بجهود أممية.. مياه الري تعود إلى ريف حمص الشمالي

  • 2021/05/09
  • 10:22 ص

تأهيل قنوات الري من نهر العاصي في حمص إلى الأراضي الزراعية - 4 نيسان 2021 (عنب بلدي/ عروة المنذر)

حمص – عروة المنذر

مع بدء الثورة في سوريا عام 2011، وخروج مناطق واسعة من محافظة حمص عن سيطرة النظام السوري، اتبعت قوات النظام سياسة حصار وتجويع المناطق الثائرة، وقطعت مياه الري عن مزارع ريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، ما أدى إلى تراجع إنتاج المنطقة من المحاصيل الزراعية، وأفقدها أشجارها المثمرة.

بعد سيطرة النظام على ريف حمص الشمالي، مطلع أيار من عام 2018، لم تتحرك أي من مؤسساته الخدمية لإعادة تأهيل قنوات الري المدمرة جراء الحرب حتى عام 2020، حين قامت منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، التابعة للأمم المتحدة، بتنفيذ مشروع صيانة قنوات الري.

انعكس قطع مياه الري سلبًا على منسوب المياه الجوفية في المنطقة، ما أدى إلى جفافها في بعض المناطق، وضاعف تكلفة استخراجها بأماكن أخرى.

أحد أعضاء لجنة متابعة مشروع إعادة تأهيل قنوات الري في ريف حمص الشمالي، تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، قال لعنب بلدي، إن وعود الحكومة السورية خلال مفاوضات التهجير كانت بإعادة تأهيل قنوات الري خلال عام واحد.

لكن ضعف الإمكانيات لم يسمح بتنفيذ الوعود، ما دفع منظمة “فاو” للتمويل والإشراف على المشروع، الذي من المقرر أن يفيد 20 ألف عائلة، من خلال سقاية 11 ألف هكتار، عبر قنوات ري بطول 47 كيلومترًا، وبرأي عضو لجنة المتابعة، “لولا تدخل المنظمة لما عادت مياه الري أبدًا”.

وتبلغ مساحة حوض “العاصي” في سوريا نحو 17 ألف كيلومتر مربع، وتبلغ موارده المائية السنوية 2.454 مليار متر مكعب، وفق تقديرات منظمة “فاو”.

ويقام على نهر “العاصي” في المنطقة الوسطى 14 سدًا، ثلاثة منها رئيسة وتُستخدم في ري الأراضي الزراعية بريفي حمص وحماة، هي سد “زيتا” في أعالي نهر “العاصي” على الحدود اللبنانية، الذي يعتبر ثاني أطول سد في سوريا، وتبلغ سعته 80 مليون متر مكعب، ويبلغ طول جسم السد 5200 متر وبارتفاع 36 مترًا، ويعود تاريخ إنشائه إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، وهو مخصص لري الأراضي في مزارع القصير.

وأُعيد عام 1937 تشييد سد “قطينة” القديم الذي اكتمل في عام 1976، وأُنشئ سد “الرستن” وسد “محردة” على المجرى الرئيس للنهر في عام 1960، وهما أول سدين كبيرين يشيدان في سوريا، وتتحكم هذه الخزانات في نحو 12.6 ألف كيلومتر مربع من حوض تصريف “العاصي” في محردة.

ويمثِّل مجموع سعة الخزانات 49 مليون متر مكعب، ما يقرب من 45% من متوسط التدفق السنوي التقديري للنهر، ويروي “قطينة” مزارع حمص الشمالي والغربي، بينما يختص “الرستن” بري مزارع ريف حماة وسهل الغاب.

ساعات غير كافية

يعد حوض “العاصي” بالمنطقة الوسطى في سوريا السّلة الغذائية الرئيسة لمحافظتي حمص وحماة، والسّلة الثانوية بالنسبة للعاصمة دمشق والساحل وبقية المحافظات، حيث تمتد الأراضي الزراعية على جانبي نهر “العاصي” من مدينة القصير في ريف حمص الجنوبي، إلى سهل الغاب في ريف حماة الشمالي وريف إدلب، وتمتاز سهول الحوض بخصوبتها، وملاءمة مناخها لأغلب المحاصيل والأشجار المثمرة.

ورغم عودة المياه إلى المنطقة، فإن المدة الزمنية المخصصة لكل دونم غير كافية لري المحاصيل الزراعية، إذ خصصت مديرية الري خمس دقائق للدونم الواحد فقط.

محسن الضيخ، أحد مزارعي قرية الفرحانية في ريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إن خمس دقائق غير كافية لري ثلث مزروعاته، وإنه ما زال يعتمد على مياه الآبار الجوفية في إكمال عملية الري.

وحسبما أوضح محسن، فإن هذه المخصصات هي نصف ما كانت عليه قبل الثورة، وبرأيه فإن تخفيض زمن الري “غير مبرر”، إذ كانت مخصصات الدونم الواحد عشر دقائق من المياه، وكانت تكفي لري الثلثين.

وتفتقد المنطقة بشكل عام للتنظيم وضبط توزيع المياه، ما فتح باب الخلافات بين المزارعين، الذين تطورت بينهم الخلافات للاشتباك بالأيدي والأسلحة البيضاء، وسط تجاهل من قوى الشرطة والأمن التي لم تتحرك لاحتواء الموقف.

وتتجه مياه “العاصي” من حمص إلى مزارع الشمال، حيث يقوم أصحاب الأراضي الجنوبية بسحب المياه، ما يضعف غزارتها كلما اتجهنا شمالًا.

وأضاف محسن أن المشكلات على مدار اليوم بين المزارعين سببها عدم توفر كادر إداري في بيوت الري بالمنطقة، مشيرًا إلى أن أغلب “المأمورين” المسؤولين عن تنظيم توزيع المياه بين المزارعين فُصلوا خلال السنوات الماضية، ولم يتم توظيف بديل عنهم، ما جعل الأمر “فوضويًا”، على حد تعبيره.

نحو التنمية الزراعية

تشكّل عودة مياه الري “بارقة أمل” بالنسبة للمزارعين في ريف حمص الشمالي، الذي يعتمد أغلب سكانه على الأعمال الزراعية، ما دفعهم للتفكير بإعادة تشجير أراضيهم والاعتماد على الزراعات المروية بدل البعلية، لكن ضعف الإمكانيات المادية يقف عائقًا في وجه معظمهم.

“أبو يوسف” أحد مزارعي مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إنه يفكر بزراعة الأشجار المثمرة التي كان يعتمد عليها في السابق، كالدراق والخوخ والمشمش، بعد عودة منسوب المياه للاستقرار، وعودة مياه الري بالنسبة له تعطيه أملًا باستمرار ضخ الآبار الجوفية على مدار العام، بعد أن كانت مياهها “تغور” نهاية فصل الصيف.

منير، مهندس زراعي وصاحب إحدى الصيدليات الزراعية في مدينة تلبيسة، قال لعنب بلدي، إن عودة مياه الري تمثل نقلة نوعية بالنسبة للمنطقة بشكل عام، كونها منطقة زراعية، لكن ارتفاع تكاليف الأسمدة والبذور والمبيدات ما زال يمثل عائقًا كبيرًا أمام المزارعين المنهكين بعد عشر سنوات من الجفاف، وهم بحاجة إلى تمويل ليستطيعوا النهوض بعملهم الزراعي.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية