خطيب بدلة
طُرح موضوع حجاب المرأة، في الآونة الأخيرة، على بساط البحث، ولأكثر من مرة. بوفاة الدكتورة نوال السعداوي، هاش مناضلو “فيسبوك” هوشة الرجل الواحد، واتفقت أغلبيتهم على الامتناع عن الترحم عليها، بعدما ضمنوا لها مقعدًا دائمًا في جهنم، ليس لأنها عاشت طوال عمرها بلا حجاب وحسب، بل لأنها كانت تحض النساء على خلعه، وتحرضهن على التحرر من سلطة الذكر.
وما إن انتهت هوشة السعداوي، وذهب الناس إلى أشغالهم، حتى جاءت السيدة العلمانية بسمة القضماني إلى المناطق “المحررة”، وبمبادرة كريمة، وذكية، ومحترمة منها، وضعت الحجاب على رأسها، فارتفعت أسهمها لدى الجميع، وبضمنهم أولئك الذين يمضون الليل وآناء النهار في السباب على العَلمانية والعلمنجيين، هؤلاء تعاطفوا مع القضماني لأنها رضخت لمشيئتهم، وارتدت الحجاب عن يد وهي صاغرة.
ما مضى على هاتين الواقعتين سوى أيام قليلة حتى فجرت السيدة نور حداد قنبلة من العيار الثقيل، إذ قامت بالفعل الشاذ، النادر الحدوث، ألا وهو خلع الحجاب، والظهور على وسائط التواصل الاجتماعي بصورة تظهر شعرها الأشقر الجميل أمام الذي يسوى والذي لا يسواش، وبهذا يكون اللغط في قضية الحجاب قد وصل إلى الذروة.
لا يوجد لدى محسوبكم، كاتب هذه الأسطر، أي اعتراض على كون المرأة المسلمة محجبة، سواء بالإيشارب، أو بغطاء الرأس الكامل مع بقاء الوجه ظاهرًا، أو حتى بالخمار (الأسودِ) الذي لا يُظهر من الوجه سوى بؤبؤي عينيها، وتأتي فوقهما النظارتان الطبيتان أو الشمسيتان، فلا يبقى سوى كمامة “كورونا” حتى يتحول وجه المستورة إلى شكل يشبه مرتفعات هيمالايا.
ليس عندي اعتراض، ولا أريد أن أسجل موقفًا يُزعج بنات بلدنا الطيبات المحترمات اللواتي يضعن الحجاب، ولكنني، في الواقع أتضايق من أولئك الذين يتمتعون بذكاء استثنائي، ويعتبروننا مهابيل نشبه سيارات الخدمة “السرافيس” (كلمة تأخذنا وكلمة تجي بنا)، فيقولون لنا، بالقلم العريض:
– إنتوا، يا معشر العلمانجيين الكفار، ليش عم تتدخلوا في شؤون المرأة المسلمة؟ يا أخي إذا بدها تتحجب أو تطلع بالقرعة هيّ حرة!
– يا سيدي، المرأة المسلمة ليست حرة في ارتداء الحجاب، على الإطلاق، وأنا، من خلال كون حضرتي مسلمًا سنيًا، منذ الولادة، وأعيش في وسط مسلم سني متجانس، أؤكد لكم أن النق، والزَنّ على أذن الفتاة من أجل ارتداء الحجاب يبدأ عندما تبلغ الأسابيع الأخيرة من سن الطفولة وتقف على أعتاب البلوغ، فحينئذ لا يبقى أخ، أو أب، أو عم، أو خال، أو خالة، أو عمة، أو جارة، أو معلمة ديانة، إلا ويدلي بدلوه، ونصيحته، أو تهديده المبطن (إذا كان أبًا أو أخًا)، وأفراد هذا الفريق العشوائي لا يهنأ لهم عيش، ولا يبرد لهم كيد، حتى ترتدي البنت الحجاب، وأظن أن أكثر ما يسعدهم أن يكون بين البنات واحدة تُوَفّر عليهم العناء، وتتحجب من تلقاء نفسها، ووقتها يجعلونها مثلًا يحتذى، وكلما دق الكوز بالجرة يقولون: ليكها فلانة، الله وكيلك تحجبت من دون ما حدا يحكي معها أو يضغط عليها. يا أخي هي حرة!