عنب بلدي – خاص
دخلت روسيا الحرب في سوريا رسميًا، الأربعاء 30 أيلول 2015، لتتحول من داعم عسكري وسياسي لنظام بشار الأسد خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلى لاعب فعلي على الأرض السورية، وسط تبريرات أبرزها “حماية الشعب الروسي” ودعم القوات “الشرعية” لنظام دمشق في سبيل مكافحة “الإرهاب” بينما وجهت المعارضة السورية انتقادات للروس بعد مجازر نفذتها مقاتلاتهم في مدن وبلدات سورية.
ما هي المناطق المستهدفة
من قبل موسكو؟
شنت مقاتلات روسية غارات جوية، الأربعاء، استهدفت من خلالها مدنًا وبلدات في ريف حمص الشمالي، وتسببت بمقتل 37 مدنيًا وجرح عشرات آخرين، وسط دمار كبير في الأبنية السكنية والمرافق العامة، كان أشدها على مدينة تلبيسة.
وتزامن ذلك مع غارات شنتها على مقرات تابعة لتجمع العزة، أحد فصائل الجيش الحر، في مدينة اللطامنة شمال حماة، مخلفة جرحى وأضرارًا اقتصرت على المادية، لتتابع غاراتها في اليوم ذاته على مناطق مأهولة بالسكان في ريف اللاذقية الشمالي.
في اليوم التالي للحملة، وسعت روسيا من غاراتها لتشمل ريف إدلب، وتنفذ مجزرة أخرى في مدينة جسر الشغور، راح ضحيتها 8 مدنيين، ودمرت خلالها مسجد عمر بن الخطاب بشكل كامل.
واستهدفت الغارات خلال اليومين الماضيين مدنًا وبلدات في محافظات حمص وحماة وإدلب واللاذقية وحلب، كان أكبرها في بلدة إحسم في جبل الزاوية، قضى إثرها 11 مدنيًا وعشرات الجرحى.
مصادر بريطانية رسمية أشارت في تقرير نشرته مواقع غربية، السبت 3 تشرين الأول، أن المقاتلات الروسية استهدفت لمرة واحدة مواقع تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، في حين كانت معظم غاراتها على مناطق تتبع
لفصائل المعارضة، بما فيها الجيش الحر.
دعم عسكري وقوات برية
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر لبنانية وصفتها بالـ «مطلعة» أن مئات من القوات الإيرانية البرية وصلت إلى سوريا منذ حوالي عشرة أيام، للمشاركة في عملية برية في الشمال السوري.
وأضافت الوكالة، في تقرير نشرته الخميس 1 تشرين الأول، أن حزب الله اللبناني يستعد للمشاركة في العملية التي ستقوم بها قوات الأسد و»حلفاؤها»، بالتزامن مع غارات يشنها الطيران الروسي، وتابعت «العمليات الجوية الروسية في المستقبل القريب سوف تترافق مع تقدم للجيش السوري وحلفائه برًا في القريب العاجل».
التحضيرات البرية، تزامنت مع قرار وزارة الدفاع الروسية بإشراك سفن الإنزال البحري للرد السريع، والمنتشرة في مياه المتوسط، في عملياتها الجوية في سوريا، معتبرةً ذلك لحماية المنشآت العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية.
ونقلت وكالة انترفاكس الروسية، الخميس، عن مصدر عسكري قوله إن «قوات أسطول البحر الأسود سوف تكون في مقدمة القوات المشاركة في هذه العملية، بما يخدم حماية نقطة الدعم الفني والإسناد في طرطوس والقاعدة الجوية المؤقتة في اللاذقية»، مؤكدًا أن قوات خاصة بمشاة البحرية ستضاف إلى قوات أسطول البحر الأسود، إضافة إلى قوات تابعة لفرقة الإنزال الجوي الجبلية السابعة.
هل يمتص ريف حمص الشمالي الصدمة؟
ترافق القصف على ريف حمص مع إلقاء مناشير من قبل طائرات النظام طلب فيها من مقاتلي المعارضة تسليم أنفسهم والعودة إلى «حضن الوطن» وترك الجبهات لأن «الاجتياح» بات قريبًا ولا رحمة ولاهوادة هذه المرة، بحسب المناشير.
وأعلن النظام القرى والمناطق الموالية القريبة من مصياف، وهي منطقة التماس مع قرى الريف الشمالي لحمص، مناطق عسكرية مغلقة، وطلب من سكانها الخروج، لتشهد حركة نزوح كبيرة لوحظ أثرها في الكورنيش الرئيسي لمدينة حمص يومي الأربعاء والخميس، حيث اضطر الموالون إلى النزوح نحو أقربائهم في المدينة حاملين متاعهم في شاحنات كبيرة.
