نبيل محمد
أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما تستمع إلى مقابلة أنس أبو قوس (ابن المطرب صباح فخري)، أنه لا بد أن أحد أهم أسباب نجاح صباح فخري، وشهرته العربية الواسعة، هي أنه لم يتَّسم في شبابه بهذه الصفات التي يتّسم بها ابنه، ويبدو أن حفلاته التي سجّل بعضها في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية كأطول مدة وقوف متواصل على المسرح، جعلت الوقت ضيقًا للغاية، ليهمل الفنان الكبير تربية ابنه، وتأتي الأيام فنرى ما نراه اليوم.
قد لا يكون من الجيد رصد التناقضات في اللقاء الذي أجرته الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات، مع أنس صباح فخري في برنامج “شو القصة؟” على فضائية “لنا”، التلفزيون الذي نشأ حديثًا من أموال أحد أثرى رجال الأعمال السوريين المقربين من النظام السوري، لأن تلك التناقضات أكثر من أن تُحصى، ستجده مرة يقول إنه مجرد ناقد فني ومستمع أكاديمي للموسيقى لكنه غير مغنٍّ، وأخرى أن الموشحات تخرج من قفاه، والقدود تكاد تغنيه بدلًا من أن يغنيها لشدة ارتقاء موهبته بالغناء.
هو من صنع محمد خيري الذي خانه ففقد المكانة التي كان قد وضعه فيها بعد تلك الخيانة، وسمير جركس ليس أكثر من أعور بين العميان و”كندرجي”، وصفوح شغالة “بوطة”، وصوت شادي جميل نشاذ، كلهم على هامش صفحة الغناء الحلبي، التي يقف في أعلى هرمها أنس، المعلّم الكبير، الأكاديمي الذي يتحدّث سبع لغات، عملاق الفن بشهادة صباح فخري الفنان، لا صباح فخري الأب.
كلهم أقزام قابلون أن يكونوا تحت حذاء الفنان الشاب، بدءًا من كبار الأصوات في حلب، وليس انتهاء بالأسرة، أولاد صباح فخري الآخرين، الذين “لا خير بهم” لوالدهم، والذين رد أحدهم في اتصال مع مقدمة البرنامج بعد اللقاء، ليقول إن أخاه يمنعهم من رؤية والدهم، ويتهم الفنان الابن بأنه يضع والده اليوم في أماكن يجب ألا يكون فيها، كحفلات في ملاهٍ ليلية وسوى ذلك مما شهدناه من صباح فخري في السنين الأخيرة، ومجمل أشكال الاستثمار الذي يقوم به أنس لوالده، حتى آخر “أن تجودي فصليني” قادر أن يصدح بها الفنان وهو في أرذل العمر، الصفة التي يرفضها الابن قطعيًا، ويرى أنه حتى اليوم يتَّبع فقط رغبات والده، ويريد أن يحقق له السعادة حتى آخر يوم في حياته.
محاولات الابن المتكررة لنفي أن تكون شهرته الفنية، “إن كانت هناك شهرة حقيقية أصلًا”، غير نابعة من كونه ابن صباح فخري، وأنه حاول ووالده منذ البداية ألا يرتبط اسماهما ببعضهما، وأن يكون فنانًا بناء على موهبته الشخصية لا على كونه ابن عملاق الطرب الحلبي. كل تلك المحاولات التي يكررها الابن بين جملة وأخرى، لن تخلع عنه صفة الظل، وأنه لو لم يكن ابن صباح فخري لما كان أكثر من فرد مستمع هاوٍ يحضر إحدى حفلات محمد خيري أو سمير جركس أو شادي جميل فيصفّق حتى تهترئ أصابعه من شدة الإعجاب، مع أن تلك الأسماء قد لا تكون سوى مقلِّدة لصباح فخري.
يضطرب الفنان الابن كلما ذكر اسم أحد الفنانين، فهذا اللقب لا يصلح لسواه، ليستشهد بأمثال شعبية نسي كلماتها الدقيقة، ثم يلجأ بعد أن يفقد قدرته على استحضار المثل المناسب، إلى الشتائم التي تم إخفاؤها عدة مرات، لكثرة حضورها على لسان من يتنطّع بموهبته في أداء الموشحات والقدود والفن الراقي.
كثيرون هم الفنانون والكتاب وعمالقة الاختصاصات المتعددة، الذين ساقتهم الأقدار ليكون لهم زوجة أو زوج، ابن أو ابنة، أدركوا مبكرًا غيابهم خلف ظل شهرة ذويهم، واضمحلالهم أمام قاماتهم، فأمعنوا بالإساءات لهم عندما وجدوا أنفسهم في مواقف قوامها مسؤوليتهم عن ذويهم النجوم، ليستغلوا تقدمهم في العمر وأمراض الشيخوخة التي حلّت بهم، وتآمرت مع المرض الأكبر المتمثل بعُقَد أبنائهم لتضربهم بمقتل مبكّر قبل نصب الشاهدات على القبور.