الإجراءات الحكومية خارج المعادلة.. ما الأسباب الحقيقية لتحسن الليرة السورية؟
على الرغم من التحسن النسبي في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي في الأيام الأخيرة، لينزل سعر صرف الدولار إلى ما دون 3500 ليرة، تثير هذه الحركة المتذبذبة في قيمة الليرة السورية التساؤلات حول استقرار فعلي لليرة أم أنها على موعد مع موجة مقبلة من التدهور،
وشهد آذار الحالي، تدهورًا تاريخيًا لقيمة الليرة السورية، بلغ ذروته في 18 من الشهر، حين وصل سعر صرف الدولار إلى 4730 ليرة مقابل الدولار الواحد.
ولكن لحق هذا الارتفاع عودة إلى ما وراء حدود الـ4000، إذ سجلت الليرة السورية اليوم الأحد 28 من آذار، 3260 مقابل الدولار الواحد، بحسب موقع العملات “الليرة اليوم“.
أرباح وتداول
وتقول الرواية الرسمية لحكومة النظام السوري إن التحسن مرده إلى إجراءات تهدف لخفض سعر صرف الدولار، كوقف استيراد الهاتف الخلوي وغيره، إلا هذه التحركات غير مؤثرة إلى حد كبير أو حتى ملموس بقيمة العملة السورية في الحقيقة.
ويرى الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث لعنب بلدي، أن الارتفاع الملحوظ الذي طرأ على قيمة الليرة السورية مرده إلى عمليتي جني الأرباح والتداول.
وأوضح أن الليرة موجودة للتداول بحدها الأدنى من أجل صرف الرواتب حتى في الشمال السوري الخاضع للمعارضة، لافتًا إلى أن النظام لديه أيضًا صرافين وأشخاص يعتمد عليهم في تداول العملة وزيادة حركتها في السوق.
تذبذب طبيعي.. ومستقبل غير مبشّر
واعتبر تركاوي أن وصول سعر الصرف إلى أكثر من 4000 ليرة كان “مفاجئًا قليلًا”، موضحًا أن ثبات العملة في حدود الأربعة آلاف ليرة هو “المنطقي في الشهر والنصف المقبلين”.
وتوقع الباحث الاقتصادي أن الليرة متجهة إلى الهبوط عمومًا، وقال “يمكن أن تهبط مجددًا، فهي ضعيفة وما من شيء يمكن أن يدعمها”.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي والمالي الدكتور فراس شعبو، إنه “لا يمكن لأي سعر صرف لأي عملة في العالم أن يستمر في الصعود”.
وأشار شعبو، في حديث لعنب بلدي، إلى أن أسعار الصرف عادةً تمر بمرحلة تذبذب، موضحًا أن أي عملة في العالم تمر في مرحلة صعود وتليها مرحلة من ارتياح والنزول، لتعاود الصعود مجددًا.
حركة التذبذب هذه طبيعية، بحسب شعبو، الذي رجح أن العملة السورية متجهة في منحىً تصاعدي لكنه مؤقت وليس ثابتًا، لأن “النظام مضعضع اقتصاديًا”.
استعراض عضلات ضامرة
اعتبر الدكتور فراس شعبو أن ما يتخذه النظام السوري من تحركات “يندرج ضمن الإجراءات الأمنية والقمعية، وليست إجراءات سياسة مالية أو نقدية، التي لم يستخدم أيًا منها”.
وتقتصر مهام المصرف المركزي على تصريحات تشبه تلك في أفرع الأمن، والتي تنص على ملاحقة وتهديد من يصفهم بالمضاربين أو المخالفين لسياساته.
ويرى الدكتور شعبو أن النظام يلقي اللوم على التجار كشماعة لعدم الاعتراف بفشله في إدارة الأزمة، وأضاف، “إذا كان التاجر قادرًا على هدم دولة اقتصاديًا بشكل كامل فنحن لسنا في دولة”.
تحركات خلبية
وفي 23 من آذار، نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عما أسمته “مصدرًا ماليًا”، أن الحكومة “اتخذت سلسلة من الإجراءات في السوق السورية السوداء وضعت حدًا لارتفاع الدولار”، وفق تعبيره.
وأضاف المصدر للصحيفة أن الحكومة “اتخذت سلسلة من الإجراءات أهمها الحد بشكل كبير من عمليات التهريب بين الحدود السورية واللبنانية، ومنع وإيقاف استيراد العديد من المواد التي تعتبر من الكماليات ويمكن الاستغناء عنها لعدة أشهر (أجهزة الخليوي على سبيل المثال).
وأوضح أن الحكومة تدخلت في السوق السوداء للحد لإيقاف عمليات الصيرفة “غير النظامية”، مشيرًا إلى أن ذلك أدى إلى تراجع الدولار “اليوم أمام الليرة السورية”.
وفي ذات اليوم، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إيقاف استيراد أجهزة الهواتف المحمولة (الموبايل)، حتى إشعار آخر.
وقررت الوزارة في بيان نشرته “الوطن” حينها، إلزام مدراء الاقتصاد ورؤساء دوائر المنح في هيئة الاستثمار السورية والمدن الصناعة بعدم قبول طلبات استيراد أجهزة الهاتف المحمول.
كما منعت منح أي إجازة لاستيراد أجهزة الهاتف المحمولة، موضحةً أن القرار “للاطلاع والتنفيذ بمضمونه حتى إشعار آخر”.
التهريب.. مياه في غربال النظام
في رد على استفسار حول علاقة الحد من عمليات التهريب من سوريا إلى لبنان بسعر الصرف، تساءل شعبو: “من يستطيع إيقاف التهريب بين سوريا ولبنان؟ هل النظام مسيطر أصلًا على حدوده مع لبنان؟”.
وأوضح أنه يوجد نحو 20 معبرًا غير شرعي بين حدود البلدين، ما معناه أن التهريب جارٍ على قدم وساق.
واعتبر أن رواية ضبط التهريب محض “بروباغندا” إعلامية، مضيفًا أن من ينفذ عمليات التهريب هم أمراء الحرب ضمن أركان النظام.
الجوع والفقر يستشريان في سوريا
يعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق.
ويعد هذا الرقم أعلى نسبة سُجلت على الإطلاق، وفقًا لنتائج تقييم الأمن الغذائي على مستوى البلاد الذي أُجري في أواخر عام 2020، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، نشر في شباط الماضي.
ووفقًا للبيانات، يعاني 1.3 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وقُيّم 1.8 مليون شخص إضافي على أنهم معرضون لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي.
وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 57%، أي بمقدار 4.5 مليون شخص في عام واحد فقط.
وذكر برنامج الأغذية أن التدهور الملحوظ هو في المقام الأول نتيجة النزاع الذي طال أمده، والنزوح الجماعي للسكان الذي أدى إلى تآكل سبل العيش والقدرة على الصمود، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية منذ عام 2019.
وفي تقرير صدر، في 22 من آذار الحالي، عن “صندوق الطوارئ الدولي للأطفال” (يونيسف) التابع للأمم المتحدة، فإن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وأشار إلى أن ذلك يؤثر على قدرة الأسرة في الحصول على خدمات وإمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة، ويزيد من اعتمادها على المساعدات الإنسانية المستمرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :