الصين والمشاركة في الجريمة السورية

  • 2021/04/04
  • 10:30 ص

إبراهيم العلوش

أثارت اتفاقية التعاون الصيني- الإيراني زوبعة من ردود الفعل الدولية خلال الأيام الماضية، واستبشرت دولة الملالي باستعادة دورها التخريبي في المنطقة، خاصة في سوريا وبمعونة صينية، بعد إطلاق الصلاحيات للصينيين في جزر الخليج الإيرانية، والسماح لهم باستخدام بعض القواعد العسكرية في إيران.

جولة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الأسبوع الماضي في الشرق الأوسط، دشنت مرحلة جديدة في التدخل الخارجي الصيني، ومع توقيع اتفاقية التعاون الصيني- الإيراني، ستبدأ حتمًا جولة جديدة من الدعم الصيني لبشار الأسد، وسيتطور الدعم من استعمال “الفيتو” والرعاية الدبلوماسية لنظام القتل والتعذيب، إلى دعم التدخل الإيراني في سوريا عبر فك الحصار الدولي عن دولة الملالي وإعادة تسليحها عبر ضخ 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني.

قد تبدو هذه الاتفاقية شأنًا خاصًا بإيران والصين، أو حلقة من حلقات الصراع الغربي- الصيني عبر العالم، ولكن ما يهمنا منها كسوريين هو انعكاسها علينا، ودعمها لاستمرار الحرب ضد السوريين، حيث انضمت الصين إلى روسيا وإيران بشكل شبه علني بتوقيع اتفاقية التعاون العسكري والمالي مع إيران، إذ لم تعد الصين تكتفي بالدعم الدبلوماسي لنظام الأسد، بل صارت تدعم إيران، وقد تشجعها على إنعاش مشاريعها التخريبية في المنطقة.

استطاع وزير الخارجية الصيني أن يموّه الهدف من زيارته للمنطقة وهو توقيع الاتفاقية مع إيران، عبر نشاط دبلوماسي واسع في المنطقة من خلال زيارة الرياض، وعواصم الخليج الأخرى، والعاصمة التركية أنقرة، وذلك بعد مشاوراته، في 22 من آذار الماضي، مع لافروف، وزير خارجية روسيا، والمتعهد الدبلوماسي لحرب الإبادة في سوريا. لقد بدأت الصين حربًا جديدة في الشرق الأوسط عبر تدخلها واسع النطاق في المنطقة، وإعادة استخدام اللاعب الإيراني الذي أسهم مع نظام الأسد وروسيا بتدمير سوريا وتهجير نصف شعبها.

تتمتع الصين بقوة اقتصادية كبيرة بالإضافة إلى تنامي قوتها العسكرية، واستطاعت أن تجتاح القارة الإفريقية في العقود الماضية، وأعادت استعمار عدد من الدول الإفريقية عبر دعم الدكتاتوريات، والسيطرة على الموارد الاقتصادية فيها، وفرض استيطان جاليات صينية بأعداد كبيرة في تلك الدول، وتحميل عدد من الدول الإفريقية ديونًا يحتاج سدادها إلى عشرات السنين، أو إلى المزيد من التنازلات الداخلية للصين، وهذا ما يذكّر بطرق الاستعمار الغربي التي كانت في القرن الـ19، عندما كانت تُغرق الدولة بالديون حتى تفرض الوصاية عليها، ولعل قصة مصر واستيلاء الدول الغربية على قناة “السويس” قصة نموذجية لاستذكار تلك السيناريوهات التي تعيدها الصين اليوم مع إفريقيا وتنتقل بها إلى إيران.

وقد يعيد التاريخ نفسه بعد أقل من مئة عام في سوريا، عندما احتلت ألمانيا العاصمة الفرنسية باريس التي كانت تفرض الانتداب على سوريا في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، وها هي طهران عاصمة محور الممانعة التي تحتل دمشق، قد تصبح رهينة للتدخل الصيني فيها ولمدة 25 عامًا مقبلة كما تنص الاتفاقية، إذ إن الصين ستتدخل بكل تفاصيل الدولة الإيرانية من البترول إلى الجيش وصولًا إلى جمع القمامة والاستثمار فيها، وصار من حق القوات الصينية التجول في الخليج وبناء القواعد العسكرية في بعض الجزر الإيرانية، التي تنص عليها الاتفاقية، والسماح باستقبال أعداد كبيرة من الصينيين فيها، وذلك للحفاظ على استمرار نظام الملالي وتمويل حروبه الطائفية في المنطقة العربية.

ولعل تغنّي حسن نصر الله بالصين في خطاباته الأخيرة بعد إفلاس نظام الفساد اللبناني الذي يديره مع ميشال عون، ودعوته إلى طلب التمويل الصيني للبنان، ليس مجرد اقتراح لأحد قادة الممانعة بل هو اعتراف بالتغيرات التي طالت إيران، وقرب تبعية محور الممانعة للصين، رغم كل شعارات الاستقلال ومكافحة القوى الخارجية، تلك الشعارات التي أغرت كثيرًا من الأحزاب اليسارية العربية للانضمام إليها، وصارت أداة ترويج للخرافات الإيرانية في الاستقلال والتصدي للإمبريالية، والزحف فوق الشعوب العربية في الطريق إلى القدس.

لا شك بأن الصين لاعب دولي كبير، ولا شك أيضا بأنها لن تعطي شيئًا دون مقابل، خاصة أن الأنظمة التي تدعمها الصين، مثل كل الدول الاستعمارية، هي الأنظمة الاستبدادية التي تتميز بالعنتريات والأكاذيب الوطنية والقومية والدينية، تلك الشعارات التي يتلخص الهدف منها باستمرار الاستبداد وتأبيد الأنظمة الحاكمة فيها.

وبنية الصين نفسها لها نفس الصبغة، فالرئيس الصيني، شي جين بينغ، صار يمكنه البقاء إلى الأبد في الحكم، أسوة ببوتين، وخامنئي، وبشار الأسد، ونظام الرقابة الصيني شديد الصرامة على كل وسائل التواصل، والاضطهاد الديني والقومي يتميز بشهرة واسعة في التبت، وهونغ كونغ، وضد الشعوب الأخرى من غير قومية الهان، وقد حققت الصين أرقامًا قياسية في بناء السجون والمعتقلات، فالسجن الذي يُعتقل فيه أبناء شعب الإيغور المسلم يصل عدد محتجزيه إلى مليون إنسان، والاعتداء الجسدي فيه أمر منظّم، وعمليات غسل الدماغ تتم بمهنية عالية، حيث يتم اعتقال رجال الإيغور وشبابهم في المعتقلات الجماعية، ويقوم رجال الأمن والمراقبة بالنوم في منازل عائلات المعتقلين، للتأكد من تخلي العائلات عن لغتها وديانتها الأصلية، وإجبارها على تعلم اللغة الرسمية، وهي لغة الماندرين، رغم وجود أكثر من مئة لغة محلية في الصين. وهذا السلوك الصيني سيكون أكبر خطر على النسيج المتنوع لشعوب المنطقة، وسيجعل سلوك “داعش” مجرد سلوك متخلف ومضحك أمام تقنيات الإرغام والقسر الصينية.

الصين قادمة إلى الشرق الأوسط بتقنياتها الهائلة، وبكل التلوث الذي أنتجته عبر العالم، وهي قادمة بمفاهيمها ومبادئها التي تحتقر حقوق الإنسان، وبعطشها الذي لا يرتوي إلى الموارد الاقتصادية، وإلى الطرق التجارية البرية والبحرية، ولكن التدخل الصيني- الإيراني الجديد لن يكون مصيره في سوريا أفضل من نسخة التدخل الروسي- الإيراني الذي دمّر سوريا وعجز عن إيجاد السلام فيها، وألحق العار بهما. فهذه الأنظمة الدكتاتورية العمياء لم تفهم ثورة الشعب السوري، ولم تفهم إصرار السوريين على الخلاص من نظام الاستبداد رغم الأثمان الباهظة التي يدفعونها كل يوم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي