علي درويش | أمل رنتيسي
هرب أحمد محمد (25 عامًا) من “الفرقة 17″ بعد سَوقه من قبل القوى الأمنية التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى التجنيد الإجباري في صفوفها، واختار العيش في قرية بريف الرقة الشرقي، للابتعاد عن انتشار القوى الأمنية، خوفًا من سَوقه إجباريًا مرة أخرى للخدمة العسكرية.
يعتبر أحمد قراره الهرب من التجنيد صائبًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي، على الرغم من التغييرات الجذرية التي حدثت في حياته بالابتعاد عن عائلته تخوفًا من مداهمة المنزل بسببه.
ولا يوجد أفق أو حد زمني لانتهاء معاناة أحمد، بوجود قوانين سنّتها “قسد” منذ العام 2014 بفرض التجنيد الإجباري على الشباب بين 18 و30 عامًا، في مناطق سيطرتها الممتدة على معظم محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور ومدينتي كوباني (عين العرب) ومنبج بريف حلب الشرقي.
وتنتشر الحواجز الأمنية في مختلف مناطق سيطرة “قسد” لإيقاف أي شخص يمكن أن يشمله قانون التجنيد، في مشهد يعيد إلى ذاكرة السوريين في المنطقة ما كانت تفعله حواجز قوات الأمن السورية باقتياد الشباب إلى الخدمة الإلزامية.
كما أن قوى الأمن الداخلي في المنطقة تجري عمليات مداهمة واقتحام بحثًا عن مطلوبين للخدمة الإحبارية، ولا يكاد يمر يوم دون تسجيل الشبكات المحلية التي تنقل أخبار شمال شرقي سوريا عمليات اعتقال شبان في مناطق “الإدارة الذاتية” وسَوقهم إلى التجنيد.
“قسد” هي الذراع العسكرية لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وهي مظلة أوسع لمجموعة تشكيلات عسكرية أبرزها “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
تناقش عنب بلدي في هذا الملف الانعكاسات الاقتصادية للتجنيد الإجباري على الشباب، والآثار النفسية والاجتماعية له على الذكور، وتطوع الإناث في السلك العسكري لـ”قسد”، وتجنيد الأطفال، إضافة إلى موقف الجهات الداعمة والتحركات المدنية والعشائرية ضد هذا القرار.
فائدة اقتصادية لـ”قسد” يقابلها ضرر للشباب
تخلى نجم الرجب (30 عامًا) عن وظيفته كمدرّس للمرحلة الابتدائية، بعدما طُلب منه “تسوية” وضعه بشأن التجنيد الإلزامي، أو الفصل بشكل نهائي من المدرسة التي يعمل بها في ريف الرقة الشرقي.
قال نجم لعنب بلدي، إن قرار التجنيد “مجحف بحق الشبان الذين يعانون الأمرَّين في إيجاد قوت يومهم وتأمين مستلزمات عائلاتهم، وسط الغلاء الكبير والتدهور الاقتصادي الذي تعيشه سوريا”.
ويعمل نجم حاليًا في حقول عائلته الزراعية، وفي داخله صراع بين رضاه عن وضعه وعمله الحالي، وأمنياته بالبقاء في عمله الأساسي بالتدريس.
طُبّق التجنيد الإجباري من قبل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) لأول مرة عقب اتفاق “دهوك” في عام 2014، تزامنًا مع صعود تنظيم “الدولة” وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق.
وأجريت تعديلات على القانون في 2018، شملت تأجيل الطلبة الجامعيين، والوحيد للأسرة حسب عمر الأم، وطالت التعديلات عوائل القتلى، ومن لديه إخوة في “أسايش” و”الوحدات”. واتخذ قانون التجنيد شكله الأخير في 23 من حزيران 2019، حين أقرت “الإدارة الذاتية” قانونًا جديدًا يتألف من 35 مادة، تجعل منه قانونًا مشابهًا لقانون الخدمة الإلزامية لدى النظام السوري. |
فقدان سبل العيش يعمق مستويات الفقر
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، أوضح أنه يمكن النظر إلى التبعات أو الآثار الاقتصادية لقانون التجنيد الإجباري من جوانب عدة.
يتمثل أحدها في العوائد الاقتصادية التي تطمح “قسد” لتحقيقها عبر تطبيق قانون التجنيد الإجباري، إذ تعتمده بشكل أساسي في زيادة عدد قواتها، الأمر الذي سيزيد من مقدار المساعدات المالية المقدمة من قبل الولايات المتحدة لها.
ويدعم “التحالف الدولي” وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية “قسد”، باعتبارها شريكًا أساسيًا في إنهاء تنظيم “الدولة الإسلامية” داخل سوريا.
كما أن زيادة عدد المجندين إجباريًا سيقلل بشكل كبير من النفقات التي تتكبدها “قسد”، نظرًا إلى التفاوت الكبير في مستوى الأجور والحوافز المادية بين المتطوعين والمجندين إجباريًا، حسب الباحث محمد العبد الله، إضافة إلى مستفيدين في شبكات فساد ضمن القوات تنشط في عمليات الحصول على الرشى من خلال محسوبيات في تطبيق القانون من حيث الاستثناءات وفرز المجندين والتأجيل.
وفي المقابل، فإن الآثار الاقتصادية التي يمكن تلمسها جراء تطبيق هذا القانون على من هم في سن التكليف، يأتي في مقدمتها فقدان العديد منهم سبل عيشهم، بعد أن اضطروا للتواري عن أعين الدوريات الأمنية المكلفة بسَوقهم للخدمة العسكرية.
ولم يراعِ قانون التجنيد وضع المكلفين من حيث الإعالة والوضع الأسري وطبيعة العمل، وبالتالي فإن الضرر الاقتصادي الذي ألحقه تطبيق القانون على قاطني مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” أثقل كاهلهم، في ظل حالة اقتصادية متردية تتمثل بارتفاع معدلات البطالة والفقر، وارتفاع تكلفة المعيشة.
وأثار تعميم شفهي صدر، في 27 من شباط الماضي، من “مكتب الدفاع الذاتي” التابع لـ”مجلس الرقة المدني”، بوقف صرف رواتب الموظفين المطلوبين لأداء الخدمة الإلزامية لشهر شباط، استياء في مدينة الرقة.
وشمل التعميم الموظفين من مواليد ما قبل العام 1990 المطلوبين للخدمة الإلزامية في صفوف “قسد”.
وبحسب حديث موظف في “مكتب الدفاع الذاتي” إلى عنب بلدي، في آذار الماضي، فإن رواتب الموظفين ستبقى مجمدة حتى “تسوية” أوضاعهم.
ويبلغ راتب المجندين إجباريًا في صفوف “قسد” 50 ألف ليرة سورية، أي 14.5 دولار شهريًا، إذ يبلغ سعر صرف الدولار 3500 ليرة سورية، حسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
بينما راتب المتطوع في “الدفاع الذاتي” 420 ألف ليرة (121.7 دولار) بعد الزيادة الأخيرة في نيسان الحالي، أي نحو تسعة أضعاف راتب المجند إجباريًا.
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، ويعيش تحت خط الفقر في سوريا 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
ويحدد خط الفقر الدولي عند مبلغ 1.90 دولار للشخص الواحد في اليوم، بحسب “البنك الدولي“، وهو الجهة المخولة بتحديده.
وبتقسيم الراتب الشهري الممنوح من “قسد” للمجندين إجباريًا، يبلغ دخلهم اليومي 0.48 دولار.
الهجرة إلى الخارج
خلقت هذه الظروف تحديًا كبيرًا أمام المكلفين بالخدمة العسكرية في صفوف “قسد”، من ناحية عدم قدرتهم على سداد البدل النقدي الذي أقرته وهو ستة آلاف دولار، أو من ناحية القدرة على رفض الانصياع لهذا القانون.
يمثل خيار الهجرة إلى العراق وتركيا لهذه الشريحة المجتمعية في الوقت الحاضر أحد أهم الخيارات المتاحة أمامها، لكن قرار هجرة هذه الشريحة، بحسب الباحث محمد العبد الله، ستكون له تداعيات سلبية في الحياة الاقتصادية لهذه المناطق، وهي الفئة المنتجة من المجتمع المحلي والمعيلة لأسرها، وبالتالي سيقود هذا إلى تعمق مستويات الفقر والحرمان ضمن المجتمعات المحلية، وعرقلة التعافي الاقتصادي في مدنها وقراها.
