مخالفات للبائعين على التلفزيون.. “تشبيح إعلامي” أم مسؤولية مجتمعية؟
عنب بلدي – نور الدين رمضان
“عم عم يا عم عطينا تصريح مين باعك الخضرا.. بدهن ياخدوك عالسجن”.
لم يكن هذا حديثًا لقاضٍ خلال جلسة محاكمة، بل لمقدمة برامج في التلفزيون السوري مع بائع خضار في سوق “باب سريجة” وسط دمشق، بعد محادثة عن الأسعار، وعدم والإعلان عنها، والبيع بسعر زائد على تسعيرة وزارة التجارة الداخلية.
ضابط الدورية يطلب هوية البائع ليكتب ضبطًا يحيله فيه إلى القضاء، الذي يحكم عليه بالسجن مدة سنتين بتهمة البيع بسعر زائد.
يرد البائع الخمسيني على المذيعة بقهر وعدم قدرة على فعل شيء أمام الكاميرا وجمع من الناس، حائرًا بين الأسعار الحقيقية وتسعيرات التجارة الداخلية، ليقول: “معليش حط الكلبشة بإيدي شو بدي ساوي”.
يلخص المشهد القصير حال تجار التجزئة في سوق “باب سريجة” بدمشق، الذي خصصت له “الفضائية السورية” حلقة نظم خلالها الضابط المرافق للمذيعة والذي تحدث بكلمات لا تراعي احترام المواطن، أكثر من عشرة ضبوط بينها زيادة في الأسعار وأخرى عدم الإعلان عنها، بحسب ما تحدث به في حلقة البرنامج التي عُرضت في 18 من نيسان الحالي.
البرنامج تسلّح بمرسوم من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 12 من نيسان الحالي، يشدد العقوبات والغرامات على الاحتكار والبيع من دون فاتورة، وعدم إعلان الأسعار والتلاعب بالوزن والمكاييل، كواحد من القرارات التي تسبق الانتخابات الرئاسية لتخفيف الضغط الاقتصادي عن السوريين بمناطق سيطرته، ما يفسر الغلظة الإعلامية والتموينية في تطبيقه.
ماذا يقول التجار
تاجر في سوق “باب سريجة” التي جالت به المذيعة مع ضباط التموين، تحدث لعنب بلدي عبر الهاتف، بشرط عدم كشف هويته، أن تسعيرات وزارة التجارة الداخلية لا تراعي ربح التجار الذين يدفعون مصاريف تشغيلية وفواتير وضرائب وغيرها، بل تريد أن تؤكد أن الأسعار مستقرة والأوضاع تحت السيطرة على حساب التجار، لذلك نجد كل القرارات التي صدرت في الأشهر الأخيرة تستهدف التجار، وكأن تراجع قيمة الليرة مسؤوليتهم.
وأضاف أن تحميل الإعلام السوري التجار مسؤولية الأسعار المرتفعة أمام المواطنين وخلق الشحناء بين التجار والمواطنين غير مقبول، مضيفًا أن ما تطلبه وزارة التجارة ودوائر التموين غير منطقي، فالمسؤولية على الجميع وليس على التجار وحدهم، فليس من مصلحة أي تاجر أن يبيع بأسعار مخالفة للقوانين، خاصة أنه يعلم أنها ستضعه في السجن.
وأضاف، “ما حدا مبسوط بالإهانة اللي تعرضلها التجار عالشاشة الأسبوع الماضي”.
وجهتا نظر إعلامية وقانونية
الباحث في الإعلام بجامعة “بروكسل” يزن بدران، علّق على إحراج التجار في برامج التلفزيون السوري ومحاولة تحميلهم المسؤولية، أنه من الواضح أن هذه التصرفات غير مرتبطة بالصحافة من قريب أو من بعيد كمهنة هدفها مراقبة الواقع ونقله بأمانة.
وأضاف بدران لعنب بلدي أن الهدف واضح: تجييش المشاهد، وتنفيس الضغط عبر معاقبة شرائح غير مهمة، والتأكيد أن الدولة ما زالت تمسك بزمام الأمور، مشيرًا إلى أنه في ظل الأنظمة الشمولية كل الأشخاص المشتركين بهذه المسرحية (ضابط التموين، الصحفي، التاجر الصغير، والمشاهد الذي يجلس في منزله) يعلمون دورهم وحدود هذا الدور المقبول.
من جانبه، يرى المحامي السوري غزوان قرنفل أن الواقعة التي تضمنها المقطع المصوّر تعتبر ممارسة الإعلام لنوع من الابتزاز والضغط والتشهير تحت مزاعم الشفافية، فليس من حق أي وسيلة إعلام التشهير بمرتكب المخالفة، حتى وإن كان قد ارتكبها بالفعل، لأن هذا من عمل القضاء في سياق محاسبته، وليس وسائل الإعلام.
وبموجب قانون “المطبوعات والنشر” السوري في مادته رقم “49” الفقرة الثانية، “يعاقب مرتكبو جرائم الافتراء بواسطة المطبوعات وفقًا لأحكام قانون العقوبات العام”.
الصحفي السوري نضال معلوف علّق في تسجيل مصوّر نشره في “يوتيوب” على حادثة تجار “باب سريجة” مع التلفزيون السوري، أن إصرار السلطات على أن البائعين الصغار وراء تدهور الوضع المعيشي للمواطنين يزيد الأزمة ولا يحلها، خاصة أن طلب الرئيس بحد ذاته تشديد العقوبات المطبقة على الناس.
وأضاف معلوف أنه لا فائدة من ملاحقة هؤلاء وتغريمهم وسجنهم، متسائلًا: كيف نُفهم موظف التموين ومراسل التلفزيون والمسؤولين والرئيس أن هذا الشخص (البائع) ليس سبب البلاء، والمحتكر المجهول هو من يسعر المواد عبر “واتساب”.
معلوف قال لعنب بلدي، إن الحل لأزمة كبيرة في سوريا لا يبدأ بالحلقات الأضعف وترك الأسباب الرئيسة، من فشل الإدارة، ونضوب الموارد، والفساد المستشري، والاقتصاد المافيوي الذي يرتبط برجال أعمال مرتبطين بالسلطة، وانهيار الدولة السورية، وعدم الوصول إلى حل يمكن أن يوقف عملية الانهيار.
وأوضح أن الحل السياسي هو الحل الجذري لوقف الانهيار وعكس الاتجاه.
يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، أن سوريا تواجه، مع 18 دولة أخرى، مخاطر انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتقرير أصدرته المنظمة في 23 من آذار الماضي.
وفي حزيران 2020، حذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، مشيرة إلى أن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون للغذاء الكافي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :