عمالة الأطفال السوريين.. هل يتهرب المجتمع من أداء مسؤوليته؟

  • 2021/03/30
  • 5:09 م
عمالة الأطفال في مدينة الرقة - 5 حزيران 2020 (عنب بلدي / عبدالعزيز الصالح)

عمالة الأطفال في مدينة الرقة - 5 حزيران 2020 (عنب بلدي / عبدالعزيز الصالح)

عنب بلدي- روزنة
يعتبر عمل الأطفال مشهدًا شبه مألوف في كثير من الدول العربية ومنها سوريا، ويضطر قسم من الأطفال إلى ممارسة مهن شاقة لعدة أسباب، منها غياب المدارس في مناطق إقامتهم أو تردي الأوضاع الاقتصادية أو غياب الوعي لدى الأهالي بأهمية تعليم الطفل.

بحسب أحدث تقرير صادر عن “يونيسف” بين عامي 2019 و2020، فإن حوالي مليونين ونصف المليون طفل سوري متسربون من المدارس، و750 ألف طفل سوري في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدارس، وسط غياب إحصائيات واضحة عمّن توجه منهم إلى سوق العمل.

برنامج “صدى الشارع” المُذاع عبر راديو “روزنة” ناقش موضوع عمالة الأطفال السوريين، وتساءل إن كان المجتمع يتهرب من أداء مسؤولياته أم أنه يعجز عن مواجهتها، وتطرق إلى دور المنظمات العاملة في الحد من عمالة الأطفال، وتحدث عن أثر عمالة الأطفال على المجتمع.

عمالة الأطفال

تعرف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها أعمال تضع عبئًا ثقيلًا على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، وتعتبر عمالة الأطفال انتهاكًا للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما تحرم الأطفال من التعليم وإما تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل.

وتشمل عمالة الأطفال الواجب القضاء عليها:

  • أسوأ أشكال عمل الأطفال المطلقة، التي عرفت دوليًا بالاستعباد والاتجار بالبشر وسائر أشكال العمل الجبري، وتوظيف الأطفال جبرًا لاستخدامهم في النزاعات المسلحة، وأعمال الدعارة والأعمال الإباحية والأنشطة غير المشروعة.
  • العمل الذي يؤديه طفل دون الحد الأدنى للسن المخول لهذا النوع من العمل بالذات (كما حدده التشريع الوطني ووفقًا للمعايير الدولية المعترف بها).

عمالة الأطفال في محافظة الرقة

الناشط المدني من محافظة الرقة خالد الفرج، قال إن ظاهرة عمالة الأطفال ازدادت مؤخرًا، موضحًا أنه في مناطق النزاعات والحروب يضطر الأهالي إلى إرسال أطفالهم للعمل لعدة أسباب، منها تردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان مصدر دخل العائلة، أو تعرض الأهل لمرض ما، وبالتالي يعجزون عن تأمين الدخل.

وأضاف الناشط، “يعمل قسم من الأطفال في تصليح السيارات، وباتت ظاهرة العمالة واضحة بشكل كبير جدًا في محافظة الرقة، فالأطفال يعملون لتأمين لقمة العيش”.

عاصم آمنة، مواطن من محافظة الرقة (أب ولديه أولاد)، تحدث عن أسباب دفعته إلى إرسال أولاده للعمل، “اضطررت إلى إرسال أطفالي للعمل بسبب الظروف المعيشية القاسية، وانعدام وجود المدارس في المنطقة التي أقطن فيها بعد عودتي إلى محافظة الرقة”.

واعتبر الأب أن وضع الطفل في العمل آمن وسليم أكثر من وجوده في المدرسة، إذ يبقى الطفل تحت نظر صاحب العمل، في حين أن المدرّسة قد تصرف الطالب قبل انتهاء الدوام المدرسي، دون أن يعلم الأهل.

ويرى الأب أن وجود الأطفال في المدارس قد يكسبهم أطباعًا سيئة من أقرانهم، ما قد يؤثر على تنشئتهم.

عوامل أسهمت في عمالة الأطفال

الناشطة والمختصة في شؤون الطفل صالحة القش، قالت إن عمالة الأطفال “آفة خطيرة” و”وصمة عار على جبين الإنسانية”، موضحة أن الظاهرة ازدادت في السنوات العشر الأخيرة، وأخذت منحنى تصاعديًا.

وعن العوامل المسهمة في عمالة الأطفال، اعتبرت القش أن الأوضاع السياسية، والنزاعات والحروب الدائرة، والتهجير وتشرد الناس وحالات النزوح، والوضع الأمني، سبب لتفاقم الظاهرة.

وترى المرشدة النفسية أن العامل المباشر والرئيس لتوجه الأطفال إلى سوق العمل، هو الوضع الاقتصادي والمادي للناس في سوريا، مشيرة إلى وجود عائلات تعيش تحت خط الفقر في سوريا، ما يدفعها إلى إرسال أطفالها إلى العمل.

منظمة حقوقية تتحدث عن تأثير “كورونا” على تعليم الأطفال

قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” (save the children)، في تقرير لها، إن اثنين من بين ثلاثة أطفال لم يعد باستطاعتهم الذهاب إلى المدرسة وإكمال تعليمهم، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في الشمال السوري.