سامي عبد الرحيم (25 عامًا)، ترك الرقة قبل عامين وانتقل للعمل والعيش في مدينة اسطنبول التركية، ويعمل حاليًا في ورشة خياطة ألبسة.
وقال سامي لعنب بلدي، إن قرار التجنيد اضطره لدفع ألف دولار أمريكي للمهربين على الحدود السورية- التركية، وترك أمه وأبيه وثلاثة إخوة صغار، ولا يستطيع العودة بسبب خوفه من سَوقه للخدمة العسكرية في صفوف “قسد”.
وبحسب الباحث، فعلى ما يبدو أن حالة التضييق التي تفرضها “قسد”، عبر إصرارها على تنفيذ هذا القانون، تهدف بشكل واضح إلى دفع من تبقى من المناوئين لها للهجرة.
وتدرك “قسد” حقيقة رفض أغلبية المكلفين للانخراط في صفوفها لعدم قبولهم بها كجهة حاكمة، إلى جانب سياسات التمييز والإقصاء بحق المكوّن العربي ضمن مناطقها بشكل عام، وضمن قواتها العسكرية أيضًا، الأمر الذي أدى فعليًا إلى إفراغ بعض المناطق جزئيًا من سكانها، حسب الباحث محمد العبد الله.
مجند إجباري.. متطوعات.. أطفال
آثار نفسية على شرائح المجندين
لا تضم صفوف “قسد” الشبان المجندين إلزاميًا أو المتطوعين في صفوفها فقط، إذ تعتبر الإناث أحد الروافد الأساسية للمقاتلين في صفوف “قسد” وفي تشكيلاتها الأمنية، ويعد ذلك امتدادًا لأيديولوجيتها الأساسية المستمدة من حزب “العمال الكردستاني”، إضافة إلى تسجيل حالات لتجنيد أطفال.
ويواجه قانون التجنيد الإجباري رفضًا شعبيًا في مناطق “قسد”، منذ فرضه أواخر عام 2014، بينما يعتبر “مجلس سوريا الديمقراطية” (الذراع السياسية لـ”قسد”)، أن الخدمة “واجب اجتماعي وأخلاقي” تجاه المجتمع.
الطبيب النفسي إسماعيل الزلق قال لعنب بلدي، إن التجنيد الإجباري عبارة عن تجربة يعيشها المجند وعائلته، وقد تكون قاسية جدًا خاصة إذا كان المجند غير مقتنع بهذا الجهد أو الأمر الذي يلتزم به، إذ يزيد عدم الاقتناع من العبء النفسي عليه وعلى الأسرة.
ويختلف تأثر المجند بمكان الخدمة العسكرية، فإذا كان في منطقة الجبهات (على نقاط التماس)، يمكن أن يترافق ذلك مع صعوبات نفسية إضافية عند المجند وأهله.
مرور المجند بتجارب صادمة يمكن أن يؤثر عليه ويخلف قلقًا أو اكتئابًا، واضطراب شدة ما بعد الصدمة، والأهل يمكن أن يعانوا من موضوع الخوف على ابنهم، وهذا يؤدي إلى مجموعة من المشكلات النفسية، سواء للأب أو الأم أو الزوجة.
كما أن ظروف الخدمة واحتياجات العنصر من أكل وشرب وحتى مكان النوم وغيرها إذا كانت غير ملباة، أو فيها نوع من الصعوبة أو القسوة أو التعامل غير الجيد، فهذا سيؤثر ويزيد العبء النفسي عليه، خاصة مع عدم قناعته بالقضية التي يقاتل من أجلها أو دُفع لتبنيها.
كل ذلك يمكن أن يسبب للمجند إجباريًا آثارًا نفسية مختلفة، بدءًا من صعوبة النوم والأرق والآلام الجسدية، وصولًا إلى اضطراب نفسي كامل يشمل القلق أو الاكتئاب أو حتى اضطرابات نفسية أشد وطأة، مثل الذهان أو غيره.
