عنب بلدي – علي درويش
شن الطيران الحربي الروسي غارات جوية على مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، استهدفت إحداها محيط قاعدة عسكرية تركية في ريف حلب الشمالي، مساء الخميس 29 من نيسان الماضي.
وتكرر قصف الروس والنظام لمناطق المعارضة منذ توقيع اتفاق “موسكو”، في 5 من آذار 2020، لكن القصف الأخير طال لأول مرة قاعدة عسكرية تركية، وتحدثت وسائل الإعلام الروسية عن تفاصيله.
وسبق قصف الطيران الروسي بساعات تدريبات مشتركة بين الشرطة العسكرية الروسية والجيش التركي على الجزء من الطريق الدولي “M4” الذي يربط محافظتي حلب واللاذقية، مرورًا بجنوبي إدلب، كما سيّر الطرفان أطول دورية شرق الفرات، في 1 من أيار الحالي.
مصالح مشتركة بين الطرفين
وتتضارب المصالح التركية والروسية في سوريا، إذ تدعم تركيا فصائل المعارضة المسلحة، واصطدمت عسكريًا مع النظام أواخر شباط وبداية آذار 2020.
بينما تدعم روسيا النظام، ويعتبر تدخلها إلى جانبه المنقذ الرئيس من سقوطه عسكريًا، كما اصطفت إلى جانبه في جلسات الأمم المتحدة واستخدمت حق النقض (الفيتو) لمصلحته.
وجمعت طاولة المفاوضات الطرفين في سوريا باتفاقي “موسكو”، الذي أوقف المعارك شمال غربي سوريا بين النظام والمعارضة، و”سوتشي” في 22 من تشرين الأول 2019، الذي أوقف معارك شرق الفرات بين الجيش التركي مدعومًا بـ”الجيش الوطني السوري” من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى.
كما أن روسيا وتركيا إلى جانب إيران هما الدول الضامنة لمسار “أستانة” في سوريا، الذي عُقدت منه 15 جولة، وأسهم بشكل كبير بتغيير خريطة السيطرة الميدانية في مناطق “خفض التصعيد”، التي جرى الاتفاق عليها عبره.
سياسة “بلوكات” تحصر الخلافات ضمن مناطقها الجغرافية
أوضح رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، أن كيفية تعاطي الروس مع الأتراك في سوريا تقوم على مبدأ “بلوكات”، أي التعاطي مع كل جزء على حدة.
وهذا ما حصل، بحسب ما قاله شعبان لعنب بلدي، في أكثر من مرة، وفي الوقت الذي قصفت فيه روسيا أسواق النفط ومراكز تكرير النفط البدائية (الحراقات) بمحيط مدينتي الباب وجرابلس شمالي حلب، كانت الدوريات المشتركة بين الطرفين تسيّر شرق الفرات دون أي تأثر.
وأدى قصف روسيا “حراقات” وأسواق النفط، في 5 من آذار الماضي، بسبعة صواريخ “توشكا” ، إلى مقتل أربعة مدنيين، بينهم متطوع في “لدفاع المدني، كما أُصيب 42 مدنيًا، حسب “الدفاع المدني“.
كما احترق أكثر من 200 صهريج لنقل المحروقات، وتضرر عدد كبير من المصافي البدائية لتكرير المحروقات، إضافة إلى احتراق إحدى آليات “الدفاع المدني السوري” وتضرر أخرى.
ولم تحدث مشكلات بين الروس والأتراك في مدينتي تل أبيض شمالي الرقة ورأس العين شمال غربي الحسكة (منطقة عمليات نبع السلام)، بينما توجد العديد من المشكلات في ريفي إدلب وحلب.
ومع حدوث بعض المشكلات بين الطرفين في جزء ما توجه أحيانًا رسائل قاسية، والجانب التركي لديه رضا بهذا الأسلوب من التعاطي، ويسير على مبدأ تسيير الأمور في جبهة ما مقابل إصلاح جبهة أخرى، بحسب الباحث نوار شعبان، وبالتالي محاولة منع تأثير إشكالية في منطقة ما على العلاقات في منطقة أخرى داخل الأراضي السورية.
قصف الحليف يقابله تسيير دوريات
وكان الطيران الحربي الروسي في قصفه الأخير على مناطق سيطرة المعارضة ألقى قنابل “FOTAB” روسية الصنع على محيط إحدى القواعد العسكرية التركية في ريف حلب، مساء الخميس 29 من نيسان الماضي، حسبما نشر حساب “مراسلون حربيون للربيع الروسي” (Rusvesna.su) عبر “تلجرام”.
إلقاء قنابل “FOTAB 100-80″، بحسب “Rusvesna.su”، أدى إلى تعطيل حركة عناصر المعارضة وإفشال خططهم.
“FOTAB”، هي قنبلة مصممة للقصف الليلي، وتعطي ضوءًا قويًا يكشف التضاريس الجغرافية، تبلغ شدة الإضاءة بين 22 ألفًا و70 ألف شمعة، ومتوسط وقت احتراق القنبلة بين 2.2 و3.5 دقيقة. |
واستهدفت إحدى الغارات نقطة عسكرية تابعة لـ”الجيش الوطني” موجودة بين قطاع عصعص وقطاع كفر خاشر العسكريين بريف حلب، في أثناء مرور دورية حراسة في النقاط العسكرية على خطوط التماس بين فصائل “الجيش الوطني” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بحسب ما قاله قيادي في “الجيش الوطني” لعنب بلدي تعليقًا على القصف.
وتقع النقطة المستهدفة بين مدينتي اعزاز (الخاضعة لسيطرة المعارضة) وتل رفعت (الخاضعة لسيطرة “قسد” والتي تطالب تركيا بخروجها منها) بالقرب من خطوط التماس بين الطرفين.
وبررت روسيا القصف الأخير بصور نشرتها وكالة “ANNA” الروسية قبل يوم من القصف الأخير، التقطتها طائرات استطلاع، قالت إنها لاستعدادات فصائل المعارضة لشن هجمات ضد قوات النظام.
وذكرت الوكالة أن قوات المعارضة “نشرت راجمة صواريخ، وسيارات، ومدافع هاون عيار 120 ميليمترًا، ومعدات ثقيلة في مواقع أمامية بقرى بينين وفطيرة جنوبي إدلب”.
وتتعرض مناطق سيطرة المعارضة لقصف متكرر من قبل النظام وروسيا، ووثق فريق “منسقو استجابة سوريا” 208 خروقات من قبل قوات النظام وروسيا لاتفاق وقف إطلاق النار، عبر قصف جوي وبري استهدف مناطق سيطرة المعارضة، خلال الأيام الـ14 الأولى من رمضان الحالي.
تدريبات بعد تعليق الدوريات
في نفس يوم القصف الروسي للقاعدة التركية، أجرت قوات تركية مع الشرطة العسكرية الروسية تدريبات على طريق “M4” جنوبي إدلب، على الرغم من توقف الدوريات المشتركة بين الطرفين المنصوص عليها في اتفاق “موسكو” منذ أيلول 2020.
وتضمنت التدريبات مناورات في حال تعرض الدوريات لهجوم قناص أو صواريخ موجهة مضادة للدروع، إضافة إلى آلية الكشف عن الألغام، وعمليات الإخلاء.
وكانت روسيا أعلنت، في 14 من آب 2020، تعليق الدوريات المشتركة، بسبب ما سمته “الاستفزازات المستمرة للمسلحين”، قبل أن تستأنف تسيير الدوريات في 17 من الشهر نفسه.
وتعرضت الدوريات المشتركة، خلال تموز وآب 2020، لثلاثة استهدافات بين تفجير سيارة وانفجار عبوة ناسفة، ما أسفر عن إصابات بين الجنود الأتراك والروس، وتضرر في الآليات العسكرية.
ثم امتنع الروس عن تسيير الدوريات المشتركة على “M4″، منذ أيلول 2020، بحجة “عدم قدرة الأتراك على حماية الطريق”، بينما سيّرت القوات التركية أربع دوريات منفردة منذ 15 من أيلول 2020.
وكانت القوات العسكرية التركية- الروسية، أجرت تدريبات عسكرية في بلدة الترنبة بريف إدلب لأول مرة بين البلدين، لاستهداف “الجماعات المسلحة”، بحسب ما أعلنه مدير مركز “حميميم للمصالحة” في سوريا، اللواء ألكسندر غرينكيفيتش، بداية أيلول 2020.
وشمل التدريب، “عمليات الاستهداف الناري المشترك للجماعات التخريبية التابعة للعصابات المسلحة التي ترفض المصالحة، وسحب المعدات العسكرية المتضررة، وتقديم المساعدة الطبية للمصابين”.
وتبعه في الشهر نفسه تدريبان مشتركان، الأول في 5 من أيلول 2020، يحاكي صد هجمات على القوافل العسكرية في أثناء تسيير الدوريات على طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4).
والثاني في 22 من أيلول 2020، وكان للتنسيق في أثناء الدوريات المشتركة، وشمل التواصل باستخدام إشارات معيّنة بين الجنود المشاركين في الدوريات، من أجل التنسيق بينهم في حالات الطوارئ، مثل شن هجمات مسلحة على الدوريات.