وتوصلت المنظمة، عن طريق استطلاع آراء حوالي 500 معلم، إلى أن 2.45 مليون طفل في جميع أنحاء سوريا أصبحوا خارج دائرة التعليم.

وذكرت أن المعلمين أبلغوا عن أرقام مماثلة في مخيمات “الهول”، و”روج”، و”العريشة” في الشمال الشرقي، حيث توقف ما لا يقل عن 5500 طفل عن الذهاب إلى المدرسة.

ووفقًا لتقرير المنظمة، فإن المدرّسين الذين أجابوا عن الاستطلاع بالأغلبية، قالوا إن الفقر هو السبب الأكبر لترك الأطفال المدرسة، إذ أصبح الأهالي يعتمدون على عمل الأطفال كمصدر دخل.

وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن حوالي 60 معلمًا قالوا إن الجائحة كان لها تأثير على استمرارية التعليم في الفصول الدراسية، وإن الخيار الوحيد المتبقي للأطفال هو التعلم عن بُعد، وهو ما لا يملك العديد من الأطفال الوسائل للقيام به.

وقالت مديرة استجابة المنظمة في سوريا، سونيا كوش، خلال التقرير، “دفع عقد من الصراع ملايين العائلات السورية إلى براثن الفقر، وأجبر الأطفال على العمل فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، ودفع مئات الآلاف منهم إلى ترك المدرسة، ما جعل التعليم حلمًا بعيد المنال”.

عمالة الأطفال في إدلب

المسؤول الإعلامي في “مديرية التربية والتعليم الحرة” بحماة، معن الأحمد، وصف ظاهرة عمالة الأطفال بـ”الخطيرة”، موضحًا أنه منذ انطلاق الثورة السورية وقصف النظام السوري للمدارس، بدأت الظاهرة تتفشى بشكل واضح.

وتحدث الأحمد عن وجود دور كبير للوضع الأمني في الإسهام بتفاقم ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس، موضحًا أن نسبة كبيرة من العائلات فقدت رب أسرتها أو أصيب إصابة تسببت في منعه من العمل نتيجة الحرب في سوريا، ما دفع قسمًا كبيرًا من الأطفال إلى ممارسة مهنة ما.

وقال الأحمد، “كمديرية تربية، نسعى إلى تشجيع الأطفال على التعلم من خلال جلسات تقدم في المدارس والمخيمات للتشجيع على التعلم”.

وتحدث الأحمد عن احتمالية نشوء ظاهرة “عمالة المعلمين”، إذ إن أغلب المعلمين يعملون بشكل تطوعي في شمال غربي سوريا، مضيفًا أن البعض منهم يدرس بشكل مجاني بينما يتقاضى آخرون أجورًا زهيدة.

أسباب تتعلق بالطفل ذاته

أوضحت المرشدة النفسية صالحة القش أن الطفل عندما يأتي من مناطق مختلفة ويضطر للاستقرار في مجتمع جديد، يجد صعوبة في الاندماج مع الأقران، مضيفة أن الفقر أسهم بشكل كبير في تنامي ظاهرة التسرّب من المدارس.

واعتبرت أن عدم وجود الأمان منع بعض الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدارس، مضيفة أن عمل الأطفال هو نتيجة استغلال عدم قدرة الطفل على مطالبته بحقه في التعليم.

وأشارت القش إلى أن قطاع التعليم لا يُدعم من المنظمات بالشكل الكافي، فعادة الميزانية المُخصصة له محدودة والكادر التعليمي تطوعي، وبعض الصفوف تحتوي 70 طالبًا، ما يشكل صعوبة على المُتلقي والمعلّم، وبالتالي يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة.

وأوضح المسؤول التعليمي معن الأحمد، أن معظم مدارس الشمال السوري مدارس مُقامة في المخيمات، ضمن ظروف سيئة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.

تأثير ظاهرة عمالة الأطفال على المجتمع

قال الناشط خالد الفرج، إن هناك انعكاسات سلبية لظاهرة عمالة الأطفال، موضحًا أن الجيل المتسرّب من المدارس وغير المتعلّم، سيعاني الأميّة في القراءة والعمليات الحسابية البسيطة، ما سيؤثر على نفسيته وإنتاجيته في المجتمع.

وتحدث عن نشوء جيل كامل مستهلك غير منتج في المتجمع، وبالتالي سيكون الأطفال غير المتعلمين عبئًا على المجتمع، وسيمارس هؤلاء أعمالًا عادية حرفية غير مستقرة وليست لها مكانه كبيرة في المجتمع.

ووجه البرنامج استطلاعًا للمستمعين حول ما إن كان المجتمع يتهرب من ممارسة مسؤولياته في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، وبنتيجة الاستطلاع، اعتبر 54% أن المجتمع عاجز عن حل مشكلة عمالة الأطفال، بينما اعتبر 46% من المُستطلعة آراؤهم أن المجتمع يتهرب ويتقاعس عن أداء مسؤوليته.


أُعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة “عنب بلدي” وراديو “روزنة”.

مقالات متعلقة

أسرة وتربية

المزيد من أسرة وتربية