عنب بلدي – نور الدين رمضان
عمليات خاطفة ينفذها ملثمون يستقلون غالبًا دراجات نارية، تستهدف عناصر من قوات النظام السوري وأفرع الأمن، تتزايد مؤخرًا جنوبي سوريا، بملامح تشير إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبعد نحو عامين من غيابه الفعلي عن مسرح العمليات في منطقة حوران جنوبي سوريا، يعود التنظيم عبر استهداف عناصر الأفرع الأمنية، ما يطرح أسئلة حول الأسباب التي شجعت عودته ومستقبل المنطقة في ظل زيادة نفوذه.
لم تتوقف عمليات الاغتيال التي طالت مدنيين وعسكريين ومقاتلين سابقين في صفوف قوات النظام والمعارضة، منذ أن سيطرت قوات النظام، مدعومة بسلاح الجو الروسي، على المحافظة في تموز من عام 2018، بموجب اتفاق “تسوية”، لكنها زادت خلال الشهرين الأخيرين مع ملاحظة تبني تنظيم “الدولة” لمعظمها.
ولا يمكن الجزم بأن التنظيم عاد فعلًا على الأرض، لكن مؤشرات تدل على زيادة نشاطه، إذ تبنى أكثر من عشر عمليات في الجنوب السوري، منذ منتصف آذار الماضي، بحسب ما رصدته عنب بلدي من وكالة “أعماق” التابعة له، التي ينشر عبرها بيانات يتبنى فيها العمليات العسكرية، التي استهدف فيها عناصر قوات النظام السوري ومخابراته في مختلف مناطق درعا.
قيادي عسكري سابق في المعارضة السورية، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن أهداف تنظيم “الدولة” من تبني بعض العمليات هي كسب الحاضنة الشعبية، على اعتبار أن التنظيم يقاتل النظام ليخلق فكرة في عقول الشباب أنه المخلّص الوحيد والمدافع عنهم، وسط غياب جهات أخرى تتبنى عمليات في المنطقة ينفذها مجهولون، ليتشكّل طابع التنظيم على عمليات المجهولين.
والهدف الثاني، حسب القيادي، هو جر المنطقة لحرب مفتوحة يستطيع من خلالها إعادة هيكلة صفوفه في الجنوب، ففي حالة الحرب يعيش التنظيم على الفوضى.
ويرى قيادي آخر أن عودة التنظيم لا تصب في مصلحة المنطقة، خاصة أن التنظيم نفسه أنهك الجبهة الجنوبية سابقًا بحرب استنزاف ضد “الجيش الحر”، عندما سيطر على مناطق في اللجاة وحوض اليرموك.
وأضاف القيادي أنه مع غياب التبني، وتعدد الجهات المنفذة لعمليات الاغتيال في المنطقة، يجد التنظيم عبر معرفاته التبني وسيلة للظهور، ولكن هذا التبني قد يجده النظام والجانب الروسي ذريعة “لشيطنة الجنوب” وشرعنة لاقتحام المناطق بحجة وجود خلايا التنظيم.
ولفت القيادي إلى ادعاء النظام بوجود خلايا التنظيم في عدة مناطق بدرعا، كما فعل في مدينة جاسم مطلع نيسان الماضي، إذ زارها وفد روسي للتحقق من ادعاءات النظام بوجود من يصفهم بـ”الإرهابيين”، وكذلك زيارة درعا البلد في آذار الماضي بعد ادعاء النظام بوجود خلايا للتنظيم.
واعتبر القيادي أن تبني هذه العمليات من قبل التنظيم هدية مجانية للنظام السوري.
نشاط جماعي.. المصلحة للنظام
في 14 من كانون الثاني الماضي، اتهم رئيس “هيئة التفاوض السورية”، أنس العبدة، في تغريدة عبر “تويتر”، النظام السوري بتسهيل وصول أكثر من 500 عنصر من تنظيم “الدولة” وأخواته من التنظيمات المتطرفة إلى درعا، ووصف مقاتليه بجنود للنظام وليسوا أعداء له، بينما تحدثت شبكات محلية أن الرقم مبالغ فيه.
نشاط عناصر التنظيم في درعا، بغض النظر عن عدد مقاتليه، ليس مستقلًا، فهو مرتبط بنشاط التنيظم عامة في سوريا، إذ ينفذ عمليات شبه يومية في محافظات الرقة ودرعا والحسكة، إضافة إلى مناطق في البادية تتبع لريفي حماة وحمص، وخارج سوريا أيضًا في العراق ومصر وإفريقيا.
وسمحت الظروف الخارجية المحيطة بالتنظيم بظهوره بقوة، والتطور وتوسيع نشاط عملياته سواء في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أو النظام، إذ خلق عدم قدرة روسيا على ضبط البادية السورية، وغياب التنسيق الإيراني- الروسي، مجالًا ضخمًا لعمل التنظيم في مناطق البادية وريف دير الزور، حسب حديث مدير وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، إلى عنب بلدي في وقت سابق.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي من وكالة “أعماق”، فقد بلغ عدد العمليات التي نفذها تنظيم الدولة منذ بداية العام الحالي نحو 200 عملية، يلاحَظ فيها الانتشار الجغرافي الواسع، رغم الحديث الروسي عن مئات الغارات الجوية ضده في منطقة البادية، دعمًا للقوات البرية.
وكانت وزارة الدفاع الفرنسية حذرت، في 10 من نيسان الماضي، من أن التنظيم عاد للظهور في العراق وسوريا مجددًا، ولفتت إلى أنه “انهزم جغرافيًا لكنه قادر على التحرك”.
المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، يرى عودة التنظيم ادعاءات لروسيا، بعد أن رفضها أبناء المنطقة الجنوبية التي شهدت مقاومة ضد قوات النظام.
وقال لعنب بلدي، إن التنظيم غير موجود في درعا، وأبناء حوران من الجيش هم الموجودون في مناطقهم، وما يحصل حجة تريدها روسيا والنظام لدخول المنطقة الغربية من درعا.
الكاتب السوري المنحدر من درعا غسان مفلح، قال لعنب بلدي، إن فلول التنظيم بقيت بحماية النظام والروس سواء في البادية السورية، أو في جيب بدرعا وجيوب أخرى، “لكنها ليست وكالة بباب واحد فهي وكالة متعددة الأبواب، والنظام والروس والإيرانيون والغربيون يعرفون ذلك ومساهمون فيه”.
وتساءل مفلح، “لماذا لا أحد يريد أن يجيب عن سؤال، من أين يحصل التنظيم على التمويل والسلاح؟ عندما يجاب عن السؤال يمكن للصورة أن تتضح، الجيوب هي في الحقيقة حاجة للدول التي استثمرت في التنظيم، ولن تنتهي حتى إيجاد حل سياسي من دون الأسد، وهذا غير مطروح الآن”.