دون توضيح الأسباب بشكل رسمي، وبعد أيام من إعلان السلطات السعودية ضبط شحنة مخدرات مصدرها سوريا، قادمة من لبنان، أقالت حكومة النظام السوري مدير عام الجمارك العامة، فواز أسعد أسعد.
وجاء الإعفاء بشكل مشابه لإقالة الحاكم السابق للمصرف المركزي، حازم قرفول، منتصف نيسان الماضي.
إعفاءات دون توضيح
وقرر رئيس حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، في 1 من أيار الحالي، إلغاء العمل بالقرار رقم “1292” بتاريخ 1 من حزيران 2017 المتضمن إسناد وظيفة مدير عام مديرية الجمارك العامة إلى فواز أسعد أسعد، بحسب ما ذكرته صفحة رئاسة مجلس الوزراء في “فيس بوك“.
لم يذكر عرنوس في قراره أسباب إقالة مدير الجمارك الذي يشغل منصبه منذ أربع سنوات، لكن التهم بالفشل في محاربة الفساد وعدم القدرة على ضبط التهريب لاحقت أسعد، من صحيفة “الوطن” المقربة من النظام.
وكان رئيس الحكومة السابق، عماد خميس، أسند وظيفة مدير عام مديرية الجمارك العامة إلى فواز أسعد في حزيران 2017.
وأرجعت الصحيفة أسباب الإقالة، نقلًا عن مصادر لم تسمها، إلى عدم قدرة أسعد على ضبط التهريب، وعدم نجاح إجراءاته في “تجفيف منابعه”، ما أضر بالأسواق وحركتها، إضافة إلى فشله في ضبط عمل شبكة المخلصين الجمركيبن أو فكفكة المجموعات الفاسدة داخل قطاع الجمارك.
وبطريقة مشابهة، أقال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حازم قرفول من منصبه كحاكم للمصرف في 13 من نيسان الماضي، بمرسوم تشريعي لم يذكر تفاصيل الإقالة، لكن صحيفة “الوطن” حمّلت قرفول مسؤولية تدهور سعر الصرف خلال الفترة الماضية.
واعتبرت أنه لم يمتلك “حتى فكر المبادرة، ولم يمتلك تقنية التفكير الصحيح في مجاله المالي والمصرفي”، وهو ما اعتبره اقتصاديون سوريون التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق “ظلمًا” لشخص قرفول، وغطاء لإخفاق حكومة النظام في إدارة ملف ضبط أسعار الصرف في سوريا.
ولا يوضح النظام ما إذا كان يحاسب المسؤولين الذين يقيلهم بعد توجيه تهم فساد أو سوء إدارة لهم.
لكن صحيفة الوطن تحدثت، في 7 من نيسان الماضي، عن تحقيقات وتوقيفات طالت رؤساء أقسام وكشافين ومخلصين جمركيين، وقرار لوزارة المالية بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لأحد كبار المخلصين الجمركيين دون ذكر هويته.
منهجية “الأب العامل”
ويتبع النظام منهجية منذ بدايات الثورة في سوريا وفي مرحلة سابقة، يُظهر من خلالها أنه “الأب الذي يعمل” ويزيح المسؤولين المقصرين، ويتبع في الفترة الأخيرة سياسة “شيطنة التاجر” من أجل تلميع صورة الحكومة، بحسب المحاضر والباحث في الاقتصاد خالد تركاوي.
وقال تركاوي لعنب بلدي، إن أفرع المخابرات تتدخل بسعر الصرف أكثر من المصرف المركزي نفسه، والأمر نفسه ينطبق على القطاع الجمركي، فكبار التجار والشركات المرتبطة بالمناطق الحرة والمسؤولون فيها أهم من مسؤولي الجمارك.
وقد تكون الأفرع الأمنية أفادت النظام أكثر من المسؤولين الذين يُعفيهم ويحمّلهم أمام المواطنين مسؤولية التقصير، ويُظهر للمواطنين أنه يحاسبهم وأن لا أحد فوق القانون.
وكان رئيس الحكومة السابق، عماد خميس، ووزير التجارة الداخلية السابق، عبد الله الغربي، وجها تهمًا لفواز أسعد بعد أشهر من تكليفه بإدارة الجمارك بوجود تعاون وتنسيق بين الجمارك والمهربين في سوريا.
لكن أسعد نفى الاتهامات الموجهة إليه، وقال “يستطيع أي شخص اتهام من يشاء ومتى يشاء وبما يشاء، لكن هذا التصرف لا يمت للعمل المؤسساتي المنظم ولا حتى للمنطق بصلة”.
وأوضح أن أبواب المديرية مفتوحة لتلقي شكوى عن حالات الفساد، بشرط أن تكون الشكاوى موثقة بالأدلة والبراهين.
“رسالة إلى السعودية: مسيطرون على الأمور”
ويرى الباحث خالد تركاوي أن إقالة مدير الجمارك من الممكن أن تكون رسالة إلى السعوديين، بعد تكرار ضبط عمليات تهريب المخدرات القادمة من سوريا، مفادها أنه متعاون ويهمه أمن بلده كما أنه قادر على ضبط الأمور، في ظل وجود مصلحة كبيرة له من عمليات التهريب، وتشجيعه له بالطرق النظامية التي يمتلكها أو من خلال الترحيب بصغار المهربين.
ولا توجد أي فوائد من تغيير وجوه المسؤولين في ظل وجود المنظومة نفسها في العمل والحكم، بحسب تركاوي، و”لن يحدث استبدالهم فرقًا، ضمن الأدوات والآليات الحالية، فأولويات الحكومة تكون لتأمين مستلزمات الحرب وليس مستلزمات الشعب”.
وتتواصل عمليات التهريب من الأراضي اللبنانية إلى السورية عبر الحدود البرية بينهما، إذ تنشط عمليات تهريب سلع مختلفة على رأسها المحروقات من لبنان إلى سوريا، بالإضافة إلى تهريب مواد غذائية، وسط محاولات لضبط الحدود بين البلدين المنهكين اقتصاديًا.
اقرأ أيضًا: هكذا استخدم حازم قرفول غطاء للإخفاق في سوريا.. الليرة تتحسن بجهود أجنبية؟
“كبتاغون” من سوريا إلى السعودية عبر لبنان
وكانت الجمارك السعودية في ميناء “جدة الإسلامي” على البحر الأحمر، تمكنت من إحباط محاولة تهريب كمية من حبوب “الكبتاغون” بلغت أكثر من 5.3 مليون حبة، مُخبأة ضمن شحنة فاكهة رمان من لبنان.
وفي 27 من نيسان الماضي، قالت صحيفة “الشرق الأوسط“، إن صناديق الرمان التي ضُبطت في السعودية وصلت إلى بيروت على دفعتين من دمشق من أجل التصدير، وتمكنت “شركة وهمية” من الحصول على شهادة المنشأ لتصديرها بحرًا عبر مرفأ “بيروت” إلى السعودية.
وتحدث مصدر لصحيفة “الشرق الأوسط”، أن المهرّبين يقيمون في المناطق المتداخلة بين سوريا ولبنان، ويأوون إليها كلما اشتد الخناق عليهم، وهم يتمتعون بحماية جهات رسمية نافذة في سوريا.
كما يستفيد المهربون من وضع الأمر الواقع في مناطق لبنانية حدودية تتمتع بحماية ذاتية من قوى محلية يُمنع على الدولة الدخول إليها أو الاقتراب منها، لدهم المصانع التي تصنع المواد المخدّرة والعمل على إقفالها، باعتبار أن هذا الإجراء يؤدي حتمًا إلى وقفها عن العمل، وبالتالي يحد من عمليات التهريب.
وعلمت الصحيفة أن شعبة “المعلومات” في قوى الأمن نفذت “عملية نوعية” أدت إلى توقيف أحد المشتبه بهم في مكتبه، وبحوزته أكثر من ثلاثة ملايين دولار نقدًا، وهو السوري الحاصل على الجنسية اللبنانية حسن دقّو، ويُعرف بـ”رجل الكبتاغون” ويخضع حاليًا للتحقيق بإشراف القضاء المختص.
–