النساء محاطات بضغوط المجتمع
يمكن أن يكون لتجنيد النساء أبعاد نفسية أو اجتماعية، لأن هذه الظاهرة غير مألوفة للمجتمع السوري، وفكرة التجنيد غريبة عنه، وهذا يمكن أن ينعكس بنظرة المجتمع إلى المتطوعات، ويعانين من صعوبات نتيجة ذلك، ويمكن أن يؤدي إلى خلافات مع الأسرة، باعتبار أن الأسرة لا تقبل بهذا الشيء، بحسب الطبيب إسماعيل الزلق.
والآثار النفسية العائدة نتيجة ذلك تختلف حسب الضغوط النفسية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة، وفي حال تعرض المجندات لصدمات أو صعوبات نفسية خلال عملهن في صفوف القوات العسكرية والأمنية، فيمكن لذلك أن يؤدي إلى انعكاسات نفسية عليهن، تبدأ من الأعراض النفسية الجسدية كتشنج القولون أو التشنجات العضلية والأرق وصعوبات في المهام اليومية وضعف التركيز وتأثر الشهية، وصولًا إلى الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب وغير ذلك.
الأثر على الأطفال أشد وقعًا
قال الطبيب إسماعيل الزلق، إن “أثر التجنيد على الأطفال أشد وقعًا”، إذ يؤثر على الطفل بمستويين: الأول، على مستوى الطفل وسلوكه الخارجي تجاه المجتمع، والثاني على مستوى الطفل نفسه.
أثر التجنيد على مستوى الطفل وسلوكه الخارجي يكون أشد، فإذا كان التجنيد إجباريًا عبر الخطف أو غيره من الطرق، يكون الطفل غير قادر على اتخاذ القرارات، بمعنى أنه لا يستطيع أن يميز الخطورة من عدمها، وبالتالي يمكن خداع الطفل ببعض الميزات والأمور حتى يقبل الانضمام.
ولا يقتصر أثر تجنيد الطفل على مرحلة عمرية معيّنة، فعندما يكبر يمكن أن تؤدي تجربته مع السلاح إلى ظنه بأنها الطريقة التي يتعامل فيها كل الناس، وهذا يمكن أن يعزز العنف عنده، خاصة إذا لم توجد لديه ذخيرة من المعرفة ودعم اجتماعي.
أما على مستوى الطفل نفسه، فيمكن أن تكون التجربة صادمة وصعبة جدًا، لأن العمل العسكري له طريقة محددة، والمهمات الموكلة إليه قد لا تكون متناسبة مع عمره، وهذا يزيد الأثر النفسي عليه، وسيخلّف العديد من المشكلات النفسية التي ستصحبه في بقية مراحل حياته.
صعوبات الحياة والصدمات التي يعيشها الطفل، أو عندما يكون يافعًا، يمكن أن تكون عامل خطورة لتطوير اضطرابات نفسية عديدة في مرحلة الشباب والرشد والكهولة.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” نشرت، في آب 2018، تقريرًا تحدثت فيه عن تجنيد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، التي تعتبر عماد “قسد”، الأطفال للقتال في صفوفها.
وبحسب تقرير المنظمة، فإن من بين الأطفال المجندين نازحين مع عائلاتهم إلى المخيمات التي تسيطر عليها “الوحدات”، كما توجد 224 حالة تجنيد أطفال من قبل “الوحدات” ووحدتها النسائية عام 2017 وحده، بزيادة خمسة أضعاف على عام 2016.
وأضافت، استنادًا إلى بيانات الأمم المتحدة، أن 72 من الأطفال المجندين هم من الفتيات، مشيرة إلى أنه في ثلاث حالات على الأقل اختطفت القوات الأطفال لتجنيدهم.
ودعت المنظمة “الوحدات” إلى تسريح الأطفال المنضمين إلى صفوفها فورًا والتوقف عن تجنيدهم، ومنهم أطفال العائلات في مخيمات النازحين التي تسيطر عليها.
لكن عمليات خطف الأطفال وتجنيدهم لم تتوقف من قبل “الوحدات”، ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في تشرين الثاني 2020، تجنيد “قسد” منذ بداية تأسيسها ما لا يقل عن 113 طفلًا، قُتل 29 منهم.
