نزار قباني بين نصوص النثر

  • 2021/04/18
  • 11:49 ص

لم يكتب الشاعر السوري نزار قباني قصائده الغزلية فقط، بل نقل أفكاره في قضايا إنسانية وأدبية من خلال النثر، منتقدًا بذلك الساحة السياسية على زمانه، عن طريق مقالات نُشرت في مجلة “الأسبوع العربي” خلال الأعوام من 1973 إلى 1975، وجُمعت في طبعتها الأولى عام 1975 تحت عنوان “الكتابة عمل انقلابي”.

الشرط الأساسي في كل كتابة جديدة من وجهة نظر قباني هو “الشرط الانقلابي”، وهو شرط لا يمكن التساهل فيه لدى أي كاتب، أو المساومة عليه، لأن من دون هذا الشرط تكون الكتابة تأليفًا لما سبق تأليفه، وشرحًا لما انتهى شرحه، ومعرفة بما سبق معرفته.

ويوضح قباني في كتابه (64 صفحة) مفهوم “الكتابة الحقيقية”، وهي نقيض النسخ والنقل و”فن التورط”، فالتي “ليس لها نسخة ثانية سابقة لها أو لاحقة بها. يعني أنها زمان وحيد هارب من كل الأزمنة، ووقت خصوصي منفصل كليًا عن الوقت العام”.

الإنسان تحكمه حرية اختياره، وبالتالي فإن الحياة تنتظر منه أن يبدع ويجدد ويخرج من سلسلة المألوف التي تحكمها العادات والقوانين.

بحسب قباني، يُمارس الناس “عادات كتابية” لها أنماط متقاربة ومتشابهة، وهذه الممارسة ليست لها ذاكرة تميزها، ولكن عملية الإبداع التي تأخذ أشكالًا أدبية متعددة، أبرزها النقد الفكري والسياسي، هي التي لا يستطيع الإنسان نسيانها.

خاف قباني من دخول عالم الصحافة، على الرغم من العروض الكثيرة التي تلقاها حين أقام في لبنان، لأنه كان مقتنعًا بأن “الشعر يجب أن يبقى ماء جاريًا، لا ماء معبأ في زجاجات، وأن الشاعر إذا ارتبط بعجلات المطبعة افترسته المطبعة، وطحنت أصابعه بأسنانها”.

كان قباني يدرك بوضوح أن الصحافة يحكمها الانضباط والدقة، الأمر الذي يتنافى مع مزاجية الشاعر، إلا أنه كتب تلك المقالات الأسبوعية في زاوية الرأي الخاصة بالمجلة بعد اقتناعه بأن شعر الشاعر لا يعبّر إلا عن 10% من فكره، أما الباقي فلا يُقال إلا نثرًا.

وحين يمتهن الإنسان الكتابة، يجب أن يظل في أعماقه “بدويًا يتعامل مع الشمس، والملح، والعطش، يجب أن يبقى حافي القدمين حتى يتحسس حرارة الأرض، ونتوءاتها ووجع حجارتها، يجب أن يبقى عاريًا كحصان متوحش، ورافضًا كل السروج التي تحاول الأنظمة وضعها على ظهره”.

وفي حال فقد الكاتب تلك الصفات في أثناء مهنته، “تحول إلى أتوبوس حكومي مضطرًا إلى الوقوف على جميع المحطات، والخضوع لصفارة قاطع التذاكر”، ودائمًا ما تغص “كراجات” الأنظمة بتلك “الأتوبوسات” التي تتغير عناوينها بتغير الحال.

مقالات متعلقة

كتب

المزيد من كتب