ليس عن “باب الحارة”
نبيل محمد
ليست مسلسلات “البيئة الشامية” بحاجة إلى مشاهدة أكثر من حلقة، لتتمكن من التكهن بسياقها العام، وحتى بتفاصيل من حكايتها. ما مِن فن سهل التوقع كهذه الدراما المكرورة المستهلكة إلى حد تحوّلها إلى كوميديا في شيء من تفاصيلها، فبحثك عن أي شيء استثنائي أو جديد فيها، أو أي شخصية دخيلة لم ترد بكامل تفاصيلها سابقًا، هو بحث لن يجدي نفعًا، فـ”أبو عصام” هو “أبو العز” وهو “عزمي بك”، سواء لعب الممثل ذاته أو سواه الدور. ليس مطلوبًا من هذه الشخصية الرئيسة سوى ما استطاعت من عبوس وإظهار تجاعيد الوجه، ونظرة ثاقبة عندما يتطلبها الموقف الدرامي، رغم أنه لا وجود لموقف درامي حقيقي يتطلب هذا المستوى من النظرة.
ليس جديدًا الحديث عن “باب الحارة”، أو المسلسلات المشابهة، وانتقادها بتنميط الشخصية الدمشقية، وحصار المجتمع بالعادات والتقاليد البالية، التي يخالف بعضها الحقيقة ويطابقها بعض آخر، لكن القصة هي ليست تنميط المجتمع والتاريخ والشخصية، بقدر ما هي تنميط الفن، وهدر مبالغ ضخمة على الإنتاج في مواقع لا تستأهل أي جهد، لقد استُهلكت تمامًا، لقد صارت حرفيًا برامج أطفال خالية من موهبة التعامل باحترافية مع الطفل.
“الكندوش”، المسلسل الذي ذاع صيته، وباكورة أعمال شركته الإنتاجية الجديدة، والمسلسل الذي تحدّى أيمن رضا الوسط الفني فيه، وبقدرته على “الطحش” في الازدحام الفني الرمضاني، خاصة أنه أقنع أيمن زيدان بالعودة إلى التلفزيون بعد فراق، فعاد وكأنه لم يغب، فالدور الذي لعبه آلاف سيلعبونه بسهولة، ليس لضعف قدرة فنية أو موهبة عند الممثل القديم، وإنما للشخصية التي يحفظها الجمهور عن ظهر قلب. صار السيناريو متوقعًا، جرّب أن تبدأ بأحد المشاهد وتحاول استكمالها وحدك، ستفاجَأ بأنك قادر على مقاربة السيناريو، وفي بعض الأحيان التفوق عليه.
في “الكندوش” يتم صرف الحلقة الأولى كاملة على أغنية ومشهد سرقة منزل الشخصية التي ليس من السهولة بمكان أن تقتحم منزلها، ففي المنزل نساء “أخوات رجال”، وفي الحي سكان يصرخون بلسان واحد، يأكلون بملعقة واحدة، ويضحكون على النكتة ذاتها. ستجد وفاء موصللي وصباح الجزائري وكأنهما لم تغادرا “باب الحارة”، اختلف المنزل ربما، وأشكال البنات، لكنك ستجد صعوبة بالتأكيد بحفظ أسمائهن، وستكرر أسماء نساء “باب الحارة”، فما الفرق؟
وفي “حارة القبة” ستجد “المعلم عمر”، أو “أبو عصام”، أو الاسم الجديد للشخصية ذاتها “أبو العز”، تاجر القمح الأصيل، “أبو الرجولة والمراجل”، زوج الجميلة الذكية العاقلة، يخبّئ ابنه الشاب من “الأخد عسكر” أو “السفر برلك”، وهل تكررت حكاية في الدراما السورية مثلها؟ ستتوقع القادم بسهولة، الحكاية عن “السفر برلك” وزمن الحكم العثماني لدمشق ذات الأحياء المحافظة، والرجال الأشاوس، الذين لا بد من بينهم قلّة دنيئة، ستقضي عليها الحارة لا محالة، قبل ثورتها ضد العدو الأكبر، وستبكي نساء لكن سيضحكن في النهاية، وسيتزوج أحبة لمحوا وجوه بعضهم من خلف “شق الباب” أو من نافذة مطلة على شارع الحي القديم، الغارق بحكايات “القبضايات”.
ولعل من الممتع والكوميدي أيضًا أن تتبع تلك الخطوط والمنهجيات التي تعتمدها هذه الأعمال الجديدة لتحقيق “تفوق أخلاقي وتاريخي” على “باب الحارة”، إنزال الحجاب قليلًا عن رؤوس الصبايا، وظهور أطراف شعرهن للرجال، فقير يشرب العرق ويسكر، شوارب أقصر قليلًا من المقاسات المعتمدة في “باب الحارة”، مثقف قرأ بعض الكتب، وتشكيلة من محاولات الاختلاف أو على الأقل إبعاد التشبيه عن عرّاب هذا النموذج (باب الحارة) الذي قد يكون الحديث فيه تحوّل أيضًا إلى لازمة ونمطية نقدية تعاني من شدة تكرار مصطلحاتها كما يعاني المسلسل نفسه. وبالمجمل عند نهايات شارات تلك المسلسلات الجديدة، ستنتظر عيناك نهاية الشارة لتقرأ اسم بسام الملا مخرجًا لها، لكنك ستجد أسماء أخرى، لكن لا شيء يختلف، فهي أيضًا شخصيات المسلسل النمطية ذاتها، لكنها تقف خلف الكاميرات لا أمامها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :