كمشتك

  • 2021/04/04
  • 11:33 ص

نبيل محمد

“كمشتك” عنوان برنامج يُبَث على “يوتيوب”، تبثّه قناة “نيودوز”، ويبدو أنه يحظى بشعبية كبيرة داخل سوريا، إذ إن وجه مقدمه معروف لأغلبية مرتادي “يوتيوب” السوريين، ويفاجئك أن أغلبية الأشخاص الذين يلتقي بهم في الشارع يعرفونه، إذ تحظى فيديوهاته الطويلة نسبيًا على القناة بمئات آلاف المشاهدات وأحيانًا بالملايين، ولا يبدو ذلك غريبًا، فهي تحمل موضوعات خفيفة، تبتعد كليًا عن السياسة أو تحاول ذلك، وتقترب من جيل المراهقين والشباب، ولا تتعدى كونها جولة في شوارع مدينة سورية، يُسأل فيها المشاةُ في الشارع أسئلة خفيفة ومفاجئة أحيانًا، أو يتم تحدّيهم للقيام بسلوك ما، وهو أسلوب قديم نسبيًا في فضاء “يوتيوب”، ولعله واحد من أشهر وأقدم أساليب “اليوتيوبرز” لتجميع أكبر عدد ممكن من المتابعين والمشاركين.

كمقيم في خارج البلاد، ولم تزرها منذ سنوات طويلة، وهو حال أغلبية السوريين في بلدان اللجوء والمهجر اليوم، تجد هذه الفيديوهات طريقها إليك، وتجد متسعًا من وقتك دائمًا للمتابعة، رغم أنها قد لا تنتمي إلى قائمة المواد التي تعجبك وتتابعها على الشبكة، لكنها تجيب عن كثير من الأسئلة في ذهنك عن مناطق جغرافية كانت يوميًا مرتعًا لحياتك اليومية، إذ تظهر الشوارع والأزقة بصورة طبيعية دون المرور في دوائر الإنتاج في أحد التلفزيونات السورية التابعة للنظام أو شبيهاتها، كما يظهر السكان أيضًا بصورة غير مزيفة، خاصة جيلًا من المراهقين والشباب، أولئك الذين يعيشون اليوم في سوريا ويخططون مشاريع مستقبلهم فيها، وقد قضوا أغلبية أعمارهم يعيشون الحرب ومفرزاتها.

قد يكون من اللافت اليوم أن نسمع آراء ومواقف جيل سوري جديد، ونتتبع فيما يقول ملامح الشخصيات ومواقفها، التي أنتجتها ظروف الحرب قبل أن ينتجها أي شيء آخر، بعيدًا عن السياسة والقضايا الجدية الكبرى، التي ستمنعهم لا شك عن التعبير بوضوح عن أي شيء، وستمنعنا عن رؤية أي شيء طبيعي فيهم.

بين تحدي مسح المكياج في الشارع، وتحدي الاتصال بالأهل وإخبارهم بنقش وشم على الجسم، وبين مواصفات فارس الأحلام، وأجمل عشر كلمات تسمعها، يمر فيديو بعنوان “سألنا الكبار بالعمر شو كان حلمن يطلعو هنن و صغار و شو طلعوا”، الفيديو الذي تجولت فيه الكاميرا بين وجوه مسنين، أو ممَّن تفترض الكاميرا أنهم مسنون، يخجل بعضهم من الإجابة الصريحة، ويواجه آخرون الكاميرا بقوة، ليكون هذا الفيديو حالة استثنائية في كل ما قدمته القناة، ويخرج عن الإطار الخفيف الذي يسعى إلى عدم ملامسة السياسة المحظورة في سوريا، ليلامسها عن بُعد برمزيات وجمل تخرج عفوية من هذا وذاك، لكنها تبسّط كل شيء.

مسنّة سيقودها السؤال عن حلم طفولتها، لتقول “أنا أم شهيدين وزوجة شهيد”، أي حلم تحقق في حياتها سيكون له أثر بعد هذا؟ ما تتمناه هذه المسنّة من الشباب حاليًا، بناء على سؤال المقدّم، هو أن “لا يتجادلوا مع أحد كثيرًا فالأيام أصبحت مخيفة”. أما صانع الحلوى الذي يفتخر بأنه يتقن صناعة 300 نوع من المصّاص، فيرى أنه حقق أحلامه في مهنته، لكنه يعيش اليوم معتمدًا على النقود التي يرسلها ابنه من ألمانيا، فلا أحد يمكنه شراء الكراميل لأبنائه اليوم. إلى ذلك الذي يجر عربته خلف حلمِ أن يصبح تاجرًا، بعد أن فقد مشغله في منطقة القدم بدمشق.

وجوه متعبة، تكاد تخلو من الابتسامة، على الرغم من أن السؤال من المفترض أن يدعو المسنّ للابتسام وهو يستحضر ذاكرته، كل المسنين في الفيديو مسكونون بالراهن، تعود أحاديثهم إليه، فإن وطأته قد غطّت على حلم الطفولة، بينما بعضهم يخشى أن يفهم كلامه أمام الكاميرا على أنه ينتقد الدولة “لا سمح الله”، فيغطّي على ذلك ببعض كلمات توجّه اللوم للشعب لا للقيادة، خائفًا من مخبر قد يحضر الفيديو. يمر هذا الفيديو بسؤاله البسيط، لترى فيه المدن المدمّرة، والجثث المتراكمة، والمخيمات الموحلة، بأصوات ووجوه أولئك الذين يدخّنون سجائرهم عابسين، كل شيء مرّ في حياتهم أصعب من أن يقال أمام كاميرا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي