ديمقراطية الديكتاتور.. لماذا تُجري الديكتاتوريات انتخاباتها؟
تُعرف العديد من البلدان التي تعاني من ضعف سيادة القانون، بانتخابات أو استفتاءات تجريها العائلات أو الأحزاب الحاكمة (أو كلاهما)، تنتهي بنتائج غالبًا تكون مثيرة للجدل وللسخرية في بعض الأحيان.
وصار يطلق على هذا النوع من الانتخابات اسم “انتخابات الختم المطاطي“، كون الناخب فيها لا يملك سوى خيار واحد، إما أن يصوت بـ”نعم”، وإما بـ”لا” فيخضع لعقوبة خارج إطار القانون، كما في كوريا الشمالية على سبيل المثال.
وتجري هذه الانتخابات في كوريا الشمالية كل خمس سنوات، ويشرف عليها المجلس التشريعي الذي تقتصر سلطاته على الشكليات، ويُعرف بـ”الجمعية الشعبية العليا”.
ففي الانتخابات الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية عام 2019، فاز رئيسها، كيم جونغ أون، بنسبة 99.97%، بحسب وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، التي قالت إن الفئة الوحيدة غير المشاركة في الانتخابات إما خارج البلاد وإما ممن يعملون في البحر.
ومع أن الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، هو إحدى أكثر الشخصيات السياسية التي تلقى انتقادات في العالم نظرًا إلى نظام حكمه الشمولي الديكتاتوري، وحتى بين صفوف مؤيدي النظام في سوريا، فللرئيس السابق، حافظ الأسد، نتيجة فوز مشابهة في الانتخابات.
وبحسب الاستفتاء الرئاسي السوري الذي جرى في 2 من كانون الأول عام 1991، وكان الرابع بعد تسلّم حزب “البعث” السلطة في البلاد، فاز حافظ الأسد بالرئاسة بنسبة 99.1% من الأصوات.
الديكتاتور الديمقراطي
في الانتخابات الرئاسية السورية عام 2014، حصد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، 88.7% من أصوات المقترعين، وتوزّعت النسبة الباقية على منافسَيه حسان النوري ومحمد حجار، وعلى الأوراق الملغاة.
وأُعلن رسميًا عن عدد الأصوات التي حصل عليها بشار حافظ الأسد، والتي بلغت عشرة ملايين و319 ألفًا و723 صوتًا، وأن عدد المقترعين بلغ 11 مليونًا و634 ألفًا و412 شخصًا من أصل 15 مليونًا و840 الفًا و575 ناخبًا داخل سوريا وخارجها، أي أن نسبة المشاركة بلغت 73.42%.
وبحسب الأرقام الرسمية التي صدرت عن تلك الانتخابات، فإن سوريا تفوقت على العديد من الدول الديمقراطية في نسب أعداد المصوتين ونسب الفوز وتعداد المرشحين، بغض النظر عن أن النظام السوري أقصى عشرة ملايين سوري من معارضيه خلال الانتخابات.
وقال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عام 2020، في حديث له عن الانتخابات التي ستعقد في العام الحالي، إن “أساس نجاح الممارسة الديمقراطية يكمن في استمرارها، وفي تطوير آلياتها واعتماد أفضل المعايير وأقصى درجات الشفافية لها”.
الانتخابات الحالية شهدت تقدم 51 مرشحًا لمنصب رئيس الجمهورية، قُبل منهم اثنان إلى جانب بشار الأسد، الذي مهّد لذلك في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، في 11 من تشرين الثاني 2019، حين أكد أن “عددًا كبيرًا من المرشحين” سيشاركون في الانتخابات، في حين رفض إجراءها تحت إشراف الأمم المتحدة نهائيًا، وأكد أنها “ستكون بشكل كامل، من الألف إلى الياء، تحت إشراف الدولة السورية”.
ومع شروع النظام بتطبيق انتخاباته، بادرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بإصدار تقرير عن الأسباب التي تجعل من هذه الانتخابات غير شرعية.
وذكر التقرير الذي جاء في 15 صفحة، أن الانتخابات “غير شرعية، وتنسف العملية السياسية، وتجري بقوة الأجهزة الأمنية”، وينتهك فيها النظام السوري قرار مجلس الأمن رقم “2118”، وبيان “جنيف 1″، وقرار مجلس الأمن رقم “2254” لعام 2015، الذي وضع مسارًا تسلسليًا واضحًا لعملية الانتقال السياسي.
هل يصوّت السوريون فعلًا؟
حازم ذو الـ28 عامًا (رفض نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، هو عسكري في صفوف قوات النظام السوري ضمن مرتبات “الفرقة 25” (مهام خاصة)، قال لعنب بلدي، إن انتخابات مجلس الشعب التي جرت في تموز 2020، تلقى على إثرها جنود من قوات النظام هدايا مختلفة، منها 3000 ليرة سورية، أي ما يعادل دولارًا ونصفًا آنذاك، من قبل أحد أعضاء مجلس الشعب من أجل التصويت له.
وأضاف حازم أن أكثر من ثلثي الجنود الذين تلقوا الهدايا هم من غير المشاركين في الانتخابات، إلا أن قيادة الفرق والقطاعات العسكرية تكلّف عددًا من الجنود بالتصويت بأسمائهم وأسماء رفاقهم في الجيش، حتى من دون علم أصحاب هذه الأسماء.
ورغم أن المرشحين يبحثون عن أصوات الناخبين فعلًا، ولو بأساليب ملتوية، فربما يحمل هذا الأمر مؤشرات على أن جمع أصوات الناخبين يعتبر أمرًا مهمًا بالنسبة للمرشحين سواء في انتخابات مجلس الشعب أو في الانتخابات الرئاسية.
وبينما تعتبر حجر التصويت في المدن متاحة للعامة، وتحظى بالخصوصية (وفق المعايير الديمقراطية) أحيانًا، حيث يمكنك الدخول والإدلاء بصوتك مع احترام كامل خصوصيتك في سير العملية الديمقراطية، لكن عند خروجك ستجد أحد عناصر المخابرات ينتظرك على باب الحُجرة بجملة “لمين صوتت ولا حيوان”، بحسب حازم.
وفي لقاء أجرته عنب بلدي مع ناشطة من مدينة سلمية (تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية)، قالت إنها وبحكم عملها السابق كمدرسة في إحدى المدارس الثانوية في المدينة، كانت تُجبر على خوض الانتخابات، ما دفعها إلى إرسال هويتها الشخصية مع احد أقاربها إلى مراكز الاقتراع من أجل تدوين اسمها كناخبة.
وأضافت أن مراكز الاقتراع الديمقراطية والغرف السرية المخصصة للانتخاب في المحافظات هي حقيقية وموجودة، لكن المشكلة أنها تستعمل فقط في حال وجود وسائل الإعلام، بينما يضطر الناخبون للانتخاب أمام اللجنة المسؤولة عن الصناديق، ويمكن لأكثر من شخص رؤية ماذا يفعل المنتخب ببطاقته الانتخابية وعلى الملأ.
ويعمل النظام السوري على بث الإشاعات بين المدنيين مع بداية الاقتراع بشكل دائم، كما حصل في الانتخابات السابقة، عندما انتشرت إشاعات عن أن حواجز النظام ستعتقل كل من لا يوجد على إصبعه بقعة حبر (التي تدل على أن صاحبها مشارك في الانتخابات)، ما دفع العديد من الناس إلى تلوين أصابعهم بالحبر حتى ولو لم يشاركوا، بحسب المصدر.
انتخابات الديكتاتور فرصة لتمجيد الذات
وبالنظر إلى ما يُشاع في الشارع السوري بالتزامن مع كل انتخابات يطلقها النظام السوري، منذ فترة حكم حافظ الأسد، أن العمليات الانتخابية محسومة منذ بدايتها، فلماذا تقوم هذه الديكتاتوريات بالانتخابات.
قال المحلل السياسي الدكتور نصر اليوسف، لعنب بلدي، إن النظام السوري يحاول إظهار تعددية الانتخابات السورية من خلال “مسرحية الـ51 متقدمًا”، لترك صورة ديمقراطية عن حكم الأسد في سوريا بنظر المجتمع المدني.
ورغم أن الانتخابات لم تحظَ باعتراف أوروبي أو أمريكي، يتابع النظام السوري تسيير “مسرحيته” وفق السيناريو الذي أعده، في محاولة منه لإجراء انتخابات وفق المعايير التي تحاول الأمم المتحدة إجراءها في سوريا تحت مراقبة الأمم المتحدة، لكن من دون أي رقابة، بحسب اليوسف.
وتحاول الأنظمة الشمولية إجراء انتخابات على الطريقة الديمقراطية ظاهرًا، لكن زواياها تحمل الكثير من تهم الخيانة والعمالة للرافضين لهؤلاء الديكتاتوريين.
وأضاف الدكتور نصر اليوسف أن الديكتاتورية هي المسمى السياسي للسادية، فالديكتاتوريون يستمتعون بممارسة الإرغام على الشعوب، وبينما لا تعتبر الحاضنة الشعبية أو آراء المجتمع الدولي أحد اهتمامات هذه الأنظمة (مثل نموذج حكم حافظ الأسد)، فيمكننا القول إن الانتخابات تجري لغرض إمتاع الذات بالنسبة لهذه الأنظمة.
وتعتبر سوريا من أسوأ دول العالم من حيث الحرية والديمقراطية، بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، واحتلت المرتبة 173 عالميًا، مقتربة من إيران والصين وكوريا الشمالية.
وتقدر منظمة “فريدم هاوس” أن ما يقرب من ثلثي سكان العالم يعيشون في ظل أنظمة مستبدّة، وأن ملياري شخص يعانون من حكم قمعي.
وبحسب المنظمة، يوجد 106 أنظمة حكم ديكتاتوري أو شبه ديكتاتوري في عالمنا اليوم، أي ما يعادل 54% من الدول على كرتنا الأرضية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :