لمنافع أمنية واقتصادية.. ميليشيات مدعومة إيرانيًا تنشر الفوضى في ريف الرقة
الرقة – حسام العمر
“اليد العليا للميليشيات الشيعية”، هكذا وصف محمد حال مدينته معدان، الخاضعة لسيطرة النظام السوري في ريف الرقة الجنوبي الشرقي.
محمد الحمدان (40 عامًا)، كان يعمل مدرّسًا للغة العربية قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011، قال لعنب بلدي، إن “الممارسات الطائفية والإجرام” هو ما دفعه لترك مدينته معدان والتوجه إلى الرقة منذ عام 2018.
قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والشيعية سيطرت على مدينة معدان وبلدات وقرى أخرى بريف الرقة الجنوبي، أواخر عام 2017، بعد انتزاعها من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
المعارك وصفها نازحون من ريف الرقة الجنوبي الشرقي، الذي سيطر عليه النظام بالكامل حتى مدينة الرقة، بـ”السريعة”، ولكنها بذات الوقت حملت “كثيرًا من الرعب والخوف والضحايا”، على حد قولهم.
أشار محمد إلى ضراوة القصف واتباع سياسة الأرض المحروقة في تقدم قوات النظام والميليشيات المساندة لها، على الرغم من انسحاب “سريع” لعناصر تنظيم “الدولة” من تلك المناطق نحو مناطق سيطرته حينها، في الرقة أو دير الزور والبادية.
هربًا من الموت إلى الموت
معارك السيطرة على ريف الرقة الجنوبي الشرقي دفعت النازحين إلى عبور نهر “الفرات” طلبًا للأمن على الطرف المقابل الذي يسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ما سبب حالات غرق في أثناء النزوح، الذي فضلوه على البقاء تحت رحمة قوات النظام.
ويربط ريف الرقة المنقسم بين مناطق خاضعة لسيطرة النظام وأخرى تحكمها “قسد”، معبر “العكيرشي” جنوب شرق الرقة بـ20 كيلومترًا، كما توجد بعض نقاط التهريب على ضفاف نهر “الفرات” الذي يقسم مناطق السيطرة بريف المحافظة الشرقي.
وشهد ريف الرقة الجنوبي عدة “مجازر” ارتكبت بحق رعاة الأغنام والسكان المحليين، قُتل فيها العشرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ووُجهت أصابع الاتهام في تنفيذها إلى الميليشيات الإيرانية وقوات النظام.
بينما اضطر حسن الخضر (30 عامًا) مع ثلاثة من إخوته لترك بلدتهم السبخة، والتوجه نحو الرقة منذ أن سيطر النظام على المنطقة خوفًا على حياتهم.
حسن قال إن المستهدَف الرئيس بأي انتهاك هم الشباب، وتكاد مناطق ريف الرقة الخاضعة لسيطرة النظام تخلو من الشباب، على حد قوله.
و”غالبًا” ما يسجل النظام السوري تلك الجرائم والانتهاكات ضد تنظيم “الدولة”، على عكس آراء السكان الذي يوجهونها ضد الميليشيات الإيرانية والشيعية.
وفي 17 من نيسان الحالي، وجد أهالي قرية الخميسية بريف الرقي الجنوبي الشرقي جثثًا تعود لرعاة أغنام، قُتلوا وسُلبت ماشيتهم، في حادث ذكر موقع “عين الفرات” لنقل الأخبار المحلية، أنه متكرر على يد الميليشيات الإيرانية بغرض سرقة المواشي.
كما تعاني اليوم مناطق ريف الرقة الجنوبي من سطوة الميليشيات وفرضها “الإتاوات”، ليس فقط على السكان المحليين، وإنما على الداخلين والخارجين من المنطقة نحو المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في محافظة الرقة.
و”الإتاوات” تتراوح قيمتها بين ألف و50 ألف ليرة سورية (16.5 دولار) للسيارات الصغيرة وسيارات نقل الركاب، بينما يمكن أن تزيد قيمة هذه المبالغ في حال حملت السيارات بضائع أو خضراوات.
محمد الحمدان وصف وضع السكان في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات بريف الرقة بـ”المزري”، مؤكدًا انهيارًا كاملًا في البنى التحتية وعدم توفر الخدمات، إضافة إلى تكرار الاعتقالات والانتهاكات والجرائم التي تطال السكان.
