أثار مسلسل “المنصة” (إماراتي الإنتاج بوجود كوادر العربية)، الذي عُرض في عام 2020 عبر منصة “NETFLIX” الأمريكية، جدلًا واسعًا بين النقاد والصحفيين المختصين بالشؤون الفنية، لما تضمنه من محاباة للإمارات، وهجوم مبطّن على الثورات العربية، وهجوم آخر واضح على تركيا وأدوارها في المنطقة دون وجود توازن حقيقي في هذا الهجوم.
وفي بداية نيسان الحالي، عُرض الجزء الثاني من العمل، دون أن يحمل تغييرات حقيقية في رسائله، بينما شهد مشاركة ممثلين جدد وتغييرًا للمخرج الألماني رودريغو كوشنر، وحل بدلًا منه المخرج المصري محمد سامي.
بدأ الموسم الثاني من “المنصة” حيث انتهى الجزء الأول، مع وصول “كرم” (مكسيم خليل) إلى إحدى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم إرهابي احتجز أخاه “آدم” (سامر إسماعيل) لابتزازه ودفعه للقدوم وتخليص شقيقه برفقة “سارة” (لين غرّة).
حمل الجزء الثاني منذ الحلقة الأولى إجابات عن الأسئلة التي تُركت معلّقة مع نهاية الجزء الأول، لكنها أدت في المقابل إلى لبس لدى المشاهد حول دور “آدم” منذ البداية وتورطه مع جماعة إرهابية، ودوره في ابتزاز أخيه، بينما أكّد دور “سارة” في الإيقاع بـ”كرم”.
استدعى هذا الأمر نقل الصراع إلى مكان الاحتجاز، ومنح مساحة أكبر للجماعة وتوضيح طريقة عملها وتفكيرها، كما أكد الفكرة الأولى التي عابت العمل منذ جزئه الأول، وهي غياب التوازن، وتبني وجهة نظر الإمارات السياسية، وتأكيد رسائلها وتصويرها كدولة قوية ومتطورة ومزدهرة تقود الجانب المشرق في المنطقة العربية، ورأس حربة “الخير” في مواجهة الشرّ والتطرف والإرهاب والجهل.
كما غاب التوازن عن العمل في جزئه الثاني، وأكّد صنّاع العمل ذلك مجددًا، وغاصوا في صناعة البروباغندا المنتشرة في بلدان عدة بالعالم العربي حاليًا (مصر وسوريا مثالًا)، بطريقة حتى هوليوود نفسها كانت أقل حدة باتباعها في أفلامها التي تروّج لقوة وتفوق الجيش الأمريكي، ووكالة المخابرات الأمريكية.
لم يظهر شخص إماراتي واحد في جانب الشرّ، سوى في نهاية العمل، مع ظهور أحد صنّاع المحتوى الإماراتيين الذي انتقد فقط المنصة على اعتبار أنها تحوي معلومات يمكن الحصول عليها من “جوجل” ببساطة.
تغيّر مقرّ المنصة، صار أكبر وأوسع وأكثر تطورًا لكنه خالٍ تمامًا، سوى من الشخصيتين الرئيستين اللتين كانتا في الجزء الأول، “أمل” و”سيف” فقط، مع انتقال الصراع إلى خارج المنصة ذاتها إثر تعرّض “كرم” لتهديد مباشر لحياته، واحتجاز “زيكو” (خالد القيش وصديق كرم المقرّب الذي يفديه بحياته إن لزم الأمر)، ليظهر البطل الإماراتي مجددًا، مغامرًا بحياته وعارضًا الأموال لإنقاذ “كرم” و”زيكو” من براثن الإرهاب وعصابة مسلحة أخرى تعيش على الخطف والابتزاز.
ماذا لو لم يُخطف “زيكو”؟ ولم تكن هناك عصابة مسلحة تستفيد من الفلتان الأمني؟ هل كان الأمر سيؤثر على حبكة العمل؟
مع سير أحداث العمل المكوّن من ثماني حلقات، تظهر مجددًا قوى الأمن السورية، التي تعرف كل شيء وقادرة على إنقاذ “كرم” أيضًا في اللحظة الأخيرة، ليس مهمًا صيتها السيئ ولا آلاف المعتقلين طالما أن الغرض من العمل “محاربة الإرهاب وكشف الحقيقة”.
“المنصة” في جزئه الثاني كان أكثر وضوحًا في الهجوم على “الإخوان المسلمون” ومنح مساحة لهم عبر “عز الدين” (سيد رجب) و”رمضان” (باسم ياخور)، في حين بدا الأول شديد الشبه بقادة الجماعة، بينما لعب “رمضان” دورًا أكثر حدة داخل مقرّ احتجاز “كرم”.
الهجوم على الجماعة ليس جديدًا بطبيعة الحال، فهناك مئات الناشطين السوريين والمصريين وغيرهم يهاجمونها يوميًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يتبنوا وجهة نظر الإمارات ولا الأنظمة العربية التي حاربت “الربيع العربي”، لكن هذا الهجوم يحمل على الأقل نوعًا من التوازن في بعض الأحيان.
تغيير المخرج أدى إلى تغير جذري في طبيعة أداء الممثلين، فمن ظهر بشكل جيد في الجزء الأول، ظهر مختلفًا في الثاني، وفي الوقت الذي شاهدنا مكسيم خليل ولين غرّة وسلوم حداد ممسكين بأدواتهم، ظهروا وكأن الصراخ والتوتر طوال الوقت تقريبًا هو الحل الوحيد للتعبير عن الشخصيات وما تعانيه، والأمر هنا عائد إلى المخرج محمد سامي الذي سبق وقال، في حديث إلى قناة “الشرق” الإماراتية في 9 من نيسان الحالي، إنه غيّر في شكل المسلسل “لتقديم عرض سينمائي، وإضفاء هوية عربية عليه”، معتبرًا أن الجزء الأول عانى من التمزق في أربطة الدراما.
لكن هذا التمزق الذي عانى منه الجزء الأول، لم يغب عن الثاني أيضًا.