في المقابل شهدت خطوط التماس توافدًا من كتائب الجيش الحر الموجودة في الريف الشمالي نحو منطقة جوالك وسنيسل، التي تعد ذات أهمية استراتيجية بالغة كونها قريبة من طريق مصياف المؤدي إلى مناطق الساحل السوري والتي بات جليًّا أن النظام وروسيا يحاولان تأمينها وتوسيع دائرتها كما أنها قريبة من الطريق المؤدي إلى حي الوعر المحاصر آخر معاقل الثوار داخل مدينة حمص.
وتأتي التحركات بهدف صد أي هجوم متوقع بعد التمهيد الروسي بالطيران وبعد تهديدات النظام بالاجتياح الكامل، لكن قادة عسكريين في المنطقة أفادوا عنب بلدي أن النظام أعاد حساباته وتريث قبل بدء عملية من شأنها أن تكون غير محسوبة العواقب في حال فشلها”.
وقال أحد المقاتلين في المنطقة (رافضًا الكشف عن اسمه) إن الجيش تراجع عن الاقتحام وطلب رجوع الأهالي إلى بيوتهم، مردفًا «نحن الآن مرابطون رغم مطالب النظام للأهالي بالعودة، وهي ردة فعلٍ على حشود المعارضة في المنطقة إضافة إلى طبيعة الأرض الصخرية».
عبد الله الحموي ناشط إعلامي في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي تحدث لعنب بلدي عن رصده لمواقع قصف الطيران الروسي استهدف مقرات للجيش الحر، وأضاف أن الطيران الروسي يستهدف المنطقة الوسطى بشكل خاص وهو يعمل بتنسيق عالٍ مع طيران الأسد».
«لا أستبعد تغييرًا كبيرًا على الأرض في المرحلة القادمة تكون أغلبها في ريف حمص الشمالي الذي يوجد فيه مناطق شبه محاصرة للمعارضة»، بحسب الحموي الذي أردف «بسيطرة النظام عليها تصبح محافظة حمص تحت سيطرته بشكل كامل».
قادة الكرملين يبررون الغارات
واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق ما نقل الموقع الرسمي للرئاسة (الكرملين)، الاثنين 28 أيلول، أن بلاده تتدخل في سوريا بناء على ميثاق الأمم المتحدة ووفق القانون الدولي، وأضاف «نتصرف بناء على طلب الحكومة السورية لتزويد المساعدة العسكرية والتقنية، التي تقدم وفق عقود قانونية تمامًا».
واعتبر بوتين أن «جيش بشار الأسد يواجه ما يعتبره بعض شركائنا الدوليين معارضة.. وحقيقة جيش الأسد يقاتل ضد مجموعات إرهابية».
وفي تعليقه على برنامج التدريب الأمريكي للمعارضة المسلحة، قال الرئيس الروسي «كان مخططًا لتدريب 5000-6000 مقاتل، و12 ألف لاحقًا؛ ولم يدرب سوى 60 مقاتلًا، 4-5 منهم فقط يحملون السلاح، والآخرون انشقوا عن الأمريكيين وانضموا إلى داعش»، وتابع «تزويد الدعم العسكري لمنظمات غير قانونية يخالف مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة».
ورحب بوتين بما وصفها «منصة عمل مشترك لقتال الإرهاب»، قائلًا «نحن نقدم المساعدة للسلطات الشرعية، ونؤمن أنه بالتصرف عكس ذلك، أي القضاء على الهيئات الشرعية للسلطة، فإننا سنخلق حالة مثل التي نشهدها في دول أخرى في المنطقة والعالم، ليبيا مثلًا، حيث كافة مؤسسات الدولة متفككة تمامًا».
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفض بدوره الشكوك التي أبداها «الغربيون» حيال موسكو، واتهامها بعدم استهداف تنظيم «داعش» في غاراتها الجوية الأولى على الأراضي السورية.
وقال لافروف، في تصريحات أدلى بها بعد لقاء نظيره الأمريكي جون كيري في نيويورك، الخميس، إن «الشائعات التي تفيد أن الضربات لم تستهدف تنظيم داعش عارية عن الصحة»، مشيرًا إلى أنه «لم يتلق أي معلومات عن وقوع ضحايا مدنيين جراء القصف».