وبالنسبة لزيارات المسؤولين من النظام السوري إلى المنطقة، فيراها محمد “لذر الرماد في العيون”، في حين أن المسيطر الحقيقي والأقوى هو الميليشيات الإيرانية.
مطالب بضم المنطقة إلى “قسد”
أحد شيوخ عشائر ريف الرقة الجنوبي الخاضع لسيطرة “قسد”، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن العشائر العربية في ريف الرقة الخاضع لسيطرة النظام طالبت بـ”تحرير” المنطقة وضمها إلى مناطق “الإدارة الذاتية”، وإنهاء سلطة النظام السوري والميليشيات الإيرانية هناك.
شيخ العشيرة أكد أن العشائر العربية ولأكثر من مرة أرسلت رسائل عبر “وسطاء” لـ”قسد” والتحالف الدولي تضمنت شرحًا وتبيانًا للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في أرياف الرقة، التي تتعرض لانتهاكات عديدة.
ولم يأتِ أي رد من “التحالف الدولي” حول هذا الأمر حتى الآن، لكن وبحسب كلام الشيخ، فإن “التحالف الدولي” وكذلك “قسد” معنيان بإنقاذ المدنيين من التجاوزات والانتهاكات التي تحصل بحقهم كل يوم.
إنهاء الميليشيات بأي طريقة
عدد من أهالي مدينة معدان الذين هجروا المدينة بعد سيطرة النظام السوري عليها تواصلت معهم عنب بلدي، وأكدوا أن أقرباءهم من الذين لا يزالون في معدان والمناطق الأخرى يأملون أن تنتهي سلطة النظام هناك بأي طريقة كانت بسبب الممارسات الطائفية التي يتعرضون لها.
وكانت العشائر العربية وجهت سابقًا نداء لـ”قسد” بضرورة ضم مناطق ريف المحافظة الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، وجاء ذلك في لقاء لوجيه عشيرة “العلّي” رمضان الرحال مع وكالة “هاوار”، في 4 من أيلول عام 2020، قال فيه إنه تلقى مناشدات من أهالي ريف الرقة الجنوبي الشرقي بضرورة إبعاد النظام عن المناطق وتسليمها لـ”قسد”، و”التحالف الدولي”، بعد أن “ذاقوا الأمرَّين” من تصرفات الميليشيات الإيرانية.
وأرجع الرحال أسباب هذه الدعوة إلى كثرة الانتهاكات الحاصلة بحق المدنيين، والتي تقف وراءها الميليشيات الإيرانية التي تعد الحاكم المطلق في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام في أرياف الرقة ودير الزور.
كما طالب شيخ عشيرة “السبخة”، محمد تركي السوعان، في لقاء مع وكالة “نورث برس”، في 23 من شباط عام 2020، “قسد” بالتدخل لإيجاد حل أمني توافقي مع قوات النظام السوري، لحماية أبناء المنطقة من تكرار حوادث “القتل الممنهج بحق الأبرياء” في بادية السبخة جنوب شرق مدينة الرقة.
وشكّك السوعان بعدم معرفة النظام السوري بالجهة التي تقف خلف المجازر التي صارت تتكرر بطريقة ممنهجة، على حد وصفه.
وتشهد قرى ومدن ريف الرقة التي تسيطر عليها قوات النظام السوري جرائم وانتهاكات إضافة إلى حملات اعتقالات متواصلة بحجة البحث عن منتمين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وخصوصًا بعد تحركات التنظيم خلال الأشهر الماضية، واستهدافه قوات النظام والميليشيات الداعمة له، أو البحث عن مطلوبين للخدمة الإلزامية لدى قوات النظام.
وتسيطر قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية على عدة مناطق في أرياف الرقة، مثل بلدة الرصافة جنوب مدينة المنصورة غرب الرقة (30 كيلومترًا)، ومدن معدان والسبخة والقرى التابعة لها في الريف الجنوبي الشرقي، بينما توجد تلك القوات بتفاهمات مع “قسد” في ريف بلدة عين عيسى ومحيط الطريق الدولي “M4”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :