أرسلت الصين، في 29 من نيسان الماضي، أول وحدة من محطتها الفضائية الجديدة التي تنوي إقامتها، إلى الفضاء، على غرار محطة الفضاء الدولية “ISS”، بهدف إرسال رحلات مأهولة إلى القمر، ليخرج الصاروخ الذي يحمل المركبة عن السيطرة، ويدور منذ ذلك الحين، وحتى اليوم، حول غلاف الأرض بشكل عشوائي.
خرج الجزء الأكبر من صاروخ الدفع الصيني عن السيطرة بعد إطلاقه في الفضاء، وأشارت بعض التقديرات إلى أنه “انخفض إلى ما دون 300 كيلومتر فوق مستوى سطح البحر”، بحسب شبكة “bbc“.
ونقلت صحيفة “الجارديان” البريطانية عن عالم الفيزياء في مركز الفيزياء الفلكية بجامعة “هارفارد” جوناثان ماكدويل، قوله، “من المحتمل أن يكون الأمر غير جيد”.
وأضاف، “في المرة الأخيرة التي أطلقت فيها الصين صاروخًا من طراز (لونغ مارش 5 بي) انتهى الأمر بقضبان معدنية كبيرة طويلة تحلق في السماء، وألحقت أضرارًا بعدة مبانٍ في ساحل العاج”.
ورغم التخوف العالمي من مسار ومآل الصاروخ الصيني، استمرت الرواية الرسمية الصينية بنفي ما قالت إنه “شائعات” عن “كارثة” متوقعة من هبوطه.
وعمدت الصين خلال السنوات الماضية إلى انشاء محطتها الدولية الخاصة في الفضاء، خصوصًا بعد إقصائها من نشاط “المحطة الدولية للفضاء” عام 2011، بسبب الاعتراضات الأمريكية على الطبيعة السرّية للبرنامج الصيني، وصلاته القوية بالمنظومة العسكرية الصينية.
مسار الصاروخ “محسوب”؟
قالت السفارة الصينية في السعودية عبر حسابها الرسمي في “تويتر“، ضمن سلسلة من التغريدات، “بعد أن يكمل الصاروخ مهمة تسليم المحمولة الفضائية، يفقد الصاروخ الذي يدور خارج الغلاف الجوي قوته، وبغض النظر عن البلد الذي يصنعه، فلا يوجد مفهوم التحكم في حطام الصاروخ. لكن مسار رحلة الحطام محسوب بعناية”.
وتقوم الدول المسؤولة في مجال الفضاء، بما في ذلك الصين، بإجراء “التخميل” (إبطال الفعالية التفجيرية) للصاروخ في المرحلة الأخيرة، ولتجنب احتلال موارد مَدَارية ثمينة، يمكن نقل الصاروخ إلى مدار مهجور قبل إجراء “التخميل”، بحسب السفارة.
وختمت السفارة سلسلة تغريداتها بأن الصاروخ الصيني، مثل صواريخ الدول الأخرى حتى الآن، آمن على الأرض.
وجاءت تغريدات السفارة وسط تخوف أمريكي من ارتطام الصاروخ بسطح الأرض، في أماكن ربما تكون مأهولة بالسكان.
ونقلت “bbc” عن العالم في “مرصد الأرض” بسنغافورة جايسون هيرين، أن “تناقص الدفع سيبطئ جسم الصاروخ، ما يؤدي إلى فقدان الارتفاع والدخول إلى الغلاف الجوي الأكثر كثافة، ما يؤدي بدوره إلى مزيد من المقاومة، نتيجة احتكاك الصاروخ بالغلاف الجوي وفقدان مزيد من السرعة والارتفاع”.
وشرح هيرين، “بمجرد بدء هذه العملية، سيتم حبس الجسم في رحلة هبوطية لا رجعة فيها”.
ومن المتوقع أن يسقط حطام الصاروخ على الأرض في عودة غير منضبطة، نهاية الأسبوع الحالي، ويدور جسم الصاروخ حاليًا حول الأرض، وهو على وشك دخول الغلاف الجوي السفلي.
القطعة المتبقية من الصاروخ “لونغ مارش 5B” تدور حول الأرض مرة كل 90 دقيقة في مدار أرضي منخفض، بين حوالي 170 و370 كيلومترًا فوق سطح الأرض، وكانت بعض الرادارات الأرضية رصدت أنه يتأرجح بشكل غير متحكم به.
ومن المتوقع أن يحترق الصاروخ إلى حد كبير نتيجة احتكاكه بالغلاف الجوي، الذي يزداد كثافة على ارتفاع حوالى 60 كيلومترًا من سطح الأرض، لكن الأجزاء التي لا تحترق تمامًا ستبقى لتسقط على الأرض.
وإذا حدث كل هذا دون ضابط، فإن المكان الذي يحترق فيه الصاروخ وحيث سيسقط الحطام لا يمكن التحكم فيه أو التنبؤ به بدقة، بحسب “bbc”.
ليست المرة الأولى
هذه ليست المرة الأولى التي تفقد فيها الصين السيطرة على صواريخها الحاملة للقطع الفضائية، ففي أيار 2020، اخترقت أجزاء من أحد الصواريخ الصينية (من نفس الفئة) الغلاف الجوي، وسقط الجزء الأكبر منه في المحيط الأطلسي، لكن بعض الحطام سقط في قرى مأهولة بساحل العاج غربي إفريقيا، دون أن يُبلغ عن وقوع إصابات.
ولم يحدث من قبل أن أُصيب إنسان على الأرض ببقايا صاروخ أو قمر صناعي، رغم أن حوادث سقوط أجزاء تقنية فضائية إلى الأرض تكررت أكثر من مرة.
وبعد سنوات من الإطلاق الناجح للصواريخ والأقمار الصناعية التجارية، أرسلت الصين أول رائد فضاء لها إلى الفضاء في تشرين الأول 2003، لتصبح ثالث دولة تقوم بذلك بشكل مستقل بعد روسيا والولايات المتحدة.
وفي 19 من تموز عام 2019، سقط “مختبر الفضاء الصيني الثاني” الذي يحمل اسم “Tiangong 2“، ويبلغ وزنه 8.6 طن، فوق منطقة غير مأهولة بالسكان جنوب المحيط الهادئ، وبالتالي لم يخلّف أي إصابات أو ضحايا.
آخر تلك الحوادث كان في آذار الماضي، حين سقط حطام صاروخ “فالكون 9″، لشركة “سبايس أكس” التي يملكها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، في مزرعة بولاية واشنطن شمال غربي الولايات المتحدة، نتيجة فشل تشغيل محرك الجزء التالي من الصاروخ لضبط هبوطه إلى الأرض، دون أن يخلّف أي إصابات بين السكان.
وقالت وكالة “ناسا” للفضاء، إن التدمير المتعمد للمركبة الفضائية الصينية “Fengyun-1C” عام 2007، واصطدام مركبة فضائية أمريكية وروسية في عام 2009، أدى وحده إلى زيادة عدد الحطام المداري الكبير في المدار الأرضي المنخفض بنسبة 70% تقريبًا، ما يشكّل مخاطر تصادم أكبر على المركبات الفضائية العاملة في مدار أرضي منخفض.
“قصر السماء”.. المحطة الصينية المرتقبة
أُطلق الصاروخ الذي يُتوقع اصطدامه بالأرض في 29 من نيسان الماضي، حاملًا الجزء الأول من المحطة الفضائية التي تبنيها الصين، والذي كان طوله بكل أجزائه أكثر من 50 مترًا لدى إطلاقه، وتمكن بالفعل من وضع حمولته في الفضاء بمكانها.
وكي تستكمل الصين بناء المحطة تحتاج إلى إطلاق عشر أو 11 رحلة مماثلة، وهذا ما يثير القلق العالمي من تكرار ترك الأجزاء الأساسية لصواريخ الإطلاق تهبط إلى الأرض من دون تحكم.
ويمنع قانون أمريكي الصينيين من الوصول إلى المحطة الفضائية الدولية لأسباب أمنية، وتشارك في المحطة الولايات المتحدة وروسيا وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان.
ومن المقرر أن ينتهي عمل المحطة الفضائية الدولية عام 2024 (تعمل منذ عام 2000)، وإذا نجحت الصين في بناء محطتها الفضائية ستكون بذلك المحطة الفضائية الوحيدة في الفضاء، وتطلق الصين على المحطة الجديدة اسم “القصر السماوي” (تيانغونغ).
–