من جهته، قال رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، إن العمليات الروسية في سوريا بهدف «حماية شعب روسيا من التهديدات الإرهابية»، مشددًا في حديث مع التلفزيون الروسي، السبت 3 تشرين الأول، على ضرورة درء «التهديدات الإرهابية» في الخارج حتى لا تطال روسيا.
وأعرب ميدفيديف عن اهتمام تبديه موسكو بإنهاء الصراع الدائر في سوريا «إن الأكثر أهمية هو حل النزاع السوري من خلال المفاوضات بين المعارضة والسلطة»، مشددًا على أهمية «جلوس المعارضة والسلطة إلى مائدة المباحثات لإعداد اقتراحات بشأن مستقبل سوريا».
وناقضت تصريحات بوتين وميدفيدف ما نشره الحساب الرسمي لـ «رئاسة الجمهورية العربية السورية» عبر تويتر، بالتزامن مع اليوم الأول للغارات، إذ اعتبر أن إرسال القوات الجوية الروسية جاء بطلب من «الدولة السورية»، عبر رسالة أرسلها الأسد للرئيس الروسي، مضيفًا أن «رسالة الرئيس الأسد للرئيس بوتين تتضمن دعوة لإرسال قوات جوية روسية في إطار مبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب»، معتبرة أن «الطلب السوري جاء بناء على المواثيق والقوانين الدولية والاتفاقيات التي تتمّ بين الدول لتحقيق مصالح شعوبها وسلامة أراضيها».
انتقادات واستنكار لـ «العدوان»
ودعا رئيس الائتلاف الوطني المعارض، خالد خوجة، المجتمع الدولي إلى إدانة «عدوان روسيا غير القانوني» على سوريا، في رسالة بعث بها إلى رئيس مجلس الأمن، رومان أورازون، الجمعة 2 تشرين الأول.
ولفت خوجة في رسالته، إلى أن 60 مدنيًا قضوا في الغارات الروسية على بعض المحافظات السورية خلال اليومين الماضيين، مطالبًا بالعمل الفوري على إيقافها، حيث دمّرت منازل على رؤوس ساكنيها ومشاف ومساجد وهيئات عامة، بحسب موقع الائتلاف على الإنترنت.
وحذر رئيس الائتلاف من «الأثر المدمّر والمميت للعدوان الروسي»، الذي تسبب في زيادة أعداد النازحين واللاجئين بسبب استهدافه مناطق مأهولة، مؤكدًا أن الهجمات الجوية «جزء من محاولات روسية علنية ومحسوبة لتغذية حرب الأسد ضد المدنيين السوريين».
وشدد على أن مشاركة روسيا إلى جانب النظام تجعلها طرفًا مباشرًا ضد الشعب السوري، وتعزز من احتمال تورطها في ارتكاب جرائم حرب، موضحًا أن تدخل موسكو «انتهاك لكل من البند الرابع من اتفاق جنيف، والمتعلق بحماية المدنيين خلال النزاعات، وقرار مجلس الأمن 2139، الذي يطالب بالتفريق بين المدنيين والمقاتلين، والامتناع عن استخدام أسلحة دمار عشوائية، وإيقاف الهجمات ضد المدنيين».
وحذر رئيس الائتلاف من أن «الاحتلال العسكري الروسي» له تبعات كبيرة ليس على الروس فحسب، ولكنه سيغذي التطرف وسيكون أداة تجنيد بيد «داعش»، كما سيزيد من أزمة اللاجئين، وأضاف «إن سوريا والعالم سيكونان أقل أمنًا واستقرارًا جرّاء هذا التدخل السافر».
في السياق ذاته، انتقدت سبع دول غربية وعربية العمليات العسكرية الروسية في سوريا، الجمعة 2 تشرين الأول، ووصفتها بأنها «تصعيد إضافي للصراع ولن تؤدي سوى إلى تغذية التطرف».
ودعت كل من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية وقطر، في بيان مشترك، روسيا إلى وقف ضرباتها الجوية ضد المعارضة السورية، مطالبةً بالتركيز على استهداف التنظيم.
وعبرت الدول في بيانها عن «القلق العميق فيما يخص التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا وخصوصًا الضربات الجوية الروسية في حماة وحمص وإدلب، والتي أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين ولم تستهدف داعش».
ويرى السوريون الرافضون لحكم الأسد أن أرضهم باتت تحت وطأة «احتلال» علني من موسكو وحلفائها في إيران والعراق ولبنان، علاوة على نظام بشار الأسد، والذي أطلق عليه ناشطو الثورة «المندوب الروسي» في دمشق، معتبرين أنه تحول إلى «دمية» بيد حكام الكرملين.
