عنب بلدي – حسام المحمود
في الوقت الذي تتواصل فيه أزمة لبنان الاقتصادية المتصاعدة منذ انفجار بيروت في آب 2020، يحاول الرئيس اللبناني، ميشال عون، المناورة في الوقت بدل الضائع في ظل غياب حكومة لبنانية تحمل أعباء التدهور الاقتصادي، ويسعى لتقديم مقترح بإنشاء سوق اقتصادية مشتركة بين لبنان وسوريا والأردن والعراق.
هذا الطرح الذي قدمه الرئيس عون خلال زيارة وزير الصحة العراقي، حسن التميمي، إلى بيروت مطلع نيسان الحالي، ليس جديدًا، إذ سبق أن دعا خلال القمة الاقتصادية التي عُقدت في بيروت عام 2019، بحضور عربي رسمي هزيل، إذ غاب عنها 19 رئيسًا عربيًا، إلى تأسيس سوق عربية مشتركة، لكن المبادرة اقتصرت حينها على تأسيس سوق مشتركة للكهرباء التي يفتقر لها لبنان، إلى جانب الحديث عن إطار عربي استراتيجي للقضاء على “الفقر المتعدد الأبعاد” بين عامي 2020 و2030.
واعتبر حينها الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن عملية التنمية على الصعيد العربي تواجه تحديات أمنية تؤثر على مناخ الاستثمار في المنطقة.
فكرة السوق المشتركة.. عربيًا
صدر قرار إنشاء السوق العربية المشتركة، في آب 1964، عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (إحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية)، بعد ثلاثة أشهر من وضع اتفاقية الوحدة الاقتصادية التي أُقرت عام 1957، موضع التنفيذ.
وأُقر مشروع المجلس الاقتصادي العربي في شباط 1957، بعد شهرين فقط من اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة في روما، لكن التصديق عليها وإدخالها حيز التنفذ تأخر حتى نيسان 1964.
وسبقت هذه الخطوة محاولة عربية وحيدة لتحقيق تقارب وتكامل اقتصادي عربي، من خلال تسهيل التبادل التجاري وتنظيم الترانزيت بين الدول العربية، عام 1953، ووقعت عليها مصر ولبنان والأردن عام 1954، ثم السعودية وسوريا والعراق في العام نفسه، وصدّقت عليها الكويت عام 1962.
ورغم وجود عناصر مساعدة تخدم مشروع السوق العربية، ولا تتوفر في السوق الأوروبية، مثل اللغة وغيرها، أسهمت التبعية للاقتصاد الغربي وتأثير السياسة على حركة التجارة وعوامل أخرى كثيرة في تعثر هذه السوق.
ماذا تملك سوريا؟
يعاني النظام من فقدان السيطرة على الاقتصاد السوري، ويتجلى ذلك بوضوح في الأزمات التي يخلقها هذا العجز الاقتصادي في الشارع السوري، إذ تعيش المناطق التي يسيطر عليها النظام ترديًا في الواقع المعيشي أمام أزمات وقود وارتفاع أسعار وتحكم بلقمة المواطن عبر تحديد بيع الخبز بـ”البطاقة الذكية”.
المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، أوضح أن النظام السوري والدول المطروحة أسماؤها لعضوية هذه السوق تعاني نفسها من مشكلات هيكلية في اقتصادها يصعب أمامها إنجاز مشروع سوق مشتركة، معللًا ذلك بالأزمات والصراعات القائمة في المنطقة.
وأكد شعبو، في حديث إلى عنب بلدي، أن أي اتفاقيات من هذا النوع لن تتمكن من إنعاش اقتصادات هذه الدول، كما قلل من الآثار الاقتصادية التي قد تحدثها فكرة الرئيس اللبناني.
وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، أن سوريا ولبنان تواجهان مع 18 دولة أخرى مخاطر انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتقرير أصدرته المنظمة في 23 من آذار الماضي.
وفي حزيران 2020، حذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، مشيرة إلى أن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون للغذاء الكافي، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
ويرى المحلل الاقتصادي أن النظام السوري في ظل تراجع الحالة الاقتصادية وخسائر السنوات العشر، لا يملك ما يتبادله مع الدول الأخرى، باستثناء بعض المواد الغذائية والمنتجات الزراعية، في حال التفاهم أصلًا على فكرة السوق وبدء تطبيقها.
وشكّك الدكتور فراس شعبو في الوقت نفسه بإحراز النظام السوري أي دور ضمن سوق كهذه خارج نطاق الاستيراد وتسهيل توصيل المنتجات عبر تخفيض الرسوم الجمركية وتسهيل حركة الترانزيت.
حاجة لبنانية
يتراجع لبنان اقتصاديًا بوتيرة متسارعة محكومًا بسياسة دون سياسيين، إذ يعيش فراغًا حكوميًا دون التوافق على حكومة جديدة تحقق مكاسب تنموية واقتصادية تداري حجم الخسائر التي لحقت بقطاع المصارف، بعد تهريب الأموال العامة والخاصة من البنوك اللبنانية إلى الخارج.
وحمّلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات اللبنانية مسؤولية الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، وفقًا لتقرير صادر عن المنظمة في 14 من كانون الثاني الماضي.
انعكست هذه المتغيرات بشكل مباشر على معيشة المواطن اللبناني، خاصة بعد خسارة الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها، وتصاعد أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار، ونقص المحروقات الذي عزاه وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، يمون غجر، إلى “المتربحين من تهريب البنزين إلى سوريا”، وفقًا لما نقلته وكالة “رويترز” في 16 من نيسان الحالي.
وفي 31 من آذار الماضي، وخلال اجتماع اللجنة الوزارية لترشيد الدعم، حذّر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من احتمالية رفع الدعم عن أسعار السلع الأساسية، مع اقتراب احتياطي العملة من النفاد، بحسب ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وجاء هذا التحذير بالتوازي مع تحذير آخر أطلقه وزير المالية، غازي وزني، الذي قال في مقابلة أجراها مع “رويترز”، في 2 من نيسان الحالي، إن أموال لبنان لتمويل الواردات الأساسية ستنتهي بنهاية أيار المقبل، وإن التأخير في إطلاق خطة لخفض الدعم يكلف لبنان 500 مليون دولار أمريكي شهريًا.
حلول إسعافية
سعى لبنان إلى اللجوء لإسعافات أولية اقتصادية مع استفحال الأزمة الاقتصادية في البلاد، لكن دون جدوى.
وفي 1 من نيسان الحالي، أعلن الموقع الرسمي للمديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية، موافقة العراق على مقايضة الخدمات الطبية اللبنانية بالنفط الخام العراقي، في ظل استمرار عمليات تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا، التي تجاوزت ما بين 1 و21 من نيسان الحالي سبع عمليات، بحسب بيانات الجيش اللبناني.
وجاء هذا الاتفاق بعد ثلاثة أشهر فقط من نفاد هبة القمح العراقية التي وفرت الطحين للمخابز اللبنانية في الفترة الممتدة بين 23 من تشرين الثاني 2020 و10 من كانون الثاني الماضي.
وألمح رئيس نقابة صناعة الخبز، طوني سيف، وفقًا لما نقله راديو “صوت لبنان”، في 16 من نيسان الحالي، إلى احتمال تخفيض وزن ربطة الخبز أو رفع سعرها، تماشيًا مع شراء المواد الأولية بأسعار مرتفعة.
وفي 13 من كانون الثاني الماضي، حصل لبنان على 246 مليون دولار من البنك الدولي، ضمن ما وصفه البنك حينها بـ”مشروع دعم طارئ جديد”، بعد مفاوضات استمرت نحو شهر ين بين الجانبين.
وفي 2 من كانون الأول 2020، نظمت باريس مؤتمر “دعم الشعب اللبناني” بغرض تقييم المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي إلى لبنان، في حدث هو الثاني من نوعه، بعد المؤتمر الطارئ الذي انعقد في 9 من آب 2020، بعد خمسة أيام من انفجار مرفأ “بيروت”.
واستطاع المؤتمر الطارئ جمع مبلغ 250 مليون يورو كمساعدات للمتضررين في لبنان، وتعهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حينها، بتقديم 300 مليون دولار أمريكي عبر الأمم المتحدة كمساعدات لتخطي عواقب الانفجار.
وتربط الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي للبنان بتشكيل الحكومة المنتظرة منذ تكليف الحريري بتشكيلها في 23 من تشرين الأول 2020، بما ينسجم مع مبادرة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي قدّمها في زيارته الثانية إلى لبنان بعد انفجار المرفأ في 31 من آب 2020.
السوق الصغيرة لا تخدم الاقتصاد
الباحث اللبناني في الاقتصاد السياسي والاجتماعي الدكتور طالب سعد، قال إن التوجه إلى سوق صغيرة مشتركة لا يخدم الاقتصاد، لأن حاجات الاقتصاد تتطلب الانفتاح الدولي، وهذا ما يفسر وجود علاقات اقتصادية بين بلدين متباعدين جغرافيًا، وغياب علاقات من هذا النوع أحيانًا بين دول متجاورة.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضح الباحث أن تضييق هذه الاتفاقيات وحصرها بنطاق ضيّق لا يخدمها ولا يسهم في إنجاحها، ولا يرى أي ارتباط بين موضوع السوق المشتركة وغياب تشكيل الحكومة اللبنانية.
وأشار الدكتور طالب سعد إلى موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية كأولوية ذات قيمة أكبر للبنان، خاصة مع وجود ثروة نفطية في البحر المتوسط، ما يشكل نزاعًا على الحدود البحرية مع سوريا شمالًا، ومع الأراضي التي تحتلها إسرائيل جنوبًا.
ومنذ مطلع نيسان الحالي، برز الخلاف على الحدود البحرية بين لبنان وسوريا إلى الواجهة، إثر منح وزارة النفط في حكومة النظام السوري ترخيصًا لشركة “كابيتال” الروسية للتنقيب عن النفط ضمن “البلوك السوري رقم 1” في المياه الإقليمية السورية بالبحر المتوسط، والتي تتعارض مع الخرائط اللبنانية وتتقاطع مع “البلوك رقم 1 و2” اللبنانيين، بما يبلغ مجموعه نحو ألف كيلومتر مربع.
المحامي اللبناني طارق شندب أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، حينها أنه لا يمكن الوصول إلى سوق مشتركة والحدود اللبنانية- السورية سائبة ومفتوحة أمام عمليات التهريب.
ولفت شندب إلى أن تعاونًا اقتصاديًا من هذا النوع يحتاج إلى توحد جمركي، وتنظيم لفتح الحدود بما يمنع الازدواج الضريبي، مشيرًا في الوقت نفسه إلى عدم خضوع الدولة اللبنانية للقانون الدولي عبر دعمها الواضح للنظام السوري واتفاق الرؤى السياسية بينهما.