“لن نسمح باستباحة أسواقنا وتدمير منتجاتنا الوطنية بالمخالفات الجسيمة، والمرسوم جاء ليحمي الصناعة الوطنية عبر اجتثاث كل ما هو مجهول المصدر ومنتهي الصلاحية وغيرها”، بهذه الأهداف روّج وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، طلال البرازي، لقانون حماية المستهلك الجديد الصادر قبل أسابيع.
ومنذ إقراره في 12 من نيسان الماضي، يحاول مسؤولو النظام الترويج لفوائد وأهداف القانون المتضمن غرامات مالية وعقوبات بالسجن لمخالفي أحكامه، وسط مساعٍ من التجار لإلغاء عقوبات السجن “غير المحببة”، ومطالبات للوزارة بالتراجع عنها.
القانون من وجهة نظر مشرّعه
أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في نيسان الماضي، المرسوم التشريعي رقم “8” لعام 2021 المتضمن قانون حماية المستهلك الجديد، الذي يضم 83 مادة تنظم أحكام البيع والتخزين والجودة والعقوبات، وتنظم عمل جمعيات حماية المستهلك، إلى جانب أحكام عامة.
يضمن المرسوم، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية عن البرازي في 2 من أيار الحالي، حق المنتج والمورد بتحديد السعر الموضوعي وفق بيان التكلفة مع نسبة الربح المحددة، وتحدد الأسعار من اللجان المختصة بمشاركة ممثلي غرف الصناعة والتجارة.
كما يضمن حق المستهلك بمعرفة السعر والمعلومات والبيانات عن المواد أو السلع أو الخدمات التي يدفع ثمنها.
والغاية من المرسوم، بحسب ما قاله الوزير، حماية المستهلك بالحصول على السلعة الصالحة للاستخدام والاستعمال بشكل آمن، وأن تكون هذه السلعة مطابقة للمواصفات والمقاييس، وأن يدفع قيمتها مع الربح الموضوعي والمنطقي.
مخالفات تستدعي السجن
شمل قانون حماية المستهلك الجديد العديد من العقوبات بين الغرامات المالية والسجن على حسب نوع المخالفة من قبل البائعين.
- السجن شهر على الأقل وغرامة قدرها 400 ألف ليرة سورية، لحجب الفاتورة أو الفاتورة الخاطئة أو مواد من دون فاتورة، إذا كان الفاعل بائع جملة أو نصف جملة.
- السجن سنة على الأقل وغرامة من 600 ألف ليرة إلى مليون ليرة، لرفع الأسعار أو الامتناع عن البيع أو حيازة مادة مجهولة المصدر.
- السجن ستة أشهر مع غرامة بين 200 و500 ألف ليرة، للمتاجرة بالمساعدات الإغاثية.
- السجن ستة أشهر مع غرامة بين 200 و500 ألف ليرة، للغش بالميزان وأدوات القياس.
- السجن سنة على الأقل وبغرامة مليون ليرة، للغش والخداع في البضائع.
- السجن سنة على الأقل وغرامة قدرها خمسة ملايين ليرة، لغش أغذية الإنسان والحيوان.
- السجن سنة على الأقل وبغرامة مليون ليرة سورية، للمتاجرة بمواد “البطاقة الذكية”.
- السجن من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة قدرها عشرة ملايين ليرة سورية للمستورد أو المنتج، لحجب البيان الجمركي أو الفواتير أو المواد.
- السجن سبع سنوات على الأقل وغرامة قدرها ثلاثة أضعاف قيمة الكمية المضبوطة، لسرقة أو اختلاس أو التجارة بالدقيق أو السلع المدعومة حكوميًا.
- السجن من شهر إلى ستة أشهر لتستر موظف الضابطة على المخالفات.
للتجار رأي آخر
أوضح عضو مجلس اتحاد غرف التجارة، وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب، علي تركماني، أن عقوبة السجن في القانون الجديد فاجأت التجار والوسط بشكل كامل، بحسب تصريحات أدلى بها لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية في 24 من نيسان الماضي.
وتحدث تركماني عن اجتماعات مستمرة وتواصلات بين غرف التجارة ممثلة بأعضائها مع وزارة التجارة الداخلية للوصول إلى نتيجة مرضية للجميع تكون أهم بنودها إلغاء العقوبة بالسجن.
واعتبر المسؤول أن بند العقوبة بالسجن عقوبة مشددة، والتاجر أصبحت لديه هواجس غير محببة وغير مرغوبة لهذا البند، ودورة التموين أصبحت ضابطة عدلية كدوريات الجمارك والتوقيف، والإحالة إلى المحكمة يمكن أن تكون مباشرة.
يأتي هذا القانون في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا، وارتفاع نسبة البطالة في المجتمع السوري، ومن خلاله يحاول النظام ضبط أسعار المواد الغذائية.
كما يأتي تماشيًا مع طرح المركزي قائمة أسعار جديدة للقطع الأجنبي، ما أدى إلى انخفاض مؤقت في سعر الصرف في السوق السوداء، إلا أن الأيام القريبة المقبلة ستشهد انخفاضًا جديدًا في قيمة الليرة السورية، ما يعيد الأمر إلى المربع الأول المتمثل بانخفاض قيمة الليرة وتسديد التجار قيمة موادهم بالقطع الأجنبي، بحسب الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي.
فسوريا بوضعها الحالي تقوم باستيراد أغلب المواد من الخارج، ما يضع التاجر بين مطرقة القوانين التي يسنها النظام السوري وسندان تذبذب أسعار الصرف، وفقًا لقضيماتي، ويحاول النظام لفت الأنظار إلى المستورد وتحميله سبب المشكلة في حين أن غياب البنية الاقتصادية الصحيحة في سوريا في ظل وجود النظام هي التي تسبب كل هذه الأزمات.
وضاعف مصرف سوريا المركزي، منتصف نيسان الماضي، سعر الصرف الرسمي وسعر الحوالات بنسبة 100%، ليصبح 2512 ليرة سورية للدولار الواحد، بعد أن كان سعر التصريف الرسمي لها 1256 ليرة للدولار.
النظام يعمل بعقلية “كوريا الشمالية”
وقال الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، إنه من الغريب كيف لا يزال النظام السوري على قناعة بأنه قادر على جعل منتجين أو صناعيين يتصرفون بطريقة معيّنة فقط بالإكراه، من خلال فرض قانون حماية المستهلك الجديد، و”الإجراءات المتبعة وفقًا للقانون الجديد كمن يضرب رصاصة على قدمه بدل أن يضربها على الهدف”.
وأضاف شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن سياسة من هذا النوع من الممكن أن تنجح على المدى القريب، ومن الممكن أن يتراجع التاجر عن بيع سلعة بسعر أعلى ويتجاوب مع القيود المفروضة عليه ويتقبلها لفترة معيّنة وبدرجة ضغط معيّنة، لكن على المدى البعيد اقتصاديًا من الممكن أن يغير أصحاب الفعاليات التجارية مهنهم أو يغلقوها، “إذ لا يوجد شيء بالإكراه”.
وأشار الباحث إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن النظام السوري “يعمل بعقلية كوريا الشمالية، كل شيء مفروض بالقوة، وهو أمر سيئ، ومن الغريب غياب الفهم لأساسيات الاقتصاد في هذه المرحلة”.
ولطالما استخدمت حكومة النظام التجار والصناعيين، وفي فترة الحرب بشكل خاص، “شماعة” لتعليق كل إخفاقاتها عليهم، وهذا أمر سهل بالنسبة لها، بحسب الباحث، الذي تحدث أيضًا عن حالة من الفصل التام ما بين التاجر أو الصناعي والمستهلك، وكأن التجار والصناعيين ليسوا مستهلكين في نفس الوقت، وليسوا جزءًا أصيلًا من المجتمع، بحسب تعبيره.
ويرى شعار أن “التهجم على التجار والصناعيين وتخوينهم لمجرد أنهم يتمتعون بوضع معيشي أفضل”، يخلق حالة من الكره لديهم، حتى بدأت غرف التجارة والصناعة مؤخرًا “في بيئة قمعية مثل سوريا” بإبداء آرائها والمطالبة بإنهاء الإجراءات المفروضة عليهم.
وفرض الأسعار على التجار ليس سياسة “حكيمة” أو حلًا مستدامًا، وهو سياسة يمكن اتباعها لمدة أسبوع أو أسبوعين في فترات الحرب بسبب الضغط الأمني، بحسب شعار، الذي أشار إلى أن الوضع الأمني هدأ في مناطق سيطرة النظام، لذلك لا يمكن أن تستخدم الدولة هذا الحل إلى الأبد.
هل من حلول؟
أرجع الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي ارتفاع أسعار المواد في سوريا إلى عدة عوامل، منها تذبذب أسعار صرف الليرة السورية واتجاهها العام نحو المنحنى السالب، وتوقف عجلة الإنتاج وغياب الأمن الغذائي نتيجة انعدام البنى التحتية والبيئة اللازمة لذلك.
وأوضح الباحث أن سيطرة “تجار الحرب وأزلام النظام” على ما تبقى من الاقتصاد السوري، وتوظيف موارد سوريا لخدمة الآلة العسكرية التابعة للنظام خلال السنوات السابقة، من الأسباب المؤدية أيضًا إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل كبير في سوريا، وإذا ما تمت معالجة هذه المشكلات يمكن الوصول إلى ثبات في معدلات الأسعار بشكل عام.
بينما يرى الباحث الاقتصادي كرم شعار أن تحرير الأسعار حل بدل فرض تسعيرات معيّنة على التجار بالقوة.
وأوضح أن “صندوق النقد الدولي” كان دائمًا وما زال يطالب الدول بتحرير الأسعار كخطوة أولية لتقديم الدعم وتقديم القروض، والدافع لذلك أنه “لا توجد قوة في العالم أعدل من السوق الحرة في تحديد القيم”.
وأشار إلى أن السبب الأساسي لمشكلة التهريب بين سوريا ولبنان، وجود سعر أرخص للمواد على إحدى الضفتين، ولو وُجدت بالفعل سوق محررة الأسعار تتناسب مع بعضها ينتهي التهريب بين البلدين.
وكان الأسد حمّل التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار، وهدد بالتدخل بالقوة والعقوبات المشددة دون تردد في التعامل معهم، واصفًا سعر الصرف بالمعركة، في اجتماع مع مجلس الوزراء نهاية آذار الماضي.
وبيّن تاجر في سوق “باب سريجة” في وقت سابق لعنب بلدي عبر الهاتف، بشرط عدم كشف هويته، أن تسعيرات وزارة التجارة الداخلية لا تراعي ربح التجار الذين يدفعون مصاريف تشغيلية وفواتير وضرائب وغيرها.
وقال التاجر إن الوزارة تريد أن تؤكد أن الأسعار مستقرة والأوضاع تحت السيطرة على حساب التجار، لذلك نجد كل القرارات التي صدرت في الأشهر الأخيرة تستهدف التجار، وكأن تراجع قيمة الليرة مسؤوليتهم.
وتصدّرت سوريا قائمة الأكثر عشر دول تضررًا عام 2020 مع زيادة انعدام مستويات الأمن الغذائي بنحو 20 مليون شخص منذ عام 2019، بحسب تقرير صادر عن “الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية”، حول انعدام الأمن الغذائي في العالم.
وبحلول تشرين الثاني 2020، كان هناك 12.4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، منهم 11.1 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل، و1.3 مليون شخص من انعدام أمن غذائي شديد، وفق ما ذكره التقرير.
–