عنب بلدي – خولة حفظي
فشلت إيران بتدشين خط بحري مباشر باتجاه واحد من ميناء “بندر عباس” جنوبي إيران إلى مرفأ “اللاذقية” على الساحل السوري، في موعده المحدد، الذي كان مقررًا في 10 من آذار الماضي.
لم تنقل وسائل الإعلام الرسمية السورية، بحسب ما رصدته عنب بلدي، أي خبر عن انطلاق باخرة ضمن الخط الجديد من إيران أو وصولها إلى سوريا، رغم مضي نحو شهر على الموعد المحدد، الذي سبقته تغطية إعلامية واسعة لفوائد وميزات هذا الخط الجديد.
وفي 17 من آذار الماضي، أي بعد الموعد المحدد لتدشين الخط البحري، قال مدير مكتب الشؤون العربية والإفريقية في منظمة “التنمية التجارية الإيرانية”، فرزاد بيلتن، إن المنظمة تتابع تدشين الخط الملاحي بين إيران والموانئ السورية.
وأضاف بيلتن لوكالة “فارس” الإيرانية، أن “الخط البحري صار مهيأ للإطلاق إلى حد ما”، دون توضيح سبب التأخير عن الموعد المقرر، ودون الإشارة إلى موعد محدد لإطلاقه.
حرب نفسية
روّج المسؤولون السوريون والإيرانيون عبر وسائل الإعلام المحسوبة على حكومتي البلدين، لأهمية وفوائد الخط البحري الجديد، الذي يصل سواحل إيران بمناطق سيطرة النظام السوري، والذي كان مقررًا أن يكون باتجاه واحد، أي لتصدير البضائع الإيرانية إلى سوريا فقط.
ولكن رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة قاضي، يرى أن الإعلان أساسًا كان “جزءًا من الحرب النفسية التي لم تعد تؤثر، وصارت مثارًا لسخرية المراقبين”.
وقال قاضي، في حديث إلى عنب بلدي، إن “الخط التجاري يكون أساسًا عندما تمتلك كلتا الدولتين والشعبين القدرة على البيع والشراء والتجارة وتأمين القطع الأجنبي، وبوجود مستهلك يستطيع شراء البضائع”.
وأضاف، “في الحقيقة، لا السوري يستطيع ولا الإيراني يستطيع، فالتومان (العملة الإيرانية) في أخفض سعر له”.
وخلال الفترة الماضية، شهدت العملتان الإيرانية والسورية انهيارًا غير مسبوق، ووصلتا إلى مستويات قياسية متدنية، إذ وصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازية إلى نحو 42 ألف تومان إيراني، بينما وصل سعر الدولار الواحد في دمشق إلى نحو 3500 ليرة سورية.
ويتراوح حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا بين 170 و180 مليون دولار، بحسب تقديرات إيرانية رسمية حديثة، بينما تأمل طهران أن “يتضاعف حجم التجارة بين البلدين ثلاث مرات بحلول العام المقبل”.
إيران غير مؤهلة لدور اقتصادي في سوريا
يعتقد الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، أن إيران “ليست صاحبة مشروع اقتصادي في سوريا، وليست أيضًا دولة متقدمة تسعى لاستعمار بلدان وجعلها سوقًا لتصريف منتجاتها وخدماتها”.
وأشار قومان، في حديث لعنب بلدي، إلى أن إيران قبل الثورة لم تسعَ لنيل درجة عالية من التعاون التجاري مع سوريا على الرغم من العقود والاتفاقيات الموقعة والتقارب بينهما.
ورغم أن إيران سعت إلى تحصيل مكاسب أكبر من تدخلها في سوريا، نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن خبراء إيرانيين قولهم، إن “الإيرانيين لم يتمكنوا من الاستحواذ على السوق السورية الجذابة والجاهزة إلى حد ما”.
ولا يمكن أن يساعد افتتاح الخط البحري في انتعاش الاقتصاد السوري، في ظل العقوبات المفروضة على سوريا، لأن المنافذ البرية والبحرية والجوية متاحة، بحسب قومان، الذي يرى أن “المسألة ليست في افتتاح خط بحري هنا أو هناك، بل في المواد التي سيتم توريدها عبر هذا الخط”.
وكان مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة “التنمية التجارية الإيرانية”، فرزاد بيلتن، قال في وقت سابق، إن بلاده تستهدف رفع التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
وأضاف بيلتن، في تصريح لوكالة أنباء “فارس“، أن المنظمة وضعت خطة لتصدير 400 مليون دولار من السلع إلى سوريا، مقابل 100 مليون دولار واردات في عام 2023، وأن ما تبقى من الحجم المستهدف “سيشمل توسع تصدير الخدمات الفنية والهندسية إلى سوريا”.
وسجلت الصادرات خلال هذه الفترة انخفاضًا سعريًا نسبته 34% وكمّيًا نسبته 43% عن الفترات السابقة.
وأرجع بيلتن السبب في انخفاض التصدير إلى تداعيات جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، التي أدت إلى انقطاع التبادل التجاري بين البلدين، وتعطل إقامة المعارض في سوريا، حسب تصريحه.
استهداف السفن الإيرانية
استهدفت إسرائيل ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية متجهة إلى سوريا، وتحمل في الغالب نفطًا إيرانيًا دعمًا لحكومة النظام السوري، وفق تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 12 من آذار الماضي، أي بالتزامن مع الموعد الذي حددته طهران ودمشق لإطلاق الخط البحري المباشر، ما يثير تساؤلات حول علاقته بفشل الخطوة.
وتحدث التقرير الأمريكي عن استخدام إسرائيل أسلحة متعددة، بما في ذلك الألغام المائية، لضرب السفن الإيرانية، والسفن التي تحمل شحنات إيرانية، في أثناء توجهها إلى سوريا عبر البحر الأحمر وفي مناطق أخرى من المنطقة.
وواصلت إيران شحن النفط إلى سوريا، وإرسال ملايين البراميل، منتهكة العقوبات الأمريكية ضد إيران والعقوبات الدولية ضد سوريا.
بعض الهجمات البحرية استهدفت أيضًا السفن التي تحمل الشحنات الإيرانية، بما فيها الأسلحة عبر المنطقة، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.
ويرى رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، أسامة قاضي، أن موضوع الخط البحري لا علاقة له بناقلات النفط الإيرانية المستهدفة.
وقال قاضي لعنب بلدي، إن إعلان الخط البحري هو “دعاية إعلامية”، موضحًا أنه إذا كانت ناقلات النفط لا تستطيع المرور، فكيف للخط البحري أن يعمل، ما يعني أن هذا الخط “فكرة ولدت ميتة”، وتشابه حملات “ليرتنا عزتنا”، التي أُطلقت في وقت سابق لدعم الليرة السورية المنهارة.
وحذّر من أن “الخط البحري هو إعلان مجاني للجهات التي تريد قصف سوريا، وإعلان مجاني بإزالة ميناء اللاذقية من الخارطة السورية”، وعدا ذلك “ليس له أي أثر حقيقي”.
الخط البحري لا يحل المشكلة
“من الأساس، لا يمكن للخط البحري أن يساعد الاقتصاد السوري بأي شيء”، بحسب ما قاله رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، أسامة قاضي.
وأضاف أن “مشكلة الاقتصاد السوري ليست نقصًا ببضائع الرفاهية، بل المشكلة الأساسية للاقتصاد السوري هي عدم وجود أموال خاصة بالقطع الأجنبي من أجل شراء الواردات المطلوبة من السوق والتي يستطيع المستهلك شراءها”.
وتكمن إحدى المشكلات أيضًا، بأن القوة الشرائية لدى المواطن السوري انخفضت، فدخله بالكاد يسد رمقه من الخبز والدواء والوقود، وبالغالب لا يكفيه، فالمشكلة الأساسية هي مشكلة انخفاض كبير في الطلب الكلي نظرًا إلى المجاعة التي يعيشها السوريون في المواصلات أو القوت اليومي أو القدرة على شراء الدواء، بحسب قاضي.
وتعمل إيران على “تصدير إعلامي” مفاده أنها البديل عن روسيا، وأنها تستطيع إدخال المواد اللازمة للاقتصاد السوري وتزويده بما يحتاجه.
ولكن هذا كله “للتصدير الإعلامي لا غير”، بحسب قاضي، الذي يرى أنه “لو كان الاقتصاد الإيراني يستطيع ذلك لكفى الإيرانيين مؤونتهم بينما هناك أكثر من 20 إلى 30% تحت خطر الفقر، إضافة إلى تفشي البطالة وسوء المعيشة”، بحسب قوله.
وكان الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب السوري، فهد درويش، قال، في 23 من شباط الماضي، إن تدشين خط بحري مباشر بين ميناءي “بندر عباس” و”اللاذقية”، سيؤدي إلى “انتظام شحن البضائع بين إيران وسوريا”، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.
وكان من المقرر، بحسب الخطة السابقة، أن تبحر باخرة في 10 من كل شهر، من الميناء الإيراني إلى سوريا، سواء امتلأت بالبضائع أم كانت فارغة، بعكس ما كان يحدث سابقًا من انتظار امتلاء الباخرة بالبضائع، إذ كان المستورد السوري ينتظر لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر لوصول بضاعته إلى ميناء “اللاذقية”، وفق درويش.
بينما تحدث الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب الإيراني، كيوان كاشفي، عن “إمكانية تحويل هذا الخط الملاحي (من إيران إلى سوريا) إلى خطين، أي مرة كل 15 يومًا، لإرسال البضائع إلى اللاذقية، إذا لزم الأمر”.