تعا تفرج
السوري لا “يطنكر” لـ”كورونا”
خطيب بدلة
كنت، أنا محسوبكم، في زيارة لإحدى المدن التركية الصغيرة، وخلال الزيارة دعيت لحضور مناسبة خطوبة، وهي رجالية طبعًا، لأن أهل مناطقنا بعيدون عن الاختلاط.
لدى السوريين، في بعض المناطق الشمالية، مصطلح غريب لا أدري من أين جاء، يدل على التحدي واللامبالاة، هو: “ما يطنكِر” (ويلفظون الكاف كالجيم المصرية)، فيقال: “فلان ما بيطنكِر للكورونا”، أي أنه لا يضعها على باله.
المهم بقى سيدي، على حد تعبير الممثل الراحل “أبو فهمي”، ذهبت إلى المكان العام الذي يجتمع فيه المدعوون، وسرعان ما اكتشفت أنهم “لا يطنكرون للكورونا”، وشاهدت منهم العجب العجاب، فمع أن العدد المسموح به، في مثل هذه التجمعات، لا يتجاوز عشرة رجال، وجدتُ أن عدد الحاضرين لا يقل عن 20، وهذا كان في البداية، إذ إن بعض المدعوين وصلوا متأخرين، (لا يطنكرون لدقة المواعيد أيضًا). وهنا صرت أشهد، بأم عيني، الحفاوة الرائعة التي يُستقبل بها القادم الجديد، إذ يؤخذ بالأحضان، ويصبح المجق، والتبويس، والمخاشمة، والحبحبة عَ الخدين، لأبي موزة، ودون كمامات بالطبع!
يمكنني القول، بالقياس على مصطلح “إسلاموفوبيا”، إنني مصاب بـ”الكورونافوبيا”، فمنذ ظهور هذا الوباء السافل في مطلع سنة 2020، وأنا دائم الخوف من العدوى. زجرتُ نفسي لأنني قبلت الدعوة في البداية، وتذكرتُ أنني في البدايات أغلقت على نفسي الباب، وصرت أعتذر عن عدم استقبال أصدقائي وأقاربي في منزلي، ولا ألبي دعواتهم إياي إلى المطاعم والمقاهي، وزعل كثيرون مني، واتهموني بأنني مجبّن، وهذا صحيح، فأنا، بطبعي، أبالي (أطنكر) للمشكلات الصحية التي تجعل الإنسان يموت، أو كما كان صديقي أبو النور يقول: يتوكل على الله ويفرطها، ويذهب، على حد تعبير نجيب الريحاني، في خبر كان.
صرت، يا سيدي، في وسط المعمعة، فركزت الكمامة الألمانية القوية (KINGFA) على وجهي، وآثرت الانزواء عند آخر الطاولة، بالقرب من بعض الأطفال الذين يرافقون آباءهم لحضور هذه المناسبة السعيدة. مضى أكثر من نصف ساعة على هذه الوضعية، والحاضرون ليسوا منتبهين لوجودي، إذ كانوا يصغون إلى رجل يلقي موعظة عن ضرورة التعامل مع الأطفال بقسوة، من أجل بناء جيل قادر على سحق بيت الأسد! دواليك حتى لمحني أحد معارفي فهتف: الأستاذ خطيب هون؟! ليش قاعد على طرف؟ تعال لمحلي.
كان قليل من المجادلة بيننا كافيًا لحسم الأمر، وسرعان ما وجدت نفسي في صدر المجلس. ولعل أغرب شيء لفت انتباهي في هذه الجلسة الحميمة وجود بضع دستات مختومة من الكمامات الطبية الملونة على الطاولة، مستلقية بأمان بجوار صحون الضيافة، (عرفتُ، فيما بعد، أنها وُضعت تحسبًا لقدوم دورية من الشرطة، فالشباب يطنكرون للشرطة ويتحسبون من المخالفة التي تتجاوز 3000 ليرة على الرأس). لم يكترث أحد بالكمامات المختومة، واتجهت أنظار الجميع إلى كمامتي، وسألني أحدهم: خير إن شاء الله أستاذ خطيب؟ شايفك حاطط كمامة؟ يعني مكورن؟ فابتسمت وقلت له:
– لا والله يا خاي، لحد هلق ماني مكورن، ما بظن أني راح أطلع من هنا صاغ سليم!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :