“بذور الموت” تغزو الباغوز بعد عامين من هزيمة تنظيم “الدولة”

  • 2021/04/04
  • 11:26 ص

مقاتلون مع قوات سوريا الديمقراطية يمشون وسط الركام وبقايا الصواريخ في قرية الباغوز بريف دير الزور- آذار 2019 (AFP).

دير الزور – حسام العمر

متكئًا على عكاز صُنع من الخشب صار محمد يرعى أغنامه، بعد فقدانه إحدى قدميه بلغم من مخلفات الحرب على أطرف بلدة الباغوز بالريف الشرقي لدير الزور.

محمد جدعان شاب في العشرينيات من عمره، وجد نفسه ضحية لمخلفات المعارك التي خاضها مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في آخر معاقلهم بسوريا، مطلع عام 2019.

رغم مرور عامين على إعلان مقاتلي “قسد” القضاء على التنظيم، بمعونة من “التحالف الدولي”، في 23 من آذار عام 2019، لا يزال أهالي بلدة الباغوز يخشون من الألغام المنتشرة بين الأراضي الزراعية وعلى أطراف البلدة وداخل بعض منازلها، ما يصعب عودة الحياة إلى شكلها الطبيعي.

لا إحصائيات دقيقة مع تزايد المخاطر

لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الألغام في الباغوز، وقد تتجاوز نسبة المنازل الملغمة 70%، حسبما قال سكان من البلدة لعنب بلدي، كما أشاروا إلى عدم وجود تواتر محدد لانفجارات الألغام، لكن مع عودة المزيد من السكان إلى البلدة ازدادت الحوادث.

اعتبر التفخيخ وزرع الألغام إحدى أبرز الاستراتيجيات التي اتبعها التنظيم في حربه ضد خصومه وفي الأماكن التي يتحصن بها، إذ خلف في المدن التي كان يسيطر عليها قبل انسحابه آلاف الألغام والعبوات الناسفة، التي زرع عددًا منها في منازل المدنيين وبعض المرافق العامة، كما في مدينة الرقة والطبقة وأرياف دير الزور.

ولا يوجد رقم دقيق يتحدث عن المصابين أو الذين فقدوا حياتهم جراء انفجار الألغام منذ سيطرة “قسد” على الباغوز، لكن من المؤكد أن سبعة أشخاص قُتلوا مع وقوع عشرات الإصابات بين خفيفة ومتوسطة وحالات بتر لأطراف خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حسبما قال أحد العاملين في القطاع الصحي لعنب بلدي.

عامل القطاع الصحي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأنه لا يملك تصريحًا للتحدث إلى الإعلام، أكد أن الوضع يزداد خطورة في الباغوز، خصوصًا مع تزايد أعداد العائلات العائدة إلى البلدة، بعد أن تم السماح لها بالخروج من مخيم “الهول” في محافظة الحسكة، الذي كان يضم مئات العائلات التي تركت المنطقة بعد اشتداد المعارك بين “قسد” وتنظيم “الدولة”.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، عادت عشرات العائلات من مخيم “الهول”، الذي تسيطر عليه “قسد”، إلى قراها في ريف دير الزور، وجاء ذلك عقب تصريح لرئيسة الهيئة التنفيذية في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، في 4 من تشرين الأول 2020، تحدثت فيه عن اتفاق عُقد مع “الإدارة الذاتية” لإخراج السوريين من المخيم.

نقص في الرعاية والدعم

فرحان العنّو (40 عامًا)، من سكان حويجة خنافر أو ما صار يعرف محليًا بمخيم “الباغوز”، كان قد أسعف أطفالًا مع امرأة إثر انفجار لغم بهم في أثناء قيامهم بتنظيف منزلهم الذي عادوا إليه أواخر عام 2020، قال لعنب بلدي إن أحد الأطفال توفي نتيجة نقص المعدات الطبية والأدوية في المركز الصحي ببلدة الباغوز.

وتحدث فرحان عن فواتير مرتفعة التكلفة تتقاضاها المستشفيات الخاصة، التي يلجأ إليها المسعفون أحيانًا في الحالات الخطرة التي يتعذر على المركز الصحي التعامل معها.

وأقر عامل القطاع الصحي برداءة الخدمات الصحية المقدمة للسكان، وبذات الوقت تحدث عن بدايات لتحسن الوضع بجهود على رأسها إعادة تفعيل مستشفى بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي، إلى جانب خطوات العمل الحالية لإعادة تأهيل مستشفى “هجين الوطني”، ليضاف إلى المستوصف الوحيد في بلدة الباغوز.

“تستطيع وصفها ببذور الموت، تركتها لنا المعارك التي شهدتها بلدتنا، التي حُملت أوزارًا لا طاقة لها بها”، هكذا وصف وجيه إحدى عشائر الباغوز لعنب بلدي حال الألغام في البلدة.

وجيه العشيرة، الذي تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن السكان وجهوا مناشدات عديدة لـ”التحالف الدولي”، خلال اجتماعات عقدها الأخير مع سكان المنطقة أو وفود تنوب عنهم، طالبوا فيها بضرورة إنشاء فرق مختصة بنزع الألغام لتخليص البلدة منها ومن مخلفات الحرب التي لم تنفجر بعد، مثل قذائف “الهاون” والمدفعية، لكن طلباتهم لم تلبَّ بعد.

بينما أنشأ شبان من أبناء بلدة الباغوز فريقًا تطوعيًا لجمع الألغام ومخلفات الحرب، لكن لا يزال هذا الفريق في طور البدايات وتنقصه الخبرة الكافية، في حين اقتصر دور “مجلس دير الزور العسكري”، التابع لـ”قسد”، على تقديم بعض المعدات الخاصة بكشف الألغام للفريق.

قال أحد أعضاء الفريق التطوعي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، لعنب بلدي، إن إنشاء الفريق كان نتيجة تأخر “التحالف الدولي” و”قسد” في تلبية نداءات الأهالي بعد تكرار انفجار الألغام التي غالبًا ما يقع ضحيتها الأطفال.

وبحسب عضو الفريق، فإن أبرز التحديات التي تواجه العاملين على الكشف عن الألغام هي نقص الخبرة الكافية في التعامل معها، إضافة إلى كثافة التلغيم في بعض الأماكن، مضيفًا أن المنطقة بحاجة إلى فرق مختصة على غرار “فرقة هندسة الألغام”، التابعة لـ”الأمن الداخلي” في مدينة الرقة، والتي كان لها دور رئيس في التخلص من مخلفات الحرب في المنطقة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع