أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمالي وشرقي سوريا، الثلاثاء 13 من نيسان، نيتها إغلاق جميع الدوائر والمؤسسات التابعة لها في شمالي وشرقي البلاد، بمناسبة عيد “الأربعاء الأحمر” اليوم.
وقالت “الإدارة” في بيان نشرته عبر صفحتها في “فيس بوك”، “يُصادف 14 من نيسان هذا العام عيد الأربعاء الأحمر، أو عيد رأس السنة للكرد الإيزيديين، الذي يحمل معاني تاريخية ودينية عميقة، حيث يعبر عن الأصالة والهوية التاريخية للإخوة الإيزيديين، وله معانٍ سامية في انبعاث الحياة وتجددها في الربيع”، وفق البيان.
واستثنت “الإدارة” الدوائر التي تتطلب طبيعة عملها الاستمرار بالعمل، ودعت الإيزيديين المحتفلين إلى الالتزام بمعايير الوقاية الصحية من فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) والإجراءات المطبقة في مناطق “الإدارة الذاتية”.
أعياد يحتفل بها الإيزيديون
يبلغ عدد الأعياد التي يحتفل بها الكرد الإيزيديون ثمانية، ومنها عيد “الأربعاء الأحمر”، و”أربعينيتا الصيف والشتاء”، وعيد “الميلاد”، وعيد “الجماعة”، و”الأضحى”، و”خضر الياس”، ولكل عيد تاريخه وطقوسه وأسبابه التي تتسق مع معتقدات هذه الطائفة.
“الأربعاء الأحمر”
“الأربعاء الأحمر” أو “جارشمبا سور” كما يسمى بالكردية، يتزامن مع فصل الربيع، في وقت تنمو فيه الزهور والورود بكل الألوان والأشكال، وخاصة شقائق النعمان المعروفة بلونها الأحمر القانئ.
ويقول الإيزيديون، إن “الأربعاء الأحمر” هو “يوم بعث الخليقة”، بدءًا من تكوين الأرض وما يحيا فيها من كائنات، إذ يعتبر العيد أحد الأعياد المباركة والفاضلة في الديانة الإيزيدية.
“الأربعاء الأحمر” سمي بهذا الاسم لأنه في مثل هذا اليوم ضُخ الدم “الأحمر” في جسم أول إنسان (آدم)، وفيما بعد “شرب آدم من ذلك الكأس للحياة، فارتجف في مكانه، واكتمل لحمه، وجرى الدم في جسده”.
وتجري في يوم الأربعاء طقوس خاصة، إذ ينهض الإيزيديون باكرًا، ويرتدون أفضل ما لديهم من ثياب، ويضحّون بأضحية كل حسب وضعه الاقتصادي، ويُزيّنون مداخل بيوتهم بالورود وشقائق النعمان.
ويأتي ربط شقائق النعمان بالعيد، كونها ازدهرت في صباح يوم الأربعاء الذي بُعثت الخليقة فيه، لذلك يتزينون بها، ويطلق عليها اسم “زهرة نيسان”.
قبل يوم من “الأربعاء الأحمر”، أي يوم الثلاثاء، يزور الناس قبور موتاهم، وتأخذ النسوة معهن بعض البيض والحلوى والفواكه، ويتم توزيعها فيما بينهم وعلى الفقراء.
وتوجد تقاليد أخرى تتم في العيد، وهي الامتناع عن نبش التربة والحراثة، لأن المزروعات والزهور والورود ومعظم النباتات تتفتح في شهر نيسان، وكذلك لا يسمح للإيزيديين بالتزاوج في نيسان، لأن ذلك سيجلب لأصحاب البيت الويلات.
يتوزع الإيزيديون في سوريا بمدينة الحسكة وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين، ويعانون، بحسب ما قاله مدير مؤسسة “ايزدينا” ومدير مجلة “زهرة الزيتون”، علي عيسو، في وقت سابق لعنب بلدي، “من مصادرة حقوقهم المدنية والاجتماعية، ومن السياسات العنصرية المطبقة بحقهم من قبل الأنظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا، إذ اعتمدت هذه الأنظمة سياسة عدم الاعتراف الدستوري بوجود الإيزيديين على أرضهم التاريخية”.