ميدانيًا، ما هو رد فصائل المعارضة؟
«التدخل لم يكن مستبعدًا» بحسب علي الحفاوي، مسؤول المكتب الإعلامي لحركة أحرار الشام الإسلامية في الساحل، والذي أكد وجود تحركات غريبة منذ أكثر من ستة أشهر خاصة في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة جبلة.
وأضاف «معركة روسيا في الساحل السوري ستكون الأعنف لتأمين المناطق المحاذية للدولة العلوية التي يسير مخططها بشكل واضح، ولا أستبعد وجود قوات برية قيد التجهيز للسيطرة على المناطق الحساسة في الساحل السوري».
أبو حسن شكري قائد عسكري في أجناد الشام أكد لعنب بلدي أنهم كانوا يتوقعون التدخل الروسي بشكل كبير وقد أخذت الاحتياطات اللازمة للمواجهة، معقبًا «دخول الروس في الحرب يثبت للعالم أن الأسد انتهى وأن كافة المساعدات الماضية لم تكف لإيقاف تقدم المعارضة».
وتابع شكري «أستبعد نية ضرب الدولة الإسلامية في غارات موسكو، فداعش والأسد وجهان لعملة واحدة مصدرها روسي».
أحد مقاتلي جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، (رفض الإفصاح عن اسمه)، اعتبر أن «مقاتلي النصرة ينتظرون التدخل البري»، موضحًا «نحن من أذاق الجيش الروسي الهزائم في أفغانستان وغيرها وقد استفدنا كثيرًا من التجارب السابقة وسيتم تدريب المقاتلين على الفنون القتالية الخاصة لمواجهة الجيش الروسي»، بحسب تعبيره.
لكن أبا محمد، مسؤول التسليح والتجهيز في كتيبة الأبرار التابعة لتجمع أجناد الشام، كان له رأي آخر «هدف روسيا هو تأمين مناطق النظام وبناء الدولة العلوية وحمايتها مستقبلًا؛ المصلحة الروسية الوحيدة في سوريا هي قواعدها العسكرية في الساحل وأستبعد نيتها التقدم باتجاه الشمال السوري لاحتلال المناطق المحررة لكنها ستكتفي بالسيطرة على ريف حمص وريف حماة والشروع بعدها ببناء الدولة المزعومة»، لكنه أردف «نؤكد أن جيش الفتح سيغير كافة المخططات وسيكسر أسطورة الدب الروسي ولن يتوقف حتى يحرر آخر شبرٍ من سوريا».
أبو اليزيد، عضو تنسيقية تفتناز بريف إدلب، أشار إلى ضرورة «أخذ الاحتياطات اللازمة التي تقي من الطيران الروسي، كمنع تجمع السيارات وتغطية مقرات المعارضة بالأشجار وحفر المغارات ونقل المقرات العسكرية وإبعادها عن المدنيين وتحذيرهم من الاقتراب منها لعدم الدلالة عليها، كما يجب توزيع تعليمات على الأهالي والمقاتلين بهذا الخصوص»، معتبرًا «أن الطائرات الروسية لا تخطئ الهدف عكس ما وجدناه عند طائرات الأسد».
لا يعتقد الأهالي في المناطق المحررة من الشمال السوري أن الطيران الروسي سيحدث فرقًا كبيرًا على ما يعيشونه يوميًا من حمى القصف الجنوني لمقاتلات الأسد، لكنهم يتخوفون فعليًا من دقة هذه الضربات وتجيير نتائجها لمصلحة النظام والتقدم على الأرض.
ماهي معدات الروس في حميميم؟
يستخدم الروس في عمليتهم العسكرية، طائرات متطورة بينها سوخوي 24، 25، إلى جانب سوخوي 34 وهي أحدث الطائرات الروسية المزودة بمنظمومة دفاع جو – جو وخزانات وقود إضافية تمكنها من التحليق إلى مسافات بعيدة.
كما يعتمد المقاتلون على عددٍ من الحوامات الهجومية من طراز «مي – هايند 24» وعددٍ من طائرات الرصد والاستطلاع بدون طيار، وفق شبكة RT التي قدمت تقريرًا مصورًا من داخل مطار حميمم.
وأظهر التقرير إنشاء بنية تحتية خاصة في المطار تشمل مطبخًا يخبز أكثر من 1000 كيلو غرام من الطحين يوميًا، ووحدات سكنية عسكرية ومعدات صنعت في روسيا ونقلت بحرًا أو جوًا.