بعد توتر وخلافات.. هل ترسم لقاءات الاتحاد الأوروبي في أنقرة تفاهمات جديدة

  • 2021/04/09
  • 4:14 م

صورة تعبيرية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلف علم الاتحاد الاوروبي (DW)

عكس اللقاء الذي جرى بين مسؤولين رفيعي المستوى في الاتحاد الأوروبي، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة، في 6 من نيسان الحالي، نية مشتركة في التقارب وتذليل العقبات والتوترات، التي وصلت إلى حد المناورات العسكرية ببحر إيجة في 2020.

إذ اجتمع في أنقرة كل من رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، مع أردوغان، وأكد ميشيل أن أوروبا مستعدة لتقديم أجندة ملموسة، فيما يخص موضوع الهجرة والترابط بين الشعوب، إضافة إلى توطيد التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة.

وقال إن “المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ذات منفعة متبادلة، وعلاقات إيجابية مع تركيا والأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط”.

بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، يوم اللقاء، إن اجتماع أردوغان مع مسؤولي الاتحاد، مضى إيجابيًا بشكل عام، وفق وكالة الأنباء التركية الشبه الرسمية “الأناضول”.

وأوضح قالن في بيان كتابي، أن اللقاء جرى بشكل عام في أجواء إيجابية، وقُيّمت من خلاله العلاقات التركية- الأوروبية من جوانب عديدة، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي “أكد للمسؤولين الأوروبيين أن الهدف النهائي لبلاده من مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي هو العضوية التامة فيه”.

وشرح أن اللقاء تناول ملفات تحديث اتفاقيتي “الهجرة” و”الاتحاد الجمركي”، وإعفاء المواطنين الأتراك من شرط التأشيرة الأوروبية، والاتصالات بين الشعوب، والاستشارات السياسية الرفيعة المستوى بين الجانبين، مضيفًا أن أردوغان دعا المسؤولين الأوروبيين إلى اتخاذ خطوات ملموسة لدعم الأجندة الإيجابية بين الجانبين.

في مطلع كانون الثاني 1996، انضمت تركيا للاتحاد الجمركي الأوروبي، الذي شكّل البعد الرئيس للعلاقات بين الطرفين، وفق “الأناضول”.

ويمثل كل من مجلس الشراكة ولجنة الشراكة ولجنة التعاون الجمركي واللجنة المشتركة للتعاون الجمركي، الأجهزة الرئيسة لنظام الشراكة الموجود حاليًا بين الطرفين.

وأكد متحدث الرئاسة التركية ضرورة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الطرفين، ما من شأنه الإسهام في دعم استقرار تركيا ودول الاتحاد، و”إحلال السلام العالمي”.

وأضاف قالن، “شدد الرئيس التركي على أهمية تناول مشكلة اللاجئين بحس المسؤولية المشتركة، وضرورة تحديث اتفاقية الهجرة بالسرعة القصوى في مواجهة الفوضى والأزمة الإنسانية التي قد تنشأ في حال وقوع موجة لجوء جديدة في المنطقة”.

أما بصدد انسحاب أنقرة من اتفاقية “اسطنبول” (المناهضة للعنف ضد المرأة)، فشدد أردوغان على أن العنف ضد المرأة هو مشكلة عالمية، وأن بلاده ستواصل مكافحة هذه المشكلة بمختلف أشكالها.

وفي 20 من آذار الماضي، انسحبت تركيا من اتفاقية “اسطنبول”، بموجب مرسوم رئاسي.

وأوضح المرسوم الذي نُشر في الجريدة الرسمية التركية حينها، أن تركيا قررت من جانبها الانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة، والعنف الأسري، ومكافحتهما، والتي وُقّعت في 11 من أيار 2011، وتم التصديق عليها في 10 من شباط 2012 بقرار من مجلس الوزراء.

وعلّق نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكتاي، على قرار الانسحاب عبر “تويتر”، “مصممون على نقل نضالنا الرامي لرفع مكانة المرأة التركية إلى مستويات أعلى، مع المحافظة على نسيجنا الاجتماعي التقليدي، ولا داعي للبحث عن الحلول في الخارج أو تقليد الآخرين من أجل تحقيق هذا الهدف السامي، فالحل يكمن في عاداتنا وتقاليدنا وجوهرنا”.

وفي توضيح لاحق، قالت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية في بيان نشرته في 21 من آذار الماضي، إن الانسحاب من اتفاقية “اسطنبول” جاء بسبب “التلاعب بها من قبل شريحة تحاول تطبيع المثلية الجنسية التي تتعارض مع قيم تركيا الاجتماعية والعائلية”.

خطوات ثنائية لرأب الصدع

يمكن وصف زيارة قادة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا في هذا الوقت بالإيجابية، على الرغم من التباين الواضح في موقف المسؤولين، بحسب ما يراه الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو.

ويعد التشديد  على أهمية الحوار من أهم مخرجات القمة، وذلك بعد أن عرض الطرفان قائمة طويلة من المواضيع الشائكة التي تشوب العلاقات بين التكتل الأوروبي وتركيا، وفق عودة أوغلو، الذي أكد أنه رغم تبادل الانتقادات بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، فإن كليهما مهتم بالتعاون في العديد من المجالات.

وأضاف عودة أوغلو، في حديث إلى عنب بلدي، أن كلًا من تركيا والاتحاد تربطهما مصالح تجارية واقتصادية، فضلًا عن أزمة اللاجئين التي تملي على كل طرف الالتزام بوعوده تجاه الآخر، لذلك سيكون عليهما في مقبل الأيام إيجاد شكل جديد للعلاقة بينهما، من خلال صياغة أهداف جديدة للتعاون.

وعقب اجتماع الاتحاد الأوربي في أنقرة، قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، “أظهرت تركيا بالفعل أنها تريد إقامة علاقة مرة أخرى بطريقة بناءة، لذلك وصلنا إلى إضافة زخم لعلاقاتنا مع تركيا. ناقشنا التعاون في المجالات التي من شأنها أن تقدم فوائد لكلا الجانبين”، وفق تعبيرها.

وأوضحت أنها ناقشت في محادثتها مع أردوغان أربع نقاط من شأنها توفير الفائدة لكلا الجانبين، لافتة إلى ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية.

وتابعت، “الاتحاد الجمركي التركي يعد شريكًا قيمًا له أهمية حيوية. سنعمل على تنفيذ تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي”، مشيرة إلى أن ذلك سيجري من خلال تناول التحديات التي تقف في وجه تطبيقه.

حذر وترقب

توقيت الزيارة كان مهمًا، بعد أشهر من التوتر بين تركيا واليونان في حلبة بحر إيجة، التي شهدت مناورات عسكرية بين الطرفين.

ويرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أن هذه التحركات تأتي في إطار محاولات الأوروبيين للدفع باتجاه انطلاقة جديدة للعلاقات بين أنقرة وبروكسل (عاصمة الاتحاد)، بينما وعدت تركيا الاتحاد بالعمل على برنامج إيجابي.

“لكن الحذر لدى القادة الأوربيين ما زال سيد الموقف، وبانتظار إثبات الرئيس أردوغان قدرته على إقناع الأوروبيين أنه لا يزال شريكًا موثوقًا”، بحسب عودة أوغلو.

ويعتقد المحلل السياسي أن أي نتائج إيجابية في مسار العلاقات التركية- الأوروبية، ستحقق مكاسب اقتصادية ودبلوماسية رئيسة بالنسبة لتركيا والدول الأوروبية، خاصة في مواجهة أعباء اللاجئين “الهاجس الأكبر بالنسبة للأوروبيين”.

وفي 5 من نيسان الحالي، أفاد مسؤول في الاتحاد الأوروبي لوكالة “فرانس برس”، بأن ما يمكن لبروكسل تقديمه في إطار اللقاءات (المذكورة سابقًا)، تحديث الاتحاد الجمركي، وتحرير قواعد التأشيرات، والمزيد من الأموال للاجئين السوريين، فضلًا عن استئناف الحوارات الرفيعة المستوى حول مواضيع من الأمن إلى الصحة.

واستدرك أن هذه العروض ستكون ضمن خطوات “مرحلية ومتناسبة وقابلة للتراجع”، محذرًا من إمكانية فرض عقوبات “مؤلمة” على أنقرة إذا تراجعت.

وتابع في السياق، “إذا لم يظهر أردوغان أنه متعاون، فسيتم حظر كل شيء”، وفق قوله.

ونقلت الوكالة في ذات التقرير عن أحد الدبلوماسيين في الاتحاد قوله، إنه “لن يكون إقناع الزعيم التركي بقبول الشروط سهلًا، وقد ضغط بالفعل على الاتحاد الأوروبي للتحرك بشكل أسرع نحو نتائج ملموسة”.

ويرى الدبلوماسيون أن أردوغان أصبح أكثر مرونة في مواجهة المشكلات الاقتصادية بالداخل، ولا سيما في ظل الموقف المتشدد لواشنطن بعد خروج حليفه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من البيت الأبيض.

ثمار اللقاءات تجنيها التفاهمات

بدوره، يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، أن هذا التحرك الثنائي يعكس نوايا إيجابية بين الطرفين، لا سيما بعد الخلاف الكبير بين أنقرة والاتحاد على عدة أمور، أهمها أزمة الحدود المائية الإقليمية مع اليونان في بحر إيجة، وتنقيب تركيا عن موارد الطاقة، وفتح تركيا منطقة “مرعش” في قبرص الشمالية، وخروجها من اتفاقية “اسطنبول”.

وأضاف في لقاء مع عنب بلدي، “الأمور متجهة نحو الإيجابية بما أن هذا التحرك ثنائي من الجانبين، ولكن لا نستطيع التكهن بمقدار هذه الإيجابية، وهو ما سينكشف في الأيام المقبلة”، مردفًا أن مقدار نجاح هذه اللقاءات مرتبط بمدى النجاح في تذليل الملفات العالقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

وتابع، “لا يمكن القول إذا نجحت هذه المسارات في الحوار كل شيء سينجح، فهناك ملفات قديمة وحديثة وستستحدث، ولا نعرف الخلافات التي ستحل وستتولد”، مشيرًا إلى أن مقدار الإيجابيات في هذا التقارب سيكون وفق التطورات على الملفات العالقة.

تركيا بين حزبين

وشهد الاتحاد الأوروبي انقسامًا في آراء أعضائه حول كيفية التعامل مع تركيا، فالطرف الأول المتمثل بكل من قبرص اليونانية واليونان وفرنسا، دعا إلى اتخاذ موقف متشدد من أنقرة، بينما حث الطرف الثاني الذي تقوده ألمانيا (القوة الاقتصادية الأوروبية)، على مزيد من المشاركة.

وبدأت أنقرة محادثات رسمية للانضمام إلى التكتل عام 2005، لكن هذه العملية تجمدت مع الخلافات الناشبة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

من جهته، أصر منسق السياسة الخارجية للكتلة، جوزيب بوريل، على أن العرض الأخير للتعاون من قادة الكتلة، “يمكن أن يكون فصلًا جديدًا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا” بعد تدهورها في 2020.

وكتب، “لا يزال الوضع هشًا، لكن الاتحاد الأوروبي يرحب بهذه التطورات والإيماءات القادمة من جانب تركيا، ورد بمد يده”.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي