أسامة آغي
برعاية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، انعقد مؤتمر “بروكسل” الخامس حول سوريا، وذلك في 29 و30 من آذار الماضي. هذا المؤتمر الذي ينعقد سنويًا، أعاد التأكيد على أن حلًّا مستدامًا للصراع السوري، يمكن أن يستند فقط إلى بيان “جنيف” 2012، وتنفيذ قرار مجلس الأمن “2254” لعام 2015.
هذا التأكيد سمعه ميخائيل بوغدانوف بأمّ أذنيه، فتجاهل جوهر الصراع السوري، حاصرًا الأمر بأن “العقوبات هي التي توجع سوريا، التي تواجه أزمة إنسانية كبيرة”، وفق رأيه.
لم يقل بوغدانوف ما سبب العقوبات الدولية على النظام السوري، بما فيها عقوبات قانون “قيصر”، ورفض أي مسعى لإعادة إعمار سوريا. لماذا لا يعترف بوغدانوف بأن هذه العقوبات المطبّقة بحق نظام الأسد، أساسها رفضه تنفيذ القرارات الدولية، التي شاركت روسيا بالتوقيع عليها، وهي (أي روسيا) من يساند النظام بالتملص من تفعيلها، لا بل هي من اشتق طرقًا أخرى للالتفاف على هذه القرارات، مثل مساري “أستانة” و”سوتشي”.
بوغدانوف لا يريد ونظامه أن يريا الصراع السوري على أنه صراع بين شعب يريد الخلاص من نظام استبدادي فاسد، ونظام ارتكب مجازر فظيعة بحق السوريين، وهناك أدلة قاطعة على ما ارتكبه هذا النظام، بل يريد أن يصوّر الأكاذيب وكأنها حقائق، فيقول في معرض تضليله المستمر، إن “المتشددين لا يدعون السكّان المدنيين يغادرون إدلب من خلال الممرات الانسانية”، وبرأيه فإن المساعدات الإنسانية لا تصل إلى الناس، في وقت لا يعترف هو بأن الناس الذين يريدهم أن يعودوا، هم في الأساس هربوا من بطش نظام حليفهم الأسد.
لم يقل لنا بوغدانوف مقدار الحقيقة بكلامه، رغم أن العالم يعرف حقيقة الموقف الروسي، الداعم لإرهاب الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية في العالم. فإصرار الروس على أن تمرّ المساعدات الإنسانية للسوريين عمومًا عبر منفذ حدودي يتحكم به النظام، يعني أن الروس يريدون من المجتمع الدولي أن يعترف بشرعية نظام بشار الأسد، ويريدون أن يعترف هذا المجتمع الدولي، بأن من خرج متظاهرًا سلميًا ضد الاستبداد هو إرهابي.
الروس لا يزالون يغمضون أعينهم عن تنفيذ القرار الدولي “2254”، وبيان “جنيف 1″، رغم أنهم من أسهم بصياغة هذين القرارين، وهذا يكشف ازدواجية فهمهم للأمور، فكل ما يتعلق بمصالحهم ومصالح النظام السوري، يعتبر حقيقة يجب أن يأخذ العالم بها، وكل ما عداه، ووقع في تناقض مع سلوكهم الوحشي في سوريا، وسلوك حليفهم النظام السوري، فهو باطل، يراد به التدخل بشؤون بلد مستقل عضو في الأمم المتحدة.
الروس الذين يصرّون على أن يتولى نظام الأسد توزيع المساعدات الإنسانية، هم من يمنعون مجلس الأمن من اتخاذ قرار جديد لتوزيع هذه المساعدات في عموم سوريا، أي في شمالها وشمال شرقها وشمال غربها، لأنهم لا يريدون أن توزع هذه المساعدات إلا من نافذة النظام السوري، وعمليًا، هم من يفاقم المجاعة في هذا البلد، وتحديدًا في مناطق خاضعة لهيمنة نظام الأسد.
هذه الممارسة الروسية، تكشف عن مخطط روسي صريح وواضح، وهو سعيها الدؤوب لإعادة تأهيل نظام الأسد، من خلال إفشال عمل اللجنة الدستورية، ودعم النظام لإجراء انتخاباته الرئاسية المزيفة، خارج إرادة القرارات الدولية، التي شاركوا بأنفسهم في إخراجها، دون فحص ما يترتب على هذا السلوك من مراكمة تعقّد الحل السياسي، وتؤخره، على حساب السوريين الجائعين المحطمين الصامدين.
إن روسيا بدعمها لعدوان النظام السوري على شعبه، تمارس لعبة غير مضمونة النتائج على الوضع في المنطقة، وفي العالم، فهي تدفع البلاد إلى مزيد من التناحر العسكري، والانقسام السياسي والمجتمعي، هذا الموقف الروسي، الرافض لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، تقف خلفه عقلية الابتزاز، ما يسمح بالقول، إن الدور المنوط بهذه الدولة، كعضو دائم في مجلس الأمن، يحتاج إلى مراجعة جدية.
إن معادلة الحل السياسي للصراع في سوريا، التي ترتكز على بيان “جنيف 1” والقرار “2254”، تحتاج إلى وضع خارطة طريق بين القوى المنخرطة بهذا الصراع، ونقصد بذلك، الدول المتدخلة بهذا الصراع بصورة مباشرة على الأرض، فلا يكفي التلطي خلف بند المساعدات الإنسانية، لإدارة الصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبين الروس وحليفهم الصيني من جهة أخرى، بل يحتاج الأمر من القوى الفاعلة دوليًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى وضع خارطة طريق تُجبر نظام الأسد وحلفه الروسي- الإيراني على سلك طريق التفاوض وفق “2254”.
وبغير ذلك، فإن المجتمع الدولي يسهم بقصد أو من دونه في تعقيد الحل السياسي في سوريا، ما يسمح بنشوء اتجاهات سياسية خطرة، لا يمكن ضبطها لاحقًا، كالتطرف، وازدياد ظاهرة الإرهاب، نتيجة اليأس من حل عادل للصراع في هذا البلد.
الحل السياسي للصراع السوري هو مسؤولية طرفي النزاع الدولي حاليًا (الروس والغرب)، فالطرفان رغم اختلاف موقفيهما من قراءة القرار الدولي “2254”، فإن مسؤوليتهما تتباين بينهما، فالغرب يصرّ على تنفيذ القرارات الدولية، بينما الروس يقومون بتعطيلها، ولعل سبب ذلك هو موقف الروس الذي يأخذ الورقة السورية كورقة تفاوض أوسع من الصراع السوري، أي أن الروس لا يريدون حلًا سياسيًا سوريًا محضًا، بل يريدون حلولًا تتزامن مع الحل السوري لقضايا صراعاتهم مع الغرب وفي مقدمتها الوضع الأوكراني في شبه جزيرة القرم، ووضع الطاقة.
وفق هذا المنظور السياسي، يمكن فهم التالي: الغرب سيزيد من درجة العقوبات بحق النظام اقتصاديًا، وهذا يعني سحب قاعدته من تحت قدميه، هذه القاعدة، التي بدأت تجوع، وتكفر بأوضاعها المزرية، هي من سيسرّع بانهيار النظام العاجز عن تأمين الخبز والوقود، وبالتالي غير القادر على الحياة.
هذا المنظور الغربي لإدارة الصراع مع الروس، سيجعل الروس في حالة عجز وتخبّط سياسي واقتصادي، ولعلّ دعمهم لانتخابات زائفة، ويعرفون أنها زائفة، سيدفعهم إما للاحتفاظ بشيء من عائدات استثمارهم العسكري والسياسي في سوريا، بموافقة دولية مشروطة بتنفيذ القرار “2254”، وإما الذهاب إلى الهاوية.
الروس براغماتيون بعقلية مافيوية، ولهذا، يتوقع منهم تغيير دفة مواقفهم، مع عضة أو عضتين من عقوبات الغرب الشديدة في جسد النظام ومن يسانده.
النهايات لا تبدو بعيدة مع تراكم الفشل الذي يغرق فيه نظام الأسد، فهل سيتصرف الروس وفق هذه الرؤية، أم سننتظر وقتًا إضافيًا آخر من عذابات السوريين؟