شهد العقد الماضي في سوريا تجاهلًا صارخًا لحماية المدنيين من قبل كل أطراف النزاع “التي ارتكبت انتهاكات لا تحصى”، وفق بيان أصدرته الأمم المتحدة في 11 من آذار الماضي.
تصل بعض تلك الانتهاكات إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأوصى البيان أن يكون العقد المقبل عقدًا “للمساءلة والتعويض مع معالجة حقوق الضحايا واحتياجاتهم ليتمكنوا من إعادة بناء حياتهم”.
ومثل هذه البيانات، فيما يخص ملف حقوق الإنسان في سوريا، تصدر بالتزامن مع نشر أحكام جنائية عن محاكم وطنية خارج سوريا تناولت جرائم جسيمة اُرتكبت خلال العشر سنوات الأخيرة، عدا عن المحاولات المتكررة لإحالة الوضع في سوريا إلى “المحكمة الجنائية الدولية”.
وتعمل المحاكمات القائمة في بلدان الاتحاد الأوروبي على تقليص فجوة المساءلة الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، من خلال الدعاوى القضائية ضد مرتكبي الانتهاكات بموجب “الولاية القضائية العالمية“.
اقرأ المزيد: منفذ حقوقي للسوريين في الخارج.. ما هي “الولاية القضائية العالمية”
ولدى السوريين الناجين من انتهاكات ضد حقوقهم في سوريا، فرصة على امتداد زمني واسع لملاحقة مرتكبي تلك الانتهاكات قضائيًا، ففي القانون الدولي، هناك جرائم معيّنة لا تسقط بالتقادم، وهذا يعني أنه مهما طال الزمن على ارتكاب الجريمة، فإنه يجوز رفع شكوى جنائية على مرتكبها.
مبدأ “عدم سريان التقادم”
يقصد بالتقادم الجنائي، التقادم المسقط الذي يسري على الشكوى الجنائية أو الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة، كما يسري أيضًا على العقوبة التي يُمكن أن يُحكم بها المتهم، وهذا المقصود بتقادم العقوبة.
وبالتالي فإن قوانين التقادم هي القوانين التي تضع حدودًا من حيث الزمان للجريمة والعقوبة.
ولكن يخص القانون الدولي مبدأ “عدم سريان التقادم” الجرائم التي تعتبر من الصعب مباشرتها قضائيًا على الفور بعد ارتكابها، وهذا ينطبق بشكل خاص على جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية.
اقرأ أيضًا: ما الفرق بين “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” و”جرائم الإبادة الجماعية”
نطاق تطبيقه
تبنت اتفاقية دولية مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قبل الأمم المتحدة عام 1968، ودخلت حيز التنفيذ في 1970.
وتحدد الاتفاقية بدقة الجرائم التي لا تنطبق عليها قوانين التقادم، وهي:
1- جرائم الحرب، كما ورد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة “نورمبرغ العسكرية الدولية” الصادر عام 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة (3 د- 1) و(95 د- 1) عام 1946، ولا سيما “الجرائم الخطيرة” المحددة في اتفاقية جنيف عام 1949 لحماية ضحايا الحرب.
2- الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة “نورمبرغ العسكرية الدولية”، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالًا بالقانون الداخلي للدولة التي ارتكبت فيها.
ولضمان فعالية الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بتضمين تشريعاتها المحلية هذه القوانين والإجراءات الضرورية الأخرى، لتمكين تسليم الأشخاص المتهمين بارتكاب هذه الجرائم بما يتوافق مع إجراءاتها الدستورية.
وتتعهد الدول الأطراف أيضًا، بتكييف قوانينها بحيث تضمن عدم تطبيق مبدأ التقادم أو أي قيود أخرى على المقاضاة والعقاب على هذه الجرائم، وفي حالة وجود هذه القيود يتعيّن إلغاؤها.
–