وذلك على الرغم من توقيع “الإدارة الذاتية” على خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، لوقف عمليات تجنيد الأطفال دون سن الـ18، وتسريح من تم تجنيده منهم.
وجاء في تقرير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في تموز 2020، أن “قسد” قطعت وعودًا بإنهاء هذه الممارسة، وعلى الرغم من التعهد والأنباء التي تفيد بتنفيذ جوانب رئيسة من الخطة، لا تزال هناك اتهامات بقيام “الوحدات” بتجنيد فتية وفتيات لا تتجاوز أعمارهم 11 عامًا.
تصرفات “الوحدات” تنتهك القانون الدولي وقد ترقى إلى جريمة حرب، ويتعيّن على الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في “التحالف الدولي” لهزيمة “داعش” أن يستخدموا نفوذهم السياسي مع “قسد” لإنهاء ممارسة تجنيد الأطفال، بحسب المركز.
وتعتبر كل عمليات التجنيد، بما في ذلك القسري، لمن تقل أعمارهم عن الـ15، من الأمور التي يحظرها قانون المعاهدات الدولي في البروتوكولين الدوليين لعام 1977، الملحقين باتفاقية “جنيف” لعام 1949 واتفاقية “حقوق الطفل”، ويعتبرها القانون جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادته الثامنة.
داعمو “قسد” يتهربون من الإجابة
طرحت عنب بلدي في مراسلة إلكترونية أسئلة على “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا والعراق لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، حول موقفه من ممارسات “قسد” في موضوع التجنيد الإجباري، وما إذا كان اتخذ إجراءات ومحاولات لمنعها.
لكن إجابة “التحالف الدولي” لم تتطرق إلى ما ورد في الأسئلة، وابتعدت عن الهدف الأساسي من أسئلتنا، إذ أكد المكتب الإعلامي لـ”قوة المهام المشتركة، عملية العزم الصلب” أن “التحالف و(قوات سوريا الديمقراطية) لا يزالان ملتزمين بالهزيمة الدائمة لفلول (داعش)”.
واعتبر “التحالف” أن تنظيم “الدولة” هزم إقليميًا ولم يعد قادرًا على احتلال أي أرض في العراق وسوريا بشكل مستدام، لكن خلاياه “مرنة” ولا تزال تمثل تحديًا خطيرًا، “والضغط المستمر من قبل شركائنا في (قوات سوريا الديمقراطية) يمنع أي فرصة للظهور من جديد”، بحسب ما تلقته عنب بلدي في إجابات عن أسئلتها.
وتمسك “التحالف” بمواصلة دعمه لـ”قسد”، لأنها تؤمّن “الهزيمة الدائمة” لتنظيم “الدولة”.
مراحل التجنيد
بحسب ما نقلته عنب بلدي عن مصادر في المنطقة، في وقت سابق، فإن مراحل عملية التجنيد كالتالي:
· ينقل الشاب بعد تسليم نفسه إلى المستشفى “الطبي العسكري”، لفحصه والتأكد من سلامته من أي أمراض قد تعوق عمله العسكري.
· يفرز بحسب وضعه على أحد المراكز العسكرية الثلاثة في تل بيدر في الحسكة و”غرزيرو” في الرميلان و”غابكا” في القامشلي.
· تحدد “قسد” دورتها العسكرية بـ4500 مقاتل، وتستمر على فترة زمنية 40 يومًا، وفيما بعد تعطى للمجند استراحة خمسة أيام في منزله قبل فرزه النهائي إلى المراكز العسكرية المنتشرة في عدة مناطق شمالي وشرقي سوريا.
· الفرز يكون حسب الشهادات العلمية أو الإمكانيات والأعمال التي يتميز بها كل شاب، فعلى سبيل المثال يفرز الصحفي إلى المراكز الإعلامية التابعة لـ”قسد”.
وتوجد محسوبيات في عمليات فرز المجندين إلى المراكز العسكرية، فالفرز إلى القامشلي وعامودا والحسكة يعتبر أفضل بالنسبة للشبان من الفرز إلى الرقة ودير الزور، إضافة إلى تحديد خدمة بعض المجندين بالدوام الإداري حتى الساعة الثالثة ظهرًا وبقية الوقت في المنزل.
أين يقع التجنيد على لوائح القانون؟
رئيس “هيئة القانونيين السوريين”، القاضي خالد شهاب الدين، قال لعنب بلدي، إن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي قائدة “التحالف الدولي”، لديها اتفاقيات تمنع أساسًا التجنيد الإجباري في الدول.
ولا تستطيع واشنطن القول إنه يجوز لـ”قسد” والأحزاب في “الإدارة الذاتية” فرض قانون التجنيد الإلزامي، فـ”الإدارة الذاتية” غير معترف بها دوليًا، وليس لها مقعد في الأمم المتحدة.
وحتى في الدول يمكن للشخص أن يعلن “الاستنكاف الضميري“، وهذا الأمر موجود في القانون الدولي، وبالتالي لا يستطيع “التحالف الدولي” والولايات المتحدة تصدير الأمر على أنه مقبول، برأي شهاب الدين.
وشرح خالد شهاب الدين موضوع التجنيد الإلزامي من الناحية القانونية، وبالتالي:
لا يمكن إلا للدول المعترف بها أن تطالب بالخدمة العسكرية الإلزامية، وفق اتفاقية العمل الإلزامي رقم “29” لعام 1930 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ويحظر القانون الدولي الإنساني التجنيد الإلزامي للأشخاص المحميين الخاضعين لسلطة “الإدارة الذاتية”، التي لا يمكنها أن تفرض على مكونات المنطقة التجنيد الإجباري، وبالتالي عليها واجب حمايتهم طالما أنهم ضمن المنطقة التي تسيطر عليها، ولا يمكنها أن تفرض عليهم التجنيد الإجباري وفق القانون الإنساني الدولي.
لا يجوز إرغام الأشخاص المحميين على القيام بأي عمل يترتب عليه الالتزام بالاشتراك في عمليات حربية، وهذا وفق اتفاقية “جنيف” الرابعة 1949 المادة “51”.
إذا فُرضت الخدمة الإلزامية على الأشخاص المحميين في تلك المناطق فهي تعتبر جريمة حرب بموجب المادة الثامنة الفقرة “2” أ/5 من نظام روما الأساسي.
أيضًا نصت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1993 على أن التجنيد القسري يعد انتهاكًا للحق والحرية الشخصية والكرامة الإنسانية وحرية الحركة، وقررت أن عمليات جمع الشباب من الشوارع تعد تجنيدًا قسريًا أيضًا.
المبدأ الـ”13″ الفقرة “2” من مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن التشريد الداخلي (كما هي المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”)، تحظر جميع ظروف كل ممارسة إنسانية قاسية أو مهينة تجبر الشخص على قبول تجنيد أو تعاقبه على عدم قبوله.
وبالتالي، فإن القانون الخاص بالتجنيد الإلزامي هو مخالف للقانون الإنساني الدولي وللمبادئ التوجيهية وللاتفاقيات الدولية، منها الاتفاقية الأمريكية واتفاقية “جنيف” لعام 1949.
تحركات لإيقاف التجنيد الإجباري.. ما جدواها
تشهد مناطق “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا مظاهرات واحتجاجات بين الحين والآخر لرفض حملات التجنيد الإجباري.
وخرج أبناء المنطقة في عدة مظاهرات خلال السنوات الأخيرة، رفضوا فيها عمليات التجنيد الإجباري، خاصة أن شريحة واسعة من الشبان كانوا قد خرجوا من مناطق النظام السوري للهرب من خدمته الإلزامية، ليجدوا أنفسهم أمام تجنيد آخر لا يختلف كثيرًا بمراحله وأساليبه عما يفرضه النظام السوري.
وكثفت قرى ومدن دير الزور الخاضعة لسيطرة “قسد”، نهاية عام 2020، من المظاهرات الرافضة للتجنيد الإجباري.
وذكر تقرير حول أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 5 من نيسان الحالي، أن على الدول الداعمة لـ”قسد” الضغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها.
وعملت “قسد” مؤخرًا على استهداف المعلمين لسَوقهم للخدمة الإلزامية، ففي 3 من آذار الماضي، وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إضراب مدرستين عن العمل في قريتي اليرموك ومزرعة ميسلون بريف الرقة احتجاجًا على حملات التجنيد الإجباري.
