خليل معتوق.. الغائب قسريًا الحاضر في قضية المعتقلين السوريين
“العمل في مجال حقوق الإنسان يجب أن يكون منزهًا عن أي ميل أو هوى في السياسة لأي اتجاه كان”، بهذه الكلمات وصف المحامي والناشط الحقوقي السوري، خليل معتوق، عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان.
ومعتوق هو محامٍ وناشط حقوقي سوري ومدافع عن حقوق الإنسان، أمضى 20 عامًا من حياته المهنيّة في الدفاع عن المعتقلين السياسيين من كل المحافظات والأوساط السياسية والعقائدية، لينتهي به الأمر مغيب في سجون النظام السوري منذ عام 2012.
ويقول زميله ورفيق دربه المحامي والناشط الحقوقي، ميشيل شماس، عن معتوق إن “الحديث عن اعتقال صديقي وأستاذي المحامي خليل معتوق لا ينفصل أبدًا عن المأساة السورية المتواصلة على امتداد الأراضي السورية المستمرة منذ أن اغتصب عسكريو البعث الحكم في سوريا”.
وبحسب شماس، فإن “المأساة السورية وصلت خلال حكم الديكتاتور بشار الأسد إلى مستويات مرعبة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، كما لا ينفصل الحديث عن مأساة عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الأسد الذين سعى (خليل) نفسه وبرغم مرضه للدفاع عنهم بكل قوة حتى لحظة اعتقاله”.
وفي 29 من آذار، أصدرت 36 منظمة سورية وعربية بيانًا دعمت فيه المحامي خليل معتوق لنيل جائزة “فرونت لاين” (Front Line Defenders) إذ تمنح مؤسسة “فرونت لاين” تقديرًا للمساهمين البارزين والعاملين بشجاعة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان المعرضين أنفسهم لمخاطر كبيرة.
ومن المنظمات الموقعة على البيان “هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير” و“المركزِ السوري للدراسات والبحوث القانونيّة”، والذي شغل معتوق رئاستهما قبل اعتقاله، كما شغل أيضًا رئاسة “المركز السوري للدفاع عن سجناء الرأي”.
الدفاع عن المعتقلين دون النظر إلى خلفياتهم
وقال صديقه الكاتب والمعتقل السياسي السابق، علي العبدالله، في سردٍ عن محطات معتوق لموقع “حكاية ما انحكت” كان شاهدًا عليها، فإن معتوق هو “أيقونة الدفاع عن حقوق الإنسان”.
وتابع، “يستحق الأستاذ خليل معتوق بما قدمه من جهد في سبيل حرية المعتقلين، وما بذله لأجل نشاط حقوقي قانوني مهني ومنسق، أن يبقى في الذاكرة وأن تبقى قضيته على جدول أعمال المعارضة، أفرادًا وجماعات، وأن تستمر حملات التذكير به والمطالبة بالكشف عن مصيره وإطلاق سراحه”.
ودافع معتوق، حسب العبدالله، عن كل معتقل دون النظر عن أي خلفية سياسية أو قومية أو دينية وعقائدية، إذ دافع عن الناشطين الكرد في انتفاضة عام 2004، وعن معتقلي “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” عام 2007.
وفي عام 2009 دافع عن معتقلي إعلان “دمشق بيروت- بيروت دمشق”، منهم الكاتب السوري والمعارض، ميشيل كيلو، والسياسي والمعارض السوري الكردي، مشعل تمو، والمحامي، أنور البني، والكاتب والناشط السوري، علي العبدالله، وآخرون.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 زادت أعباء معتوق في ضوء تزايد عدد حالات الاعتقال والاختطاف من الشوارع حيث فتح مكتبة لأهالي المعتقلين والمفقودين في تحد مباشر للنظام وأجهزته القمعية.
مسيرة سياسية أنهاها لصالح العمل الحقوقي
المحامي وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، وصديق معتوق، تامر الجهنامي، أوضح لعنب بلدي أن خليل معتوق تعرض لمحاولة اغتيال عام 2008، كما سخّر حياته للدفاع عن المعتقلين دون أجر.
وقال الجهنامي، لعنب بلدي، “كان معتوق عضوًا بالحزب الشيوعي سابقًا، ثم جمد عضويته فيه وعلق جميع أنشطته السياسية وتفرغ للعمل الحقوقي والإنساني”.
