الرقة – حسام العمر
أطلق ناشطون في الرقة حملة “أنا من عشيرة الرقة“، في محاولة لإنهاء حالة الاحتقان والعصبية القبلية التي تتبع كل مشاجرة تحدث في المدينة، حسبما قال مؤسسها، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي.
برأي الناشط المدني فإن استمرار النزعة القبلية والعشائرية لدى بعض سكان الرقة هو أمر “خطير” ويجب إدراكه جيدًا.
كان آخر حوادث الاقتتال العشائري التي شهدتها مدينة الرقة، في 24 من نيسان الماضي، بين أفراد من عشيرتي “السخاني” و”البو سرايا”، تسبب بمقتل وإصابة عدة أشخاص.
الخلاف بدأ، حسب شهود عيان، إثر غضب أحد الأهالي من ركن سيارة أمام متجره في شارع تل أبيض، الذي يعتبر سوق المدينة الرئيس.
عشائرية في مناسبات دون أخرى
التمسك بالعرف القبلي والعشائري صار “محدودًا” في الرقة، حسب رأي الناشط المدني، لكن ما وصفها بـ”ساعات الغضب” هي الدافع وراء أي اقتتال أو احتقان حدث في المنطقة.
وتسكن مدينة الرقة عشرات العشائر العربية، لكن أغلبيتها تحولت نحو المجتمع المدني منذ خمسينيات القرن الماضي.
وشهدت مدينة الرقة سلسلة هجرات من سكان أرياف حلب وإدلب ودير الزور والسخنة وتدمر في ريف حمص، وذلك خلال الأعوام الـ50 الأخيرة، ما غيّر كثيرًا من عادات الأهالي، مع الحفاظ على بعض الأعراف والتقاليد العشائرية، مثل عادات الصلح وعادات العزاء والأفراح.
أثر التلاعب السياسي
لم تتخذ أغلبية العشائر في البلاد موقفًا موحدًا من الحراك الثوري في سوريا، إذا حاولت الجهات التي حكمت المنطقة استمالة العشائر وإعطاء بعضهم نفوذًا وصلاحيات أحيانًا أو ترهيب رموزها وشيوخها أحيانًا أخرى.
أحد شيوخ قبيلة “العفادلة”، وهي كبرى عشائر الرقة، قال لعنب بلدي، إن سياسة النظام السوري في تعامله مع العشائر قبل الثورة السورية كانت تقوم على إبعاد الشخصيات الوطنية أو المؤثرة في العشيرة وتعيين شخصيات “مهزوزة وغير مرغوب بها” في الوسط العشائري بدلًا عنها، وهو ما كان بهدف إحداث انقسامات بين العشائر، حسب رأيه.
الشيخ، الذي تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، قال أيضًا إن النزعة القبلية والعشائرية في الرقة لم تكن موجودة فعليًا طوال السنين الماضية، بسبب تصاهر العشائر واندماج أغلبيتها واختلاطها فيما بينها.
وبعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على الرقة، عام 2014، شكّل ما أسماه “ديوان العشائر”، الذي كان يعنى باستمالة أهالي المنطقة، ولكن بقي تأثيره محدودًا لتركيزه على الأفكار الدينية التي تنسف الحميّة القبلية.
لكن الحال اختلفت مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”الإدارة الذاتية”، اللتين ركزتا على استمالة العشائر العربية من خلال منح بعض الشيوخ امتيازات معيّنة داخل المؤسسات المدنية والعسكرية.
وشكّلت “الإدارة” “ديوان العلاقات العامة”، الذي وظفت فيه شيوخًا ووجهاء من الرقة، “بغرض تمجيد (قسد) وإظهارها بمظهر القوى الشرعية والوطنية التي تمثل جميع السوريين”، حسبما قال شيخ قبيلة “العفادلة”.
إلى جانب ذلك، عيّنت “الإدارة” شخصيات عشائرية بمناصب مرموقة في المؤسسات المدنية التابعة لها، مثل رئاسة “مجلس الرقة المدني”، الذي يترأسه محمد نور الذيب، أحد شيوخ قبيلة “العفادلة”، ورئاسة “المجلس التشريعي” في الطبقة، التي تقلدها حامد الفرج، شيخ عشيرة “الولدة”.
وتحافظ كثير من عشائر الرقة على وجود “ديوان العشيرة”، وهي مضافة كبيرة تكون غالبًا في منزل شيخ العشيرة أو أحد وجهائها، يتخذ منها مكانًا للاجتماعات والجلسات التي قد يجريها أفراد العشيرة.
استطلعت عنب بلدي آراء شبان من عشائر في الرقة، وقالوا إن بعض المشاجرات تتطور سريعًا لاقتتال عشائري بسبب طبيعة أهل المنطقة، مع إشارتهم إلى أن المصالحات تحدث سريعًا أيضًا.
ويرى الشبان أن النزعة القبلية والعشائرية صارت شيئًا من الماضي، لكن هذه النزعة تعيد نفسها إلى الواجهة مع كل مشاجرة تحدث بين أبناء العشائر.
وفي 26 من آذار الماضي، وقّعت 18 من العشائر والقبائل على “مضبطة” لحل الخلافات والتجاوزات التي تحصل بمنطقة الجزيرة السورية، لحل المشكلات التي تنجم عن الممارسات التي تضر بمصالح وعلاقات المجتمع، من السرقة والسلب وقطع الطرق، وما قد يلحقها من قتل وثأر وديات بين العشائر.