مَن المستفيد من اشتباكات القامشلي وما مستقبلها؟
عنب بلدي – نور الدين رمضان
تشهد مدينة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا منذ أكثر من عام، توترات بين قوى “الأمن الداخلي” (أسايش) وميليشيا ”الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام السوري، سببها اعتداءات وتبادل لإطلاق النار واعتقالات من الطرفين، تتطور لاشتباكات حينًا وتهدأ حينًا آخر.
أدت الاشتباكات مطلع العام الحالي إلى حصار المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من “أسايش”، وحصار المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” من قبل قوات النظام في مدينة حلب، مدة شهر، قبل أن تتدخل القوات الروسية لحل الخلاف.
تجددت الاشتباكات مرة أخرى، في 20 من نيسان الحالي، ويبدو أنها الأشرس منذ بدء التوترات، حيث سقط عدة قتلى من الطرفين، وآخرون مدنيون بينهم أحد وجهاء عشيرة “بني سبعة”، كما فشلت محاولات التهدئة بوساطة موسكو التي عززت دورها في شرق الفرات منذ نحو عام، ما يشير إلى أن المدينة كبركان خامد لا يُعرف متى يثور أو يهدأ.
وعند الحديث عن الاشتباكات بين الطرفين في المدينة لا بد من نظرة على طبيعة السيطرة فيها:
– تخضع معظم أحياء مدينة القامشلي لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، باستثناء مركز المدينة الذي يحوي المربع الأمني لقوات النظام وميليشيات “الدفاع الوطني” الرديفة.
– يفرض النظام السوري سيطرته على المربع الأمني داخل الحسكة وعلى “فوج كوكب” العسكري، بينما تسيطر “قسد” على بقية أجزاء المحافظة.
– يقع حي طي جنوبي مدينة القامشلي، ويضم مركزًا لقوات “الدفاع الوطني”، وفي طرفه الجنوبي يقع الفوج العسكري (فوج حي طي).
– يسيطر النظام على قسم من حي حلكو والمربع الأمني عند دوار السبع بحرات، والمطار، بينما تسيطر “قسد” على بقية أجزاء المدينة.
التوترات تمتد إلى خارج القامشلي
أثر اشتباكات القامشلي امتد إلى مناطق سيطرة قوات النظام و”قسد” في محافظة الرقة، إذ تحدث ناشطون عن مقتل عناصر من قوات النظام وإصابة آخرين، في 22 من نيسان الحالي، باشتباكات مع عناصر من “قسد” في قرية الخالدية قرب بلدة عين عيسى شمالي الرقة، التي يوجد فيها عناصر من الطرفين بتغطية روسية.
وفي حلب التي كانت مسرحًا لتوترات مطلع العام الحالي بين “أسايش” و”الدفاع الوطني” في القامشلي، انتشر عناصر من فرع “أمن الدولة” في المدينة، في 23 من نيسان الحالي، وعناصر “مكافحة الإرهاب” و”أمن الدولة” في محيط أحياء بستان الباشا والأشرفية والميدان وعلى طريق الكاستيلو وقرب دوار الجندول، حيث أوقفوا السيارات وفتشوها واعتقلوا مدنيين من ركابها، بحسب ما نقله مراسل عنب بلدي في حلب.
وأضاف المراسل أنه جرى اعتقال مدنيين بعد خروجهم من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في مدينة حلب، وكذلك اعتقال مدنيين من أحياء الحيدرية والهلك والشيخ خضر، التي تُعرف بتركز السكان الكرد فيها.
ما مستقبل الخلاف؟
عناصر “أسايش” و”الدفاع الوطني” تعايشوا في المدينة منذ عدة سنوات رغم الخلافات الفردية التي تحصل وتنتهي سريعًا، لكن توسع حجم الاشتباكات وتقدم “أسايش” إلى مناطق سيطرة جديدة على حساب “الدفاع الوطني”، ووجود جهات داعمة للأطراف المتحاربة (الولايات المتحدة الأمريكية تدعم “قسد” وذراعها “أسايش”، وروسيا وإيران تدعم النظام السوري وقوات “الدفاع الوطني” الرديفة له)، يطرح أسئلة حول مستقبل الاشتباكات، خاصة مع زيادة التغلغل الروسي منذ نحو عام، وتأسيس قاعدة في القامشلي وقواعد أخرى في شرق الفرات.
عنصر من “أسايش” موجود داخل حي طي الذي تقدمت فيه القوات، قال لعنب بلدي، إن “أسايش” تريد خروج “الدفاع الوطني” كليًا من حي طي، أو أن الأمور تتجه نحو التصعيد في مناطق أخرى، مثل حي الأربوية الذي توجد فيه مفرزة تابعة لـ”الأمن العسكري” للنظام، أو الهجوم على مقرات “الدفاع” في المستشفى “الوطني” القديم بشارع القوتلي.
وأكد العنصر تدخل “قوات مكافحة الإرهاب” (H.A.T) لدعم “أسايش”، ويشكلون نسبة 90% من القوة التي دخلت حي طي.
عضو “المجلس الوطني الكردي” عبدالله كدو، توقع في محادثة مع عنب بلدي، أن الصدامات في مدينتي الحسكة والقامشلي بين الطرفين لن تكون الأخيرة بسبب تجاذبات قوى متعددة في المنطقة.
واستبعد كدو حدوث تغييرات كبيرة في خريطة سيطرة الطرفين، ومن الممكن فقط إبعاد حواجز معيّنة من مكانها السابق أو استبدال بعض المسؤولين بآخرين عن حي طي في القامشلي.
وأوضح أن هناك شحنًا عاطفيًا قوميًا كرديًا وآخر عربيًا عشائريًا من الطرفين المتقاتلين عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يكتوي سكان المنطقة بنار الجفاف والبطالة و الغلاء وجائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
ويرى عضو “المجلس الوطني الكردي” أن المستفيد الوحيد من هذا الاشتباك هو النظام الذي يسعى لتوسيع الهوة بين مختلف المكونات السورية، ليتظاهر بمظهر الحامي والمنقذ الوحيد، لذلك يبقى بعيدًا عن الاشتباك، ويهمه حاليًا إنجاز عملية الانتخابات الرئاسية، والحل هناك يبقى بيد الأمريكيين والروس داعمي الطرفين.
على الأرض، يخشى المدنيون من تطور الاشتباكات إلى مرحلة لا رجعة فيها، ما يجبرهم على النزوح، إذ قال أحد سكان حي الوسطى القريب من الاشتباكات في مدينة القامشلي، لعنب بلدي، إن منزله يبعد شارعًا واحدًا عن مكان الاشتباكات، وتأتي قذائف من جهة “الدفاع الوطني”، ومن الممكن أن تصيب المنزل، لكن لا رغبة ولا نية بالنزوح لدى سكان الحي.
“الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا، وعلى لسان الرئيسة المشتركة لمجلسها التنفيذي، بريفان خالد، أكدت وجوب وضع حد لمن وصفتهم بـ”مرتزقة الدفاع الوطني”، مشددة على “عدم السماح لهم بضرب الأمن والاستقرار في المنطقة، وخلق الفتنة بين الكرد والعرب”، بحسب تعبيرها.
وأرجعت مسؤولة “الإدارة الذاتية” هدف الهجمات إلى خلق الفتنة والتوتر بين مكونات المنطقة، وخاصة الكرد والعرب.
ماجد علوش
باحث وكاتب سياسي سوري
قلنا مرارًا إن العلاقة بين النظام السوري و”قسد” علاقة معقدة، وليست بسيطة مستقيمة كما يحلو للبعض توصيفها، فهي متناقضة جوهريًا نتيجة البنية الذهنية لكلا الطرفين، التي تتضمن نقاط تشابه كثيرة، الأمر الذي يجعل انسجامهما أمرًا يكاد يكون مستحيلًا.
النظام السوري ينظر إلى “قسد” كأداة قديمة متجددة (باعتبارها من المخلفات السورية لحزب العمال، مضافًا إليها مجموعات محلية طالما تفضَّل عليها النظام بـ”غض النظر عنها” عندما كان قادرًا على البطش بها)، وظيفتها خدمة مشاريع الأسد الداخلية والإقليمية، وأن ما تسيطر عليه من أأرض هو مجرد وديعة عندها، من حقه أن يستردها متى شاء.
إضافة إلى ما راكمته سنوات الصراع بين الجانبين من أحقاد، فـ”قسد” خذلت النظام مرارًا عندما رفضت منحه جزءًا من النفط والثروات التي تتمتع بها الجزيرة السورية، وتعاونت بشكل مفتوح مع أعدائه الأمريكيين يوم نقلت البندقية بسهولة من الكتف الروسية إلى الأمريكية، وأبدت استعدادًا علنيًا لبناء تفاهم مع الأتراك، يضمن بقاءهم خارج الحدود السورية.
في سياق العلاقة السابقة المعقدة والمتناقضة، وفي ظل وجود مجموعات عسكرية غير منضبطة كميليشيا “الدفاع الوطني”، يصبح التوتر الأمني أمرًا طبيعيًا، فإذا أُضيفت إليه الأهداف السياسية، ينتقل من مجرد توتر أمني وصدامات فردية محدودة إلى مواجهات دامية وواسعة، كما يحدث الآن في القامشلي، فالنظام السوري بحاجة إلى دعاية انتخابية ليس لشد عصب الموالين، فهذا لم يعد موجودًا أصلًا، وإنما لإيجاد مادة للثرثرة الإعلامية وإظهار الأسد مدافعًا عن إعادة توحيد الوطن، وربما كان النظام أيضًا بحاجة إلى فرض الانتخابات في مناطق سيطرة “قسد” لإظهار سيطرة الأسد على المناطق، ولإيجاد مسوغ لرفع نسبة المشاركين في الانتخابات الذي سيكسبه شرعية بنظر الأسد، فمشاركة السوريين القاطنين في مناطق سيطرته لا توفر شرعية كونها لا تمثل في عمومها أكثر من ثلث السوريين في أحسن الاحوال.
الأسد هو صاحب المصلحة من توترات القامشلي، وتبقى الحسابات الروسية سيدة الموقف، فالروس تدخلوا على استحياء وفشلوا في الحفاظ على الهدنة التي توصل إليها الطرفان برعايتهم وربما يتدخلون مرة ومرة، ذلك أن مسرح العمليات هامشي بالنسبة لهم، وليس له تأثير على الواقع الميداني، إضافة إلى أنها ربما تكون فرصة لتقليص وجود ميليشيا معادية بالنسبة لهم، أي “الدفاع الوطني” ذات الولاء الإيراني، وربما سعوا إلى إحلال قوات أسدية بدلًا عنها كحل بالتراضي أو السماح لـ”قسد” بالتمدد داخل مدينة القامشلي أكثر، باعتبارها قوة يمكن التعامل معها حتى ولو كان ولاؤها أمريكيًا.
لهذا، فالروس غير مهتمين كثيرًا بالمواجهات، غير أن الملاحظ على إعلام “قسد” في هذه المعارك تركيزه على إيران باعتبارها الطرف الآخر في المعارك وليس قوات النظام، ربما لحرمان الأسد من الدعاية التي يحتاج إليها في هذه الفترة، أو لفرملة أي انحدار نحو مواجهة أهلية تخشاها القوات حتمًا وتعمل جاهدة لتجنبها لأنها تدرك معناها الحقيقي.
معارك القامشلي ليست مهمة إلا من وجهة نظر النظام، ولاعتبارات آنية، لذلك فهي ستنتهي حتمًا دون نتائج تُذكر، سواء سيطرة “قسد” على كامل القامشلي أو طرد الميليشيا الإيرانية وإحلال أخرى بديلة، وهنا فقط يمكن أن يستثمر الإعلام الرسمي السوري، ويخلق انتصارات واهمة وكاذبة معًا تفيده في مسرحيته الهزيلة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :