صناعة الجوع

  • 2021/04/11
  • 9:57 ص

إبراهيم العلوش

الجوع هو العنوان السوري الأهم هذه الأيام، بعد أن كان التعذيب، والتهجير، والبراميل المتفجرة، هي العناوين السورية الأبرز التي نشرها النظام لفرض هيبته المتوحشة!

يحتل الجوع بطون السوريين بعد حوالي مئة سنة من حلوله الكبير في سوريا إبان الحرب العالمية الأولى و”سفر برلك” 1914، وقد وظّف النظام كل قدراته وكل تكتيكاته للوصول إلى وسيلة التعذيب الجديدة التي ابتكرها ضد السوريين، وقد تكون هذه النتيجة هي حصاد كل أفعاله السابقة خلال السنوات العشر من عمر الثورة السورية، من تدمير وتهجير للكفاءات، وتحويل ما تبقى من الناس لخدمة آلته الحربية، ولخدمة جيوش الاحتلال بدلًا من إعادة دورة الحياة بالزراعة وبالصناعات الصغيرة، وحماية الإنتاج من تسلط أمراء الحرب ومن حواجز التشليح، والخضوع لشريعة حقوق الإنسان، واحترام الإرادة الدولية بدلًا من التسبب بقرارات الحصار الاقتصادية.

وسائل التدمير السابقة قادتها أجهزة المخابرات، وبعض وحدات الجيش التي كانت تصنّع البراميل المتفجرة، وتُطلق الصواريخ والغازات الكيماوية على المدن، أما اليوم، فتتصدر “الفرقة الرابعة”، التي يقودها ماهر الأسد، مشهد نشر الجوع في الأرجاء السورية عبر حواجزها التي تلتهم الإتاوات وتمارس التشليح والتهديد والترفيق، وتضاعف تكلفة الإنتاج وتكلفة التوزيع فلا يصل كيلو الليمون من الساحل إلى الحسكة مثلًا إلا بمضاعفة سعره عدة مرات وكأنه يعبر عدة قارات، وذلك بسبب دفع تكاليف عبور حواجز فرقة ماهر الأسد المتعددة، التي تفرض الخوّات بشكل اعتباطي عنوانه التجويع والانتقام، والتكسب من الحرب التي بدأها أخوه بشار ضد السوريين.

تتبع قيادة فرقة ماهر الأسد إلى “الحرس الثوري الإيراني”، ويهدد الروس بأن تغيير بشار سيفتح الطريق لماهر للاستيلاء على الحكم، ويكررون دائما للدول المحيطة العربية والأجنبية، بأن عليهم القبول ببشار بدلًا من أن تفرض إيران حكم أخيه ماهر، وكأنهما يمثلان أدوارًا مدروسة في لعبة ساذجة للخداع من أجل استمرار النظام كخادم لسيدين هما الروس والإيرانيون.

ولكن كيلو الليمون يذهب إلى روسيا أو إلى إيران بأبخس الأثمان ودون المرور بأي رسوم أو خوّات، لأن فرقة ماهر الأسد المدرعة لا تحمي السوريين، بل تحمي جيوب أمراء الحرب الذين تضخم نفوذهم خلال السنوات العشر السابقة، بعد أن أطلق النظام لهم حرية نهب السوريين على الحواجز، وحرية فرض الأسعار التي يرتؤونها لتجويع الناس بحجة المؤامرة المريخية التي يرتزقون من وراء ترويجها.

يتعجب الروس في مؤتمرات المساعدات الدولية للشعب السوري عندما تطالبهم الدول والأمم المتحدة بمنع تجويع السوريين، وفتح الحواجز والحدود لتسهيل وصول المساعدات الدولية، ويرفضون باستنكار التبرع بأي مبلغ ذي قيمة، ففي مؤتمر “بروكسل” الأخير (29- 30 من آذار الماضي) تبرعت الدول بمئات الملايين من الدولارات لوقاية اللاجئين السوريين من الجوع، بينما الروس الذين شاركوا في كل هذا الدمار لم يقدموا أكثر من %1 من المساعدات، وكأنهم يحسبون تكاليف صواريخهم وقنابلهم وطلعات طيرانهم مساعدات إنسانية للشعب السوري.

وترفض إيران بشكل قاطع التبرع للمحتاجين ولسكان المخيمات وللاجئين في الدول المجاورة، فهي لا تقدم دولارًا واحدًا لمن تمرد على نظام القمع النازي، وتعتبر بدورها أن رواتب ميليشياتها ومعداتها العسكرية هي دعم لفعل إنساني ومساعدات شرعية!

يبدأ شهر رمضان هذه الأيام ويخيّم الجوع والخوف على السوريين في الداخل وفي المخيمات، وقد يرتفع أذان الإفطار ولا يتوفر إلا طعام قليل قد عبر حواجز “الفرقة الرابعة”، التي صارت توجد على كل الطرق والممرات من البوكمال إلى ريف دمشق، ومن موانئ الساحل وحمص وحماة والبادية وصولًا إلى الحسكة، لتضاعف تكلفة لقمة العيش للسوريين، فماهر الأسد استعاد دور عمه رفعت الذي كان يمثل دور الجابي في بدايات عصر حافظ الأسد، وقد تركه لاحقًا ليحل محله آل مخلوف كجباة لنهب الأموال العامة، وحطّ رحال الجباية أخيرًا بيد “الفرقة الرابعة” ورعاتها الإيرانيين الذين يشاركون آل الأسد في تمويل الحروب ضد السوريين.

أوقف النظام دعم المواد الغذائية، وأهمل تحسين رواتب موظفيه من أجل توفير المزيد من الذخائر والمعدات التي تضمن استمراره في الحرب، وعدم الخضوع لإرادة السوريين وللإرادة الدولية، ومن أجل تمويل الحملات الإعلامية التي لا تزال تروّج له ولأمراء الحرب الذين يحمونه، وهو مستعد للاستمرار في شتى أنواع الحروب ضد الشعب السوري، ولن يكون الجوع هو الصناعة الأخيرة التي يبتكرها ضده، بل سيتشارك الكثير من الأفكار الوحشية مع المحتلين الإيرانيين والروس من أجل استمرار الوضع الكارثي، ولإخضاع إرادة السوريين والمجتمع الدولي لهم، متجاهلين بأنهم قد وصلوا إلى طريق مسدود، فالسوريون كلهم مقتنعون اليوم بأن هذا النظام لن يسوقهم إلا إلى المزيد من البؤس والتجويع.

فحتى مؤيدو النظام انهارت أسرهم، وتبخرت دخولهم، ولم تعد شعارات النظام تجديهم شيئًا،

وهم يعانون من الحاجة والفقر، بالإضافة إلى فواتير حرب الأسد الأخرى التي التهمت أبناءهم وراكمت أعداد الأيتام والأرامل، ومدّت مساحات الخراب إلى كل جوانب الحياة!

يعضّ الجوع الكافر أحشاء السوريين، وعلى النظام، والمحتلين، وكل العالم المتفرج، أن يحترسوا من صرخة الجياع الأليمة!

مقالات متعلقة

  1. هل بدأ "حزب الله" الحرب الأهلية في لبنان
  2. سنوات الجوع
  3. جمال.. غياث.. لوكربي
  4. "الكبتاجون" أبرز علامات النصر

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي