عنب بلدي – زينب مصري
بعد مرور خمسة أشهر على انعقاد “مؤتمر اللاجئين” في دمشق برعاية روسية، لا يكف النظام السوري عن البحث عن تعاون مع أنظمة عربية تدعمه في محاولة لإعادة اللاجئين إلى سوريا، وسط أزمة اقتصادية تعامل معها بقبضة أمنية وقرارات منها ما حمل مخالفات دستورية.
لقاءات مستمرة
في 13 من نيسان الحالي، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية لقاء وزير الخارجية اللبناني، شربل وهبة، بالسفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم، الذي ناقش عدة ملفات، من أبرزها ملف اللاجئين السوريين في لبنان.
السفير صرّح للوكالة أن “ملف النازحين السوريين يشكل عبئًا وأكثر من طاقة لبنان”، مشيرًا إلى أن سوريا قدمت كل التسهيلات لعودتهم، والأمر يقتضي تنسيقًا بين الحكومتين اللبنانية والسورية.
ولم يكن هذا اللقاء الأول بين الجانبين اللبناني والسوري الذي يناقش ملف اللاجئين خلال الفترة الماضية، إذ بحث وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني، رمزي مشرفية، خلال زيارة له إلى دمشق، في آذار الماضي، مع وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام، حسين مخلوف، تعزيز التعاون لعودة “جميع” اللاجئين السوريين إلى سوريا.
وقال مشرفية حينها، إن الزيارات مستمرة حتى تأمين عودة اللاجئين السوريين، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها لبنان.
من جهته، تحدث الوزير السوري حسين مخلوف عن عودة “منظمة” للاجئين خلال الفترة الماضية، رغم الظروف الصعبة التي فرضها فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، إضافة إلى العقوبات المفروضة على النظام السوري التي أثرت “سلبًا” في معالجة قضيتهم.
لكن الوفيات على الحدود اللبنانية- السورية لم تنتهِ خلال محاولات عبور سوريين من لبنان إلى سوريا عبر طرق التهريب، وبحسب ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، في 26 من آذار الماضي، توفي أربعة سوريين (طفلان وسيدتان) في جرود منطقة عيناتا- عيون أرغش، في أثناء محاولتهم العبور إلى سوريا.
وقالت صحيفة “النهار” اللبنانية، إن ظاهرة عبور السوريين بطرق التهريب من لبنان إلى سوريا تنامت بسبب اختبارات الكشف عن فيروس “كورونا” التي فرضها الأمن العام اللبناني على السوريين المغادرين من لبنان وعلى نفقتهم الخاصة، والقرار الرسمي السوري الذي يفرض على كل سوري يريد دخول بلاده، تصريف 100 دولار على الحدود السورية لرفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي.
وكان وزير الخارجية والمغتربين السوري، فيصل المقداد، بحث، في 1 من نيسان الحالي، مع وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية، إيفان فائق جابرو، سبل عودة السوريين من العراق.
من جانبها، أبدت الوزيرة العراقية استعداد بلادها للتعاون مع حكومة النظام في سبيل تسهيل العودة الطوعية للعراقيين الموجودين في سوريا والسوريين الموجودين في العراق، وتبسيط جميع الإجراءات المتعلقة بهذه المسألة.
وإلى جانب اللقاءات التي تجمع مسؤولين في حكومة النظام مع مسؤولين من دول الجوار يبحثون خلالها سبل عودة اللاجئين، يصدر النظام قرارات من شأنها “تخفيف الأعباء المادية عن السوريين في الداخل والخارج”، بحسب ما يروّج له.
وبعد عشرة أشهر من قرار رئاسة مجلس الوزراء السوري فرض تصريف 100 دولار أمريكي، أو ما يعادلها بإحدى العملات الأجنبية على المغتربين عند دخولهم إلى سوريا، أعفى المجلس فئات منهم من التصريف، شملت المواطنين المهجرين خارج سوريا، الذين سيعودون إلى بلادهم، والموفدين بمهام رسمية، والمواطنين الذين لم يكملوا الـ18 من عمرهم.
وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 11 من نيسان الحالي، المرسوم التشريعي رقم “7” لعام 2021، القاضي بإعفاء المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ومن في حكمهم من جميع الغرامات المترتبة عليهم بسبب تأخرهم عن المدة المحددة قانونًا في تسجيل واقعات أحوالهم المدنية، أو في الحصول على البطاقة الشخصية أو الأسرية.
ويأتي ذلك، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في إطار التخفيف من الأعباء المادية عن المواطنين السوريين، وتيسير أمور ومعاملات السوريين في الخارج، وتسهيل عودتهم إلى الوطن.
ورفع النظام سعر صرف الدولار خلال عملية تصريف 100 دولار على المنافذ الحدودية السورية، كشرط لدخول سوريا، إلى 2500 ليرة سورية.
وكان الأسد أصدر، في 8 من تشرين الثاني 2020، مرسومًا يقضي بتعديل بعض مواد قانون خدمة العلم، ببنود تشير إلى إمكانية الحصول على مزيد من القطع الأجنبي من دفع البدل لا يشمل السوريين المقيمين في الداخل السوري، لكنه منح جميع السوريين في الخارج ممن أقاموا أكثر من سنة الاستفادة من ذلك تشجيعًا لهم على العودة.
لماذا يُصر النظام على عودة اللاجئين؟
كان النظام السوري أوضح ما يريده من عودة اللاجئين بشكل جيد في مؤتمر “اللاجئين”، وهو يعرض على الدول التي تؤوي لاجئين سوريين وتؤرقها مشكلاتهم تخليصها من تلك المشكلات وإعادتهم إلى سوريا مقابل شرطين، بحسب الباحث والمحاضر في الاقتصاد خالد تركاوي.
الشرط الأول هو إقامة هذه البلدان تعاونًا مع النظام، أي تعويمه من الناحية السياسية، أما الشرط الثاني فهو حصوله على تبرعات وأموال من تلك الدول، لإقامة بنى تحتية مدمرة، وإعادة الإعمار ورفع العقوبات، بحسب ما قاله تركاوي لعنب بلدي.
ولذلك اقترحت إيران على لسان كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر خاجي، إنشاء صندوق لإعادة الإعمار في سوريا، ودعت المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات والتعاون في عملية إعادة الإعمار من خلال المساعدة في عودة اللاجئين.
عُقد مؤتمر “اللاجئين” في دمشق بدعوة ورعاية روسية على مدار يومين في تشرين الثاني 2020، وغابت عنه دول مستقبلة للاجئين باستثناء لبنان والعراق، إلى جانب غياب الدول الفاعلة بالملف السوري.
وعن جدوى اجتماعات مسؤولي النظام بمسؤولي دول تؤوي لاجئين، يرى تركاوي أن ذلك يحدث ضغطًا على اللاجئين من أجل إعادتهم، وسط غياب الموافقة الدولية على الإعادة.
وأضاف تركاوي أن الضغط يحدث على السوريين في القطاعات الأمنية والسياسية والمعيشية وحتى الاجتماعية، وخاصة الموجودين منهم في لبنان، والذين يعيشون “أصعب” وضع للاجئين في العالم، بحسب رأيه.
فمعظم اللاجئين السوريين يعانون من مشكلات “مركبة ومعقدة”، ويفتقدون إلى الأوراق الرسمية ولا يستطيعون العمل، والأزمة الاقتصادية في لبنان تنعكس أيضًا عليهم.
وبالتزامن مع محاولات النظام السوري استقطاب اللاجئين للعودة إلى سوريا، يعاني 1.3 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وفقًا لبيانات برنامج الأغذية العالمي.
وبحسب البرنامج، “لا يعلم حوالي 60% من السكان متى سيحصلون على وجبتهم التالية”، وذلك في إشارة إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 222% خلال عام.
وتعاني مناطق سيطرة النظام من أزمات كهرباء ووقود ومواصلات وطحين مستمرة، وانخفاض قيمة الليرة السورية الذي يتبعه ارتفاع في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى تداعيات جائحة فيروس “كورونا” الاقتصادية.