درعا – حليم محمد
قربم السوري ضفاف بحيرة “مزيريب”، جلس السائحون من مختلف مناطق محافظة درعا مستمتعين بالشهر الأخير الذي يرتفع فيه منسوب مياهها العذبة، كعادتها المستمرة منذ أربع سنوات حتى الآن.
يتوقع سكان المنطقة جفاف البحيرة مطلع شهر أيار المقبل، مع بداية سقاية المحاصيل الصيفية من الآبار العشوائية المنتشرة دون ضبط في الحقول المحيطة، ما يسبب فقدان جمالها ومنافعها الاقتصادية عليهم، بعد تحولها إلى مستنقع مهجور كل صيف وخريف.
الاستنزاف هو الواقع
بعد اندلاع الثورة السورية، عام 2011، خرجت معظم المناطق في درعا عن سيطرة حكومة النظام السوري، التي كانت تمنع حفر الآبار دون ترخيص مسبق من وزارة الري.
أثرت الآبار العشوائية على المسطحات المائية، والينابيع الجوفية، وأدت إلى انحسار تدريجي لمنسوب المياه في البحيرة، حتى جفت بشكل كامل في صيف عام 2017، وتحولت إلى بحيرة موسمية تجف صيفًا وتعود شتاء، ولكن بغزارة منخفضة عن سابق عهدها.
عبد الكريم، موظف سابق في مديرية الري، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن الحفر العشوائي غير المنظم للآبار، وخاصة الآبار التي استهدفت العروق الرئيسة للينابيع، أثرت على منسوب المياه تدريجيًا، حتى وصلت إلى الجفاف الكلي.
وأضاف عبد الكريم أن بحيرة “مزيريب” كانت تروي قسمًا من محافظة السويداء، بالإضافة إلى مدينة درعا ودرعا البلد واليادودة، ورغم عودة الجريان لها شتاء فإن منسوب المياه انخفض، “أتوقع عدم قدرة محطات الضخ على استئناف عملها، بسبب التأثير على خطوط التغذية”.
سابقًا كان حفر الآبار يحتاج إلى ترخيص حكومي لتحديد مدى تأثيره على مخزون المياه الجوفية، أما حاليًا فالحفر يكون بحثًا عن عروق المياه دون مراعاة الضرر الذي سيلحق بالينابيع، حسبما أوضح الموظف السابق بمديرية الري.
الحل الممكن برأي عبد الكريم هو ردم الآبار العشوائية، وخاصة القريبة من البحيرة والينابيع، مشيرًا إلى أن جفاف البحيرة دفع مديرية الموارد المائية للبحث عن بدائل لتأمين مياه الشرب لمنطقة درعا ومحيطها من مياه ينابيع الأشعري، ومن آبار خربة غزالة، شرقي درعا.
لا خيارات بديلة
حين قرر علي حفر بئر في أرضه الزراعية، عام 2014، اعتمد على خبرات رجل “خبير” أمسك غصني زيتون وسار على الأرض حتى حدد نقطة المياه الجوفية، وهي الطريقة الوحيدة المتبعة حاليًا في درعا، “ونجح البئر بعمق مئة متر، وبغزارة 2 أنش”، كما قال المزارع لعنب بلدي.
تراجع مشاريع الضخ الحكومية، هو ما أجبر علي وغيره على البحث عن طرق بديلة لتأمين مياه لري محاصيلهم الزراعية، “ما دفعني لحفر البئر هو عدم وصول مياه الري الفائضة من بحيرة مزيريب، وحفر البئر كان حلًا إسعافيًا لري محاصيلي”.
لا توفر الآبار حلًا رخيصًا للمزارعين، فتكلفة تشغيل مولدات الضخ “مرتفعة”، خاصة بعد غلاء الوقود، إذ وصل سعر الليتر من المازوت إلى 2400 ليرة سورية (0.8 دولار).
قدر المهندس منير العودة، مدير الموارد المائية بمحافظة درعا، في حديث إلى وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في تموز من عام 2020، أعداد الآبار المخالفة المحفورة على الينابيع المغذية لبحيرة “مزيريب” بأكثر من مئة بئر، في حين بلغ عدد الآبار المخالفة التي أثرت على الينابيع في درعا أربعة آلاف بئر، تسببت بجفاف 13 نبعًا، وأثرت على غزارة بعضها.
قطع الماء.. قطع الرزق
على طريق البحيرة تكثر محال بيع الأسماك، التي اعتادت قبل أعوام اصطياد السمك من ماء البحيرة مباشرة، لكنها تحولت الآن إلى جلب منتجاتها من محافظات الساحل وحماة.
وكان سكان درعا يرغبون بشراء أسماك البحيرة، لعذوبة مصدر المياه، ومن أهم أنواعها سمك “المشط” و”الكرب” و”السلور”.
وتعتبر بحيرة “مزيريب” من أكبر المسطحات المائية السطحية في محافظة درعا، ويبلغ طولها كيلومترين، وعرضها 500 متر، وتبعد عن مركز محافظة درعا 11 كيلومترًا باتجاه الغرب.
زهير (30 عامًا) كان يهوى صيد الأسماك، قال لعنب بلدي، إن السكان اصطادوا أمهات الأسماك عندما جفت البحيرة في المرة الأولى، لذا لم تعد قادرة على إنتاج السمك.
وأضاف زهير أن مياه البحيرة كانت مستثمرة من قبل مزارعي أسماك بعقود مع وزارة الزراعة.
موسم السياحة تضرر أيضًا مع جفاف البحيرة الموسمي، إذ لم يعد يتعدى زمنه بضعة أسابيع من فصل الربيع، تنتشر خلالها أشجار الكينا على ضفافها، والقوارب الخشبية فوق سطحها.
وكان أهل بلدة مزيريب يستثمرون قدوم السياح في تقديم الخدمات وبيع المنتجات المختلفة، وبالنسبة للبعض كان موسم السياحة هو مصدر الرزق الوحيد، “كنت أحقق دخلًا يعول أسرتي، فقط من بيع المرطبات للسائحين”، قال هيثم البالغ من العمر 35 عامًا لعنب بلدي.
يستمر هيثم بعمله خلال أسابيع السياحة الحالية، لكنه لا يعتمد عليه بقية العام، مضطرًا للبحث عن فرص عمل أخرى.
وليست البحيرة المكان الوحيد للاستجمام في درعا، إنما توجد عشرات المواقع السياحية، ولكن أغلبها تأثر بموجة الجفاف الصيفي، كشلالات “تل شهاب” غربي درعا، وبحيرة “زيزون”، وبحيرة “العجمي” التي جفت بشكل كامل.