوقت يوسف، يمضي الرجل مع ابنته مستشعرًا آلام ظهره جراء الوقوف الطويل على الحواجز.
ليمون وحليب، وغيرها من الحاجيات، اضطر يوسف لتعدادها أمام الجندي الإسرائيلي قبل السماح له بالعبور، كما اشترى بنطالًا جديدًا لطفلته التي تبوّلت في ملابسها، خوفًا وانتظارًا على الحاجز، ثم ذهبا معًا إلى المتجر لشراء الثلاجة.
وشكّلت هذه الثلاجة في رحلتها عبر الحاجز عناء يفوق لذة استعمالها، إذ وصل يوسف إلى الحاجز متأخرًا، ما يعني عدم السماح للسيارات الفلسطينية بالعبور، وبالتالي لا بد من النزول والمتابعة سيرًا.
ينزل يوسف وابنته من السيارة، ويدفع الثلاجة على عربة معدنية ذات عجلات، ما يحرّض آلام ظهره مجددًا، قبل الوصول إلى حاجز جديد للانتظار طويلًا ثم التفتيش ثم السماح بالعبور عبر البوابة الضيقة التي لا تتسع للثلاجة، ما يخلق توترًا في سبيل السماح بتمرير الثلاجة عبر البوابة الواسعة للوصول إلى المنزل الذي لا يبعد كثيرًا أصلًا عن الحاجز.
الفيلم الذي شاركت نابلسي في كتابته مع هند شوفاني، لا يقدم جديدًا على مستوى معاناة الفلسطينيين أمام الحواجز الإسرائيلية التي فرضت نفسها على المشهد الفلسطيني منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، لكنه بنفس الوقت يعتصر الفكرة ويسعى للتكثيف، وتقديمها بأسلوب سينمائي يحمل رسائله الرمزية إلى العالمية.
وفي “الهدية” يُستعاض عن كثير من النص والحديث بالصورة والموقف، وإتاحة الفرصة أمام الانفعالات البشرية للتعبير عن نفسها.
وتتأمل نور في محل بيع الثلاجات عصفورين في قفص، في إشارة إلى وضعها مع والدها في بلدهما، كما يضطر والدها يوسف لوضع ساعة يده، التي أعطاه إياها والده، ضمن صندوق للتفتيش، للدلالة على صدام الماضي والحاضر الفلسطيني بالاحتلال، بالإضافة إلى دلالة اسم الفيلم نفسه بعد الترجمة، والذي اختارته المخرجة للترميز.
يحمل الفيلم القصير (24 دقيقة) الكثير من الغضب المكبوت، الذي لا بد أن ينفجر في وقت ما للعودة إلى الديار، وهو ما جرى فعلًا في مشاهد الفيلم الأخيرة.
صدر الفيلم في عام 2020، وحصد في نيسان الماضي جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير، ضمن جوائز أكاديمية الفيلم البريطاني “بافتا”، ووصل مع أربعة أفلام أخرى إلى القائمة القصيرة لترشيحات جوائز “أوسكار” عن فئة الأفلام الأجنبية.
بلغ تقييم العمل 7.5 من أصل 10 عبر موقع “IMDb”، لنقد وتقييم الأعمال الدرامية والسينمائية، وهو من بطولة صالح بكري ومريم باشا، والطفلة مريم كنج، ومتاح للمشاهدة عبر “نتفليكس”.