إضافة إلى حرمانهم من قانون للأحوال الشخصية أسوة ببقية الأديان في سوريا، وعدم الاعتراف بشهادتهم في المحاكم والدوائر الرسمية، كما يمنعون من أداء شعائرهم الدينية وإقامة دور عبادة خاصة بهم.
“الأربعاء الأحمر” عبارة عن أربعة أعياد دينية متقاربة، هي انفجار الذرة البيضاء من صرخة الرب، وتكون التراب والماء والهواء والنار المقدسة منها لبدء الكون، والثاني هو غليان الأرض ثم تجمدها وتكوينها واخضرارها، وهذا ما تظهره عملية غليان البيضة ثم تبريدها ثم تلوينها.
أما العيد الثالث فهو عيد “الخليقة”، وذلك عندما خُلق أول كائن حي (آدم)، وضُخ الدم الأحمر بجسده، والعيد الرابع هو عيد “الخصوبة”، عندما خصبت أول بيضة لإعادة تكوين أول كائن حي.
“أربعينية الصيف”
في 31 من تموز من كل عام، يحتفل الإيزيديون بـ”أربعينية الصيف”، إذ يجتمعون لإحياء العيد وممارسة طقوسه، لمدة ثلاثة أيام، في معبد “لالش” الواقع في منطقة جبلية بالقرب من مدينة عين سفني شمالي العراق.
“أربعينية الصيف” تتشابه مع عيد الفطر عند المسلمين إلى حد ما، لكونه يعقب 40 يومًا من الصيام الذي يؤديه رجال الدين والمريدون، والقادرون من عامة الناس، ويبدأ الصيام سنويًا في 11 من حزيران وينتهي في 20 من تموز.
وقبل يوم العيد يتجهز “السدنة” (القائمون بخدمة المعبد وزواره) في المعبد، بهدف استقبال المريدين والزوار الإيزيديين، الآتين من مختلف الأماكن، لأداء واجباتهم الدينية وإقامة طقوس العيد.
وفي صباح يوم العيد، يشعل زائرو المعبد الشموع والقناديل في جميع المزارات الموجودة في “لالش”، ويعبر الجميع “جسر السراط” ويغسلون وجوههم وأيديهم بماء “النبع الأبيض” الذي يسمى “كانيا سبي”.
كما يطوف الزوار على مرقد “شيخادي” (الشيخ عدي بن مسافر الأموي ويعد من قديسي الطائفة)، والمزارات الستة المقدسة ضمن المعبد، بينما يعد المشرفون على إدارة المزارات الحساء “المقدس” المسمى بـ”السماط”.
وفي الأثناء، تردد أدعية إيزيدية خاصة تسمى “بيتا سبه”، وأخرى خاصة بالمساء تسمى “بيتا هيفار” طوال أيام العيد الثلاثة في المعبد.
“أربعينية الشتاء”
ويأتي هذا العيد في 20 من شهر كانون الثاني من كل عام، وتجري فيه ذات الطقوس المطبقة في “أربعينية الصيف” من صوم وإفطار وزيارة.
وتقول الجماعة إنه “في هذا العيد قرّب الشيخ عدي إليه 40 من رجاله الصادقين فعلمهم أحوال الدين الإيزيدي”.
“الأضحى” (قوربان)
كما في الدين الإسلامي، يأتي عيد “الأضحى” عند الإيزيديين في 10 من ذي الحجة غداة وقفة عرفة، وينتهي في 13 منه، مع أول يوم من أيام عيد “الأضحى” عند المسلمين، ويسمى أيضًا بعيد “الحج”. وفي هذا العيد يذهب رجال الدين إلى مرقد “الشيخ عدي” فيتضرعون بالدعاء وينشدون التراتيل الدينية.
ويعدّ هذا العيد ذكرى لقصة إبراهيم عليه السلام عندما رأى رؤيا أمره فيها الله بالتضحية بابنه إسماعيل، وبعد تصديقه وابنه الرؤيا، أمره الله بذبح أضحية بدلًا عن ابنه.
عيد “الجماعة”
يبدأ في 23 من أيلول وينتهي في 30 منه (سبعة أيام)، ويعد من أهم الأعياد الإيزيدية وأعظمها شأنًا، إذ يعتقدون أنه في هذا الشهر تُغفر الخطايا والذنوب.
وفي هذه الأيام يذهب الإيزيديون إلى مرقد “الشيخ عدي”، ويمارسون الطقوس هناك ثم يعودون من الجبل لذبح ثور كبير وطبخه، ويحاول الجميع الحصول على قطعة من لحمه.
وكذلك تذهب هذه الجماعة إلى التعميد في عين البيضاء، إذ يجب على كل إيزيدي غسل جسده بالماء النابع من عين البيضاء، إضافة إلى الاغتسال بماء “الزمزم” القريب من مرقد “الشيخ عدي”.
ويقول الإيزيديون إن “الشيخ عدي جاء يومًا إلى هذا المكان فلم يجد ماء، فطلب المتشيعون له أن يجترح لهم آية، فأخذ الشيخ عكازته وضرب الصخرة وقال للماء بالعربية (زم، زم) فزم”.
عيد “خضر الياس”
ويقع هذا العيد في أول يوم خميس من شهر شباط، وتسبقه ثلاثة أيام صيام (الاثنين والثلاثاء والأربعاء).
وفق موقع “الجمعية الإيزيدية الاجتماعية الخيرية”، تتخلل هذا العيد طقوس مختلفة، وينظر إليه الإيزيديون بعين القدسية، وهناك الكثير من أبناء هؤلاء الديانة يحملون الاسمين خضر والياس، نسبة إلى خضر نبي وخدر الياس.
بحسب معتقداتهم، فإن الصوم والعيد عندهم من الفرائض وتصوم له ثلاثة أيام، خاصة للذين يحملون اسم الياس أو اخضر أو خضر، معتقدين أن اليوم الأول لالياس والثاني لخضر والثالث للمراد ويكون الرابع (أي الخميس) عيد خضر الياس.
في ذات الصدد يتعامل الإيزيديون مع اسم خضر الياس الذي يحمله البعض كاسمين لشخصيتين منفصلتين، وفق الجمعية.
ويعتبرون أن هذه اليوم هو يوم عيد الحب وتحقيق الأماني وخاصة للشباب، وأن الشخص سواء كان شابًا أم فتاة رأى في منامه ليلة العيد قد شرب ماء في بيت ما، فيؤكد بأن نصيبه في الزواج سيكون من ذلك المنزل أو قريبًا منه.
ويكون صيامهم صحيحًا بالامتناع عن الأكل والشرب، وصمت اللسان عن الفضول، وغض العين والابتعاد عن الملذات، وكسر النفس خلال هذه الأيام الأربعة.
في ليلة العيد، تحضّر النساء الملابس الزاهية لأبنائها وتقلي القمح وتطحنه، ثم تضعه على سطح المنزل أو في غرفة هادئة معزولة حتى الصباح، على اعتقاد أن خضر الياس سيزور المنزل ويترك أثرًا على هذا الطحين.
عن الإيزيديين
الإيزيدية تعود جذورها لآلاف السنين، حسبما قال مدير مؤسسة “إيزدينا” ومدير مجلة “زهرة الزيتون”، علي عيسو، لعنب بلدي في وقت سابق، وهي غير تبشيرية، وتؤمن بوحدانية الله.
لا يعترف الإيزيديون بوجود قوى الشر، ولا الشيطان، وهذا ما سبب إشكالية لدى أتباع الأديان الأخرى الذين اعتبروا اعتقادهم ذاك تكريمًا للشيطان وعبادة له.
تحفظ أجيال الإيزيديين تعرضهم لـ72 مجزرة عبر التاريخ، ويقول عيسو إن إطلاق المؤرخين والمفكرين تسمية “عبدة الشيطان” عليهم هو ما أفسح المجال للتنظيم (تنظيم الدولة) لمهاجمتهم وإشاعة كل ما هو سيئ عنهم.
الإيزيديون في سوريا
يشكل الإيزيديون جزءًا من مكونات الشعب السوري، وينتمون إلى العرق الكردي ويتحدثون لغته.
احتل الإيزيديون عناوين الأخبار، ولا سيما في وسائل الإعلام العالمية، خلال السنوات الماضية، منذ أن اجتاحت قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” قراهم وقتلت وخطفت الآلاف منهم عام 2014. ومع إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن هزيمة التنظيم، في 2019، عادت فئة كبيرة منهم إلى ديارهم، بعد سنوات من الأسر.