وفي عام 2000 أسس معتوق مع الجهنامي “هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير” في سوريا، وفي عام 2005 أسس ومعه مجموعة كبيرة من المحامين جمعية تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان.
ولاحقًا بعد عام 2005 حوّل معتوق منزله إلى منتدى سياسي في وقتٍ انتشر فيه ظاهرة المنتديات السياسية في فترة ربيع دمشق، حسب الجهنامي.
مصير مجهول
وفي صباح الثاني من تشرين الأول 2012، خرج خليل معتوق من بيته في صحنايا بريف دمشق متجهًا إلى مكتبه برفقة صديق له اسمه محمد ظاظا، ولم يُشاهد أي منهما منذ ذلك اليوم.
وقبيل اعتقال معتوق بيوم حذره أصدقائه عن تعميم اسمه على حاجز صحنايا، وقال الجهنامي لعنب بلدي، “علمت من مصادري بتعميم اسمه على حاجز صحنايا قبل اعتقاله بيوم واحد وأخبرت خليل بذلك وطلبت منه عدم التوجه إلى مكتبه يومها، إلّا أنه أصر على ذلك واعتقل فعلًا بنفس اليوم وعلى نفس الحاجز”.
ولم تنجح طلبات الحصول على المعلومات المقدمة إلى النائب العام في دمشق من قِبل عائلته وزملائه في عامي 2012 و2013، وكان ردّ السلطات السورية إنكار القبض على الرجلين.
ولم تتلقّ عائلتاهما وأصدقاؤهما منذ ذلك الحين أي معلومات من السلطات عن صحتهما أو مكان وجودهما.
ومن ناحية أخرى، أبلغ معتقلون مفرج عنهم عائلة معتوق بأنهم رأوه في مراكز احتجاز عدة تديرها الحكومة، منها فرع “أمن الدولة” (285) وفرع “المخابرات العسكرية” (235) في دمشق، حسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
ووصلت معلومات إلى أصدقاء معتوق، منهم الجهنامي قبل عامين عن وضعه الصحي ومكان احتجازه “فهو يعاني من مشاكل في التنفس ويعيش برئة واحدة”، وفق ما قاله الجهنامي، لعنب بلدي، لكن بعد ذلك اختفت المعلومات.
وفي الذكرى الثالثة لإخفاء معتوق ومساعده وصديقه محمد ظاظا قسرًا عام 2015، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وعدد من منظمات حقوقية أخرى دعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرجلين.
وأكدت المنظمة أنه على السلطات السورية الإصغاء إلى المطالبات دون مزيد من التأخير، والإفراج فورًا ودون قيد أو شرط عن خليل معتوق ومحمد ظاظا، وجميع الآخرين الذين اعتقلوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية.
وفي العام نفسه، منحت منظمة “محامون من أجل المحامين” الهولندية، خليل معتوق، جائزة على نشاطه وعمله في مجال حقوق الإنسان، عقب ترشحيه من قبل الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، واستلمت الجائزة، ابنته رنيم معتوق، في أمستردام نيابة عن والدها.
ما هي جائزة “فرونت لاين ديفندرز”؟
جائزة “فرونت لاين ديفندرز” هي جائزة سنوية للمدافعين عن حقوق الإنسان والمعرضين للخطر تأسست في عام 2005، تكريمًا لشجاعتهم من خلال ممارستهم العمل غير العنيف لحماية حقوق الإنسان، ولمساهمتهم البارزة في تعزيز وحماية حقوق الآخرين، على الرغم من تعرضهم لخطر كبير على الصعيد الشخصي.
وتسعى الجائزة إلى تركيز الاهتمام الدولي على عمل المدافع عن حقوق الإنسان، وبالتالي المساهمة في الأمن الشخصي للحائزين عليها.
وفي عام 2008 حصل المحامي السوري أنور البني على الجائزة، كما حصلت المدونة والناشطة الحقوقية وإحدى أبرز المشاركات بالثورة السورية، رزان غزاوي على الجائزة عام 2012.
وقال المحامي وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، تامر الجهنامي، إن الجائزة مهمة بالنسبة للمحامي خليل معتوق، وذلك لتسليط الضوء على قضية المعتقل وهو رمز لكل المعتقلين، وكذلك فضح اجرام النظام ومعاملته للمعتقلين، وتعرية أسلوب التغييب القسري، ودعم أسرة المعتقل معنويًا وإعطائهم شحنة إيجابية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :