دراما 2021.. الأرخص

  • 2021/05/02
  • 9:03 ص

مشهد في مسلسل كمشتك (TeeVee/ يوتيوب)

نبيل محمد

“المسا بس تكون إنت ومرتك لحالكون وبحالة حميمية، وبلشت تفكر بالبلد، تذكّر مين كان السبب، ومين وصلنا لهون، وبس تحدد مين كان السبب، تخيلو مكان مرتك”، تلك كانت وصفة طبيب في مسلسل “كمشتك”، لمريضه الذي يعاني من البرود الجنسي، فيعود المريض (محمد حداقي) وما إن يحضن زوجته، حتى يتخيلها متظاهرًا ينادي بالحرية، ثم مسؤولًا يعد بالإصلاح، فيستعيد بعد ذلك فحولته.

المشهد الذي لا يمكن وصفه إلا بالرخص، هو جزء من تشكيلة رخيصة من أعمال درامية سورية، تفيض بها التلفزيونات ومنصات “السوشيال ميديا” اليوم، تلفت النظر إلى المستوى المتدني الذي ليس مستغربًا أن تصل إليه الدراما السورية اليومية، التي لم تنفع فيها مجموعة أعمال سوّق لها منتجوها قبل رمضان بأنها مختلفة، بينما هي بأغلبيتها تتراوح بين الرخيص والأقل رخصًا، من كوميديا إلى تراجيديا وبيئة شاميّة بتَّ تتحسر فيها أحيانًا على “باب الحارة” الذي كان في وقت من الأوقات مضرب المثل لكل شيء سيئ، كان مجرد تشبيه أي مسلسل أو إعلان أو حتى شخصية افتراضية أو واقعية بـ”باب الحارة” هو بمثابة شتيمة.

لم يغب هذا النموذج من الدراما السورية عن المشهد الرمضاني في كل عام، كانت هناك دائمًا أعمال تجارية، تستهلك النكتة ذاتها، وتضم كوكبة معتادة من الممثلين من الدرجة الثانية فما دون، تتقوّل حوارات تتعدد في مستويات إساءاتها، لكنها لا تلفت الأنظار عادة كون النقد الفني كثيرًا ما يستصعب الخوض في مستويات كهذه. لا يمكنك أن تكتب نقدًا بمشهد كذاك الذي لعب بطولته حداقي، والذي يفترض أنه لم يكن ينتمي لهذه السوية. الفارق اليوم هو أن هذا المستوى صار الأكثر حضورًا، وأن معايير تصنيف الممثلين قد اختلطت.

ستجد أمل عرفة في إعلان تجاري رخيص أيضًا، لا يعيب الممثل حضوره في إعلان تجاري، تدافع عن “الشبيس” الذي تسوّقه، وتحاول إثبات أن البطاطا المستخدمة في إنتاج هذا “الشبيس” طبيعية، بالتأكيد أنت بحاجة إلى معركة لتثبت أن المنتج أصيل في ظل رداءة كل ما تتضمنه الأسواق السورية اليوم، فتخوض عرفة معركة مستمدة من أجواء مسلسل “صراع العروش”، الذي من المفترض أنه صار من الكلاسيكيات التي من المتأخر جدًا استحضارها تجاريًا، لكن ضعف المواكبة، وقلة الاطلاع، وربما بطء الإنترنت، أباح للمنتج والممثل استحضار هذا المشهد اليوم، بشكل يثبت لك بلا شك بأن البطاطا غير طبيعية، حتى إن لحظة حضورها وخروجها من جسد عرفة على منصة الإعدام، جاءت بتقنيات “غرافيك” متخلفة، لا تواكب الضخامة الإنتاجية التي يحاول الإعلان إثباتها، فليست هناك كاميرات أو تقنيات قادرة على أن تقول إن هذه البطاطا طبيعية.
سيقول قائل، إن الأوضاع المادية التي يمر بها الممثل السوري في الداخل، تبيح له البحث عن مصادر رزقه في مشاهد كهذه، وليس القصد هنا الإعلان التجاري فحسب، بل لعل هذا الإعلان أفضل من جزء كبير من مشاهد عشرات الأعمال السورية اليوم، وإنما القصد الضياع التام للقيمة الفنية، ورسالة العمل الدرامي التي لم تكن بهذا الانحطاط يومًا، وهو ما لا يعني أنها كنت في سوية فنية راقية، لكنها لم تكن بهذا الرخص بالمطلق.

وجوه تشاهدها للمرة الأولى، إلى جانب نجوم يصعب عليك في بعض الأحيان التعرّف عليهم، فهوياتهم اليوم مرتبكة، أشكال تغيّر بعضها كليًا بمحاولات غير ناجحة في كثير من الأحيان للحفاظ على جلود مشدودة، وملابس قطنية ملونة تشي بسوء إدارة وإنتاج، وسائل رمزية تحاول الخوض في الجنس والدين والسياسة، ثالوث المحرمات التي لا شك بأن الحفاظ عليها كمحرّم ليس أسوأ من خروجها بهذه الهيئة الرثة المكرورة التي تحتفي بشكل أو بآخر بالبلاد وخرابها، وما أفظع أن تجد الرقابة بشكلها السوري المتخلف الدموي، لا تختلف بسوئها عن هذا الشكل من أشكال ادعاء الانعتاق.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي