مين أكل الدستور

  • 2021/04/25
  • 12:10 م

إبراهيم العلوش

أطلق مجلس الشعب الأسبوع الماضي حملة لإعادة انتخاب بشار الأسد، متخطيًا القرار الدولي “2254”، ومتخطيًا الدستور الذي كتبه لنفسه في العام 2012، والذي ينص على محاسبة رئيس الجمهورية في حال ارتكابه جرم الخيانة العظمى، وذلك بعد تدميره سوريا وتسليمها للمستعمرين الروس والإيرانيين وبدعوات رسمية منه.

تأتي عملية الانتخاب الصوري لبشار الأسد وسط رفض شعبي ودولي لمشروعية هذه العملية الهزلية التي لا يزال نظام الأسد يكررها منذ أكثر من نصف قرن، بالإضافة إلى رفض الأمم المتحدة على لسان المبعوث الدولي بيدرسون، وعلى لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، اللذين يدعوان إلى احترام القرار الدولي وإجراء انتخابات وفقًا لمفاوضات جنيف وبإشراف الأمم المتحدة.

بعد أربعة أيام من ذلك الإعلان، وفي 22 من نيسان الحالي، وبأغلبية ثلثي الأعضاء، أصدرت المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية قرارًا عقابيًا بحق سوريا بسبب استعمال جيش الأسد الغازات الكيماوية في قصف المدن السورية، وهذه سابقة لم تحدث منذ إحداث هذه المنظمة الأممية.

أما الجانب الإيراني فهو يرحب بالعملية الصوريّة التي تضفي الشرعية على الأعمال الإجرامية التي تقوم بها ميليشياتها وحرسها الثوري، بالإضافة إلى تصرّف إيران باعتبار سوريا مجرد ممر بري لأسلحتها وصواريخها إلى “حزب الله” وإلى أعوانه لخوض حرب بالوكالة ضد إسرائيل، ولاحقًا استكمال حروبها ضد العالم العربي، ونشر البعثات التبشيرية في الأردن والسعودية بعد أن تمت عمليات الانطلاق في العراق ولبنان وسوريا لتعميم أفكار الخامنئي التي تناظر أفكار “داعش” والبغدادي في اعتبار السوريين مجرد أدوات أو فئران تجارب لأفكارهم الديناصورية.

الروس مستاؤون من هذا الإعلان، فهم يتحفظون على الإخراج وعلى الآلية الإعلامية رغم أنهم موافقون على جوهر الموضوع وهو إبقاء نظام الأسد ومخابراته بحجة الحفاظ على تماسك سوريا، وكأنها لا تزال متماسكة بعد تهجير نصف الشعب من مدنه وقراه، وتهجير خمسة ملايين إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى بيع السيادة الوطنية لمختلف أنواع الاحتلالات التي تجرب أسلحتها وميليشياتها ونظرياتها الإمبراطورية المعاد تدويرها (وتسكيجها).

وهذا الموقف الروسي غير مستغرب، فالرئيس بوتين تمكن، في 10 من آذار الماضي، من إعادة تعديل الدستور الروسي بحيث يتيح له البقاء حتى العام 2036 رغم وجوده في الحكم منذ العام 2000 وهو نفس العام الذي ورث فيه بشار الأسد حكم سوريا، ولعل بوتين يرغب ببقاء بشار الأسد معه لمؤانسته في فترة حكمه الطويلة التي تعادل نصف عمر الاتحاد السوفييتي السابق.

المطلوب من السوريين حسب الحملة الانتخابية الإقبال على صناديق الاقتراع لإعادة انتخاب من نشر الجوع في سوريا، ومن رفع أعداد الأيتام والأرامل بين أنصاره وبين السوريين عمومًا، ومن قام بكل الويلات التاريخية ضد الشعب السوري، فهذه البلاد ورثها بشار الأسد من أبيه، وهو يمسك برقبتها عبر احتجاز مئات آلاف السوريين المعتقلين، وعبر الهيمنة على الجيش وقادته الطائفيين، وعبر احتكار الدولة وتحويلها إلى أداة للتعذيب والإفقار بهدف الوصول إلى إعادة الانتخاب وإلى إعادة التوريث في المرحلة التالية.

ولا بد من إضفاء مظهر ديمقراطي على إعادة انتخاب بشار الأسد عبر ترشيح مجلس الشعب والمحكمة الدستورية لخمسة من أنصار الأسد كمنافسين له، رغم أنهم يرفعون آيات التبجيل والتذلل للأسد، وهم شهود مع هذا المجلس ومع المحكمة الدستورية على خرق الأحكام الدستورية من قبل أجهزة النظام ومن قبل الأسد نفسه ومن قبل عائلته، عبر هدم البلاد ونهبها مع الغوغاء الذين أطلقوا شعارات الدمار الشامل ضد السوريين المطالبين بحريتهم وبكرامتهم.

وهذا هو نفس المشهد الذي نفذه النظام في العام 2014 عندما لم يكن يسيطر على ثلثي مساحة سوريا، ولكننا رأينا نفس الشعارات ونفس المظاهر المزيفة التي تنتهك الدستور وتنتهك حتى أبسط مبادئ الذوق والأخلاق، فالمرشحان أمام بشار الأسد، وهما حسان النوري وماهر حجار، كانا يطلقان المديح له ويحمدان الله على وجود مثل هذا القائد التاريخي، رغم كل الهزائم والخسائر التي يلحقها بالبلاد، ولم يتغير شيء بين هذين الترشيحين (2014 و2021) إلا تضاعف عدد المهجّرين والقتلى والجياع.

المجتمع الدولي يريد من العملية الدستورية التي انطلقت في جنيف قبل سنوات أن تصل إلى حل سوري برعاية الأمم المتحدة، لكن الأسد الذي صار اسمه على لوائح الإرهاب مع قادته العسكريين يرفض أي عمل قانوني أو دبلوماسي يتدخل في الشأن السوري، ويعتبر أنه هو الوحيد المخول بإدارة الكارثة السورية، وعلى الدول الأخرى تأمين التمويل له وللروس وللإيرانيين من أجل استكمال الهندسة الطائفية، ودفع فواتير الصواريخ والطائرات الروسية، وتعويض إيران عن خسائرها ورواتب ميليشياتها في سوريا، ضمن إطلاق حملة إعادة الإعمار التي يجب على العالم تمويلها ليقوم النظام مع الروس والإيرانيين بإدارتها.

في ظل نظام الأسد لا قيمة للدستور حتى ولو كتبه بنفسه مثل دستور 2012 أو غيره من دساتير الأسد الأب، ولعل المقطع الكوميدي في مسرحية الماغوط (غربة) هو أفضل تمثيل لدساتير الأسدين، عندما يتساءل غوار عن الدستور فيرد آخر: الدستور في الخرج!

– وين الخرج؟

– أكله الحمار!

فيصيح غوار: كيف انبلع معه هيك دستور؟!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي