“إننا كرجال نحتاج إلى ملهمات في الحياة، لأن الحياة نفسها تتطلب منا إبداعًا في عيشها”، هكذا يبدو اسم الرواية “الملهمات” منطقيًا من حيث المبدأ، بعد توضيح الأستاذ إدريس لهذه الفكرة، وما تنطوي عليه من ترسيخ لقيمة المرأة المثال التي لا تقبل صورتها الكسر.
تبني الروائية المغربية فاتحة مرشيد روايتها على ثلاثة خطوط متوازية زمنيًا، ومتقاطعة في علاقاتها ببعضها، وأول أبطال الرواية من حيث الظهور، عمر، وهو زوج ناجح في الحياة وفاشل في كبح مشاعره التي ألقت به على سرير أبيض، صامتًا تصارع أنفاسه لتثبت فكرة أنه حي، حي وصامت لا يفيق، بعد تعرضه لحادث سير أودى بحياة حبيبته، وتركه جسدًا برسم الحياة أو الموت.
والبطولة الثانية لأمينة، الزوجة العطوف التي تصارع مشاعرها وتنتصر لحب الزوجة المخلصة على كبرياء المرأة المخدوعة.
ويشارك في بطولة هذه الرواية وصناعة كثير من أحداثها الأستاذ إدريس، الذي يلقب بالكاتب الناجح، والحق أن الكاتبة فاتحة مرشيد منحت لهذه الشخصية المتعَبة في روايتها، امتياز مشاركتها في حمل الرواية وسردها، وإيصال الرسالة بمنطق الحياة.
وعند الحديث عن السيدات الملهمات، لا يوجد من يستطيع الشرح والتفسير مثل رجل ضحية هذا الإلهام وبطله في نفس الوقت.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه أمينة بزيارة زوجها المريض المحبوس في غيبوبة بين الحياة والموت، يتحضر الكاتب إدريس لكتابة رواية تستحق أن تكون روايته الأخيرة، إذ قرر أن يكتب رواية يودع معها عالم الأدب والبطولات المصنوعة من حبر وورق وخيال.
وحتى يكتب عصارة أعماله الأدبية، يستعيد إدريس أمام القارئ قصصه العاطفية التي جمعته بملهماته، ويستنهض خيال القارئ، فلا يبقيه على الحياد.
ويؤمن الأستاذ إدريس بدور المرأة في صناعة الأدب لا كصانعة مباشرة فحسب، بل كخالقة ومطورة لأفكار القائم بالنشاط الإبداعي، ومذكية لنار المخيلة الفنية السامية التي تعاف السطحي في سبيل ما هو جوهري.
علاقات أُقيمت على عجل، وعلى شرف الطيش والتهور، وأخرى أوكلت بها الحياة لتخفيف السأم، والكثير من الملهمات في حياة إدريس الذي يقول “من المبدعين من اقتصر على ملهمة واحدة طوال حياته (…) ومنهم من احتاج إلى ملهمات عديدات، وأنا مثال حيّ على ذلك”.
وتسمح الروائية فاتحة مرشيد لشخوص روايتها بالتعبير عن أنفسهم، فأمينة تلوم وتعاتب زوجها، وتروي الحكاية من موقعها كزوجة مخلصة مخدوعة في الآن نفسه، وإدريس يروي ويسرد قصصه بمنطق الشاب الذي لا يبارح الكتّاب، إنه مزيج من حكمة وتهوّر.
وتنسج الكاتبة الخيوط الروائية وتشدّها لتكوّن عملًا متماسكًا يتعدى التسلية والترفيه، إلى التثقيف والتعليم، سواء باللغة أم بالأفكار، وتقديم معلومة لم تكن على بال أو خاطر.
وصدرت الرواية في طبعتها الأولى عام 2011، ضمن 208 صفحات، وهي واحدة من أبرز نتاجات فاتحة مرشيد، التي تنوعت بين الرواية والشعر والقصة القصيرة.
وحصلت مرشيد على جائزة “المغرب” للشعر عام 2011، وهي عضو في اتحاد كتّاب المغرب.