وأشارت “الشبكة” إلى أن ما لا يقل عن 61 مدرّسًا جرى اعتقالهم أو احتجازهم إما بسبب المناهج التعليمية وإما لهدف التجنيد الإجباري.
لا توجد حتى الآن تحركات محلية أو دولية جادة
الكاتب والباحث السوري مهند الكاطع، أوضح أن ممارسات “قسد” بخصوص ملف التجنيد الإلزامي، وخاصة تجنيد الفتيات القاصرات من المكوّن الكردي، صارت لا تُحتمل.
وقال الكاطع، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الممارسات مستمرة منذ عام 2013، وهي ليست حالات فردية بل صارت ظاهرة مخيفة تنبهت إليها منظمة “هيومن رايتس ووتش” والأمم المتحدة منذ عام 2014.
وسبق أن تعهدت “ميليشيات الأمر الواقع” بتسريح الأطفال وإعادتهم إلى ذويهم منذ تموز 2014، لكنها لم تفِ بالتزاماتها، حسب مهند الكاطع، وقد رصد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة استمرار إجراءات تجنيد القاصرين.
وبحسب ما قاله مهند الكاطع، لا توجد حتى الآن تحركات محلية أو دولية جدية قادرة على إيقاف عمليات التجنيد الإجباري، لأن سياسة هذه المنظومة تستهدف الفئات العمرية الصغيرة والعوائل الفقيرة والأطفال المهمشين الأكثر عرضة للعنف الأسري، فيجري استغلالهم لتجنيدهم بهذه المنظومة باستغلال أوضاعهم، ليشكّل هؤلاء عماد هذه القوات في المستقبل.
ويرى الكاطع الحل بأن يكون هناك ضغط حقيقي يفضي إلى دفع الولايات المتحدة، بوصفها تدعم “قسد” عسكريًا، للضغط عليها لإيقاف التجنيد الإلزامي وتجنيد الأطفال.
تحركات من جهات قانونية
رئيس “هيئة القانونيين السوريين”، القاضي خالد شهاب الدين، قال لعنب بلدي، إن الهيئة خاطبت الجهات الدولية في مذكرة رسمية طالبت فيها بوقف العمل بقرار التجنيد الإجباري، لأنه يعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان يجبر المكوّنات جميعها في المنطقة على الانخراط في العمليات الحربية التي تنفذها الأحزاب.
وأوضح شهاب الدين أن فرض “الإدارة الذاتية” التجنيد الإلزامي يخالف القوانين والاتفاقيات الدولية، ويعتبر جريمة حرب وانتهاكًا لحقوق الإنسان، لا سيما أن التجنيد الإلزامي الخاص بالدول ذات السيادة والمعترف بها هو محل خلاف دولي أساسًا، فكيف والحال في مناطق غير معترف بها دوليًا.
عشائر المنطقة ترفض التجنيد
رئيس “تجمع أبناء قبيلة طيء”، نواف فرحان النايف، قال لعنب بلدي، إن “أهالي منطقة شرق الفرات يرفضون التجنيد الإجباري، وعلى رأسهم العشائر وشيوخها ورموزها”، كون هذا التجنيد لا يستند إلى أي نص قانوني ويتنافى مع المواثيق الدولية.
وأكد النايف أن معارضة عشائر المنطقة لقرار التجنيد الإجباري مستمرة منذ إصداره، وظهرت محاولات مؤخرًا ضد هذا القرار من خلال مطالبة قيادات “قسد” بإلغاء القرار والكف عن ملاحقة الشباب، وأيضًا من خلال توجيه أهالي المنطقة لرفضه وعدم الانصياع لهذا الأمر.
ويعتقد النايف أنه إذا استمر هذا التحرك من قبل عشائر المنطقة سيؤدي إلى إلغاء قرار التجنيد الإلزامي، لا سيما أن ذريعة محاربة تنظيم “الدولة” انتهت، واليوم “قسد” وقياداتها تواجه ضغوطًا كبيرة من قبل الشعب السوري عامة وبعض الدول الإقليمية